بقلم: محمد أبو علان:
http://blog.amin.org/yafa1948
الظروف السياسية السائدة في العالم بشكل عام، وفي عالمنا العربي بالتحديد لا تمكن الحركات الإسلامية من الحكم، وذلك لاعتباران رئيسيان، الأول الظروف السياسية العالمية القائمة على نظام القطب الواحد، والمتحكم بكافة الموارد الاقتصادية الكونية لن يسمح بقيام نُظم حكم تديرها تيارات الإسلام السياسي، والاعتبار الثاني التباين في المواقف السياسية بين الحركات الإسلامية نفسها مما يعكس نفسه سلباً على هذه الحركات.
ففي موقع تجدها تقف مع الاحتلال وتدعمه كما هو الحال مع الإخوان المسلمين في العراق، وفي مواقع أخرى تجدها ضد الأنظمة السياسية الظالمة والاحتلال معاً كما هو الحال في فلسطين ومصر وأفغانستان وغيرهما من الدول العربية والإسلامية.
عدم تمكن الحركات الإسلامية من ممارسة الحياة السياسية الاعتيادية في العالم العربي كغيرها من الأحزاب والقوى السياسية نتيجة الضغوطات والمضايقات السياسية اعتبرها البعض فشل لهذه الحركات دوت أي اعتبار لما تواجهه من ظروف سياسية موضوعية.
هذا الواقع دفعني لمحاولة قراءة وتحليل مواقف من يرفعوا شعار فشل التيارات الإسلامية في العالم العربي، يرفعونه من باب القراءة والتحليل أحياناً، ومن باب الابتهاج والفرح أحياناً أخرى دون ربط الأمر بالعوامل السياسية الموضوعية التي سببت هذا الفشل، وأهم ما في هذا الأمر أن مرددي هذه الفكرة يعتبرون ذلك نصراً لهم دون أن يعددوا نقاط النجاح التي حققوها هم وفشلت بها التيارات الإسلامية، إلا إذا كانوا يعتبرون فشل التيارات الإسلامية هو تحصيل حاصل نصر مظفر لهم.
هناك العديد من التجارب التي يستند عليها البعض في التدليل على فشل التيارات الإسلامية في عالمنا العربي، أحدث هذه التجارب نتائج الانتخابات اللبنانية التي حقق فيها تحالف الحريري فوزاً على المعارضة اللبنانية التي يعتبر حزب الله أحد مكوناتها الرئيسة، والحدث الآخر تجربة حركة حماس في الحكم بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الثانية 2006 في فلسطين، ومن ثم فشل الحركة الإسلامية في الانتخابات البرلمانية الأردنية وإنحسار قوتها لستة برلمانين بعد أن كان لهم سبعة عشر عضو في البرلمان في الانتخابات التي سبقت.
ولكن من بخوض في فشل وتراجع الحركات الإسلامية ويصرف نظره وفكرة عن العوامل الموضوعية التي أدت لهذا الفشل، ويعتبر أن عوامل ذاتية فقط هي السبب في الفشل يكون بعيد كل البعد عن الموضوعية والعلمية في التحليل والقراءة لهذه المسألة.
فقبيل الانتخابات اللبنانية الأخيرة تكالب العالم الغربي برمته وجزء كبير من العالم العربي في حملة مناصرة لتحالف الحريري، مقابل تهديد ووعيد غير مسبوق للشعب اللبناني إن فاز حزب الله في هذه الانتخابات، أو كان الحزب المشارك والمكون الرئيس لأية حكومة لبنانية قادمة، مذكرين اللبنانيين ما يعيشه قطاع غزة من حصار نتيجة فوز حركة حماس.
وتجربة حركة حماس في الحكم واجهتها الكثير من المصاعب السياسية والاقتصادية المبرمجة على كافة المستويات الإقليمية والدولية، ناهيك عن المضايقات التي تعرضت لها على الصعيد الداخلي من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فوزرائها وأعضاء مجلسها التشريعي اعتقلوا من الشهور الأولى لتشكيل الحكومة العاشرة، ومنهم ما زال رهن الاعتقال حتى يومنا هذا، ناهيك عن الحصار الاقتصادي الذي طال كل فلسطيني يعيش في فلسطين المحتلة.
وعلى صعيد الفشل في الانتخابات في بعض الدول العربية، فالأمر لا يحتاج لكثير من التحليل والقراءة، فالكل منا يدرك كيف تتم الانتخابات في بعض الدول العربية، ومن لا يذكر تلك المشاهد من الانتخابات النيابية المصرية التي كان فيها التزوير أمام شاشات التلفاز، وما خفي منها كان أعظم.
ويمكن في هذا المجال استذكار ما جرى في الانتخابات المحلية في الجزائر في العام 1996، وكيف انقلبت الحكومة على نتائج هذه الانتخابات، لا بل عمدت لملاحقة القيادات السياسية للحركة الإسلامية الجزائرية مما وسع الهوة بين الطرفين حتى وصل الأمر لما هو عليه من مواجهات دموية بين الطرفين حصدت في طريقها مئات آلاف الضحايا قتلوا بطرق بشعة ووحشية تبادل فيها الإسلاميين والحكومة الأدوار في ظل سعي بعض الجهات لتحميل الحركة الإسلامية في الجزائر وحدها المسئولية عن هذه الحرب الدموية.
هذا لا يعني عدم وجود بعض العوامل الذاتية لدى الحركات الإسلامية في العالم أدت لفشلها السياسي في الحكم، ولكن هذه العوامل الذاتية كان يمكن التغلب عليها لو أن الحركات الإسلامية أعطيت فرصة حقيقية، وبيئة ديمقراطية صحية لتمارس الحياة السياسية بشكل حر كما أعطيت الفرصة لغيرها من الحركات والتيارات السياسية، كما أن الأخطاء وعوامل القصور الذاتي في الحياة السياسية التي أدت لفشل الحركات السياسية ذات الطابع الإسلامي هي جزء من حياة القوى والأحزاب الأخرى ذات التوجهات العلمانية والاشتراكية، بالتالي الكل شركاء في هذه العوامل وليست صفة لحزب عربي دون غيرة.
الجهات السياسية والمحللين الذين يتحدثون عن فشل الحركات السياسية الإسلامية كحركات غير مؤهلة للحكم، وثبات فشل تجربتها لم يقدموا لنا نقاط النجاح والمراحل المضيئة للجهات والقوى السياسية ذات التوجهات الفكرية غير الإسلامية التي يمكن أن تكون بديل لها، وأين هي نجاحاتها في المواقع والأمور التي أخفقت بها هذه الحركات.
في المقابل هناك تجارب للحركات الإسلامية تسجل لها، فتجربة حزب الله كحركة دينية وطنية مقاومة حققت ما عجزت عن تحقيقه قوى وتنظيمات سبقت حزب الله بعقود، حيث استطاع حزب الله دحر الاحتلال من الجنوب اللبناني بعد احتلال دام لحوالي عشرون عاماً، إلى جانب هذا حقق الحزب الكثير من الانتصارات سواء كان ذلك في عمليات تبادل الأسرى، أو في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006.
وعلى الرغم من المسئولية التي تتحملها حركة حماس عن حالة الانقسام السياسي الداخلي في الحياة السياسية الفلسطينية، وتراجعها عن خط المقاومة المسلحة ضد الاحتلال لا يمكن التنكر لدور حركتي حماس والجهاد الإسلامي كحركتين ذات فكر إسلامي في النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال، وتنفيذ عمليات نوعية ضد هذا الاحتلال.
أما محاولة البعض الاسترشاد بما يجري في إيران من مواجهات بين الإصلاحيين والمحافظين كمؤشر فشل نظم الحكم الإسلامية اعتقد أنه على قدر كبير من الخطأ، فإيران الإسلامية تمكنت من بناء دولة قوية ذات تأثير دولي وإقليمي، وما الصراعات السياسية الداخلية إلا نمط من الصراع موجود في كل المجتمعات السياسية التي تعيش ولو الحد الأدنى من الحياة الديمقراطية.
بالتالي الحكم بنجاح أو فشل الحركات الإسلامية في إدارة شؤون البلاد والعباد لا يمكن أن يكون منطقي وموضوعي ما لم تعطى لها الفرصة كما أعطيت للتيارات القومية والشيوعية والعلمانية، ونقاط الإخفاق التي تعيشها الحركات الإسلامية هي جزء من الحياة السياسية لمنتقديها السياسيين أيضاً منذ عقود، بالتالي النقد لأي قوى سياسية في حياتنا السياسية يفترض أن يكون على قاعدة التقويم والتصحيح وليس من باب تسجيل النقاط فقط.
moh-abuallan@hotmail.com
التعليقات (0)