مواضيع اليوم

هل فرَض الشعب السوري إرادته على العالم؟

عبدو شامي

2013-08-26 21:41:29

0

هل فرَض الشعب السوري إرادته على العالم؟

 

لم تكد تمضي سنة ونصف السنة على بداية انتفاضة الحرية والكرامة في سوريا، حتى أصبحت رسالة المجتمع الدولي واضحة أكثر من أي وقت مضى.

 

نحن المدعوّين المجتمع الدولي -بما فيه أميركا وروسيا وإسرائيل وإيران- نفيد التالي: أيّها الشعب السوري الثائر لقد تجرّأت على المسّ بالمعادلتَين التوأمَين الصهيو-أميركية والصهيو-إيرانية في المنطقة، وإننا في ظل غياب بديل مقنع قادر على إكمال عمالة "الأسد" ومشروعه الفارسي والصهيوني بقناع ديمقراطي، لن نسمح لكَ بقلب تلك المعادلة والعبور الى سوريا الحرية والكرامة إلا على جثث ثوّراك وأطفالك وعلى أنقاض كبرى مدنك وأعرقها تاريخًا وحضارة "حماه" و"حمص"و "حلب" و"الشام"؛ فبغير سوريا مدمَّرة بنيويًا وعسكريًا واقتصاديًا لا يمكن أن نعوِّض جزءًا يسيرًا من خسارتنا "الأسد"، ولا أن نأمن على إسرائيل وما تبقّى لنا من مصالح في المنطقة.

 

أما الشعب السوري البطل، فكان ردّه أكثر وضوحًا وتحديًا وصراحة على المتآمرين، وقد أعلنه بإيمان عظيم منذ أول يوم للثورة: "الموت ولا المذلة، ويا الله ما لنا غيرك يا الله".

 

21/8/2013، تاريخ لن ينساه العالم، الدكتور الإصلاحي خرّيج جامعات بريطانيا (كما وصفته أميركا في بداية الثورة والبطريرك بشارة الراعي)، والمقاوم والممانع والعروبي (كما يحلو لمحور الشر تسميته وحثالة من المعمّمين السنّة)، الإرهابي الأول "بشار الأسد" يُبيد غوطة دمشق الشرقية بالسلاح الكيميائي حاصدًا في ساعة واحدة أكثر من 1600 شهيد و9آلاف مصاب.

 

وصمة عار على جبين المتخاذلين عن نصرة الشعب السوري منذ أن قلع الوحش الأسدي أظفار أطفال "ّدرعا" الذين كتبوا على جدران حيّهم ببراءة بل بشجاعة عجز عنها بدايةً الكبار "الشعب يريد إسقاط النظام". بيد أن وصمة العار هذه شكّلت على ما يبدو نقطة تحوُّل في الأزمة السورية.

 

تشكيك باستخدام السلاح الكيميائي ومطالبة بتحقيق دولي، أو تلميح أن المعارضة هي من استخدمته، واستنكار عام للجريمة مع تجهيل المجرم! تلك كانت ردود الفعل الدولية يوم حصول الإبادة، قبل أن تنجلي الصورة وتُفهم الرسالة المزدوجة: بشار الأسد أعلن سقوطه بنفسه وأثبت لجميع المراهنين عليه عدم قدرته على إكمال رسالة العمالة التي ورثها عن أبيه وعن جده الأكبر، إذ لو كان قادرًا على وأد الثورة والتخلّص من معارضيه بالسلاح التقليدي ما كان ليستخدم الكيميائي محرجًا الضمير العالمي و"زلّة لسان" الخط الأحمر "الأوبامي"، أما الشعب السوري فلن يركع لجلاده وسيكمل مسيرة الحرية وإسقاط الأقنعة حتى آخر ثائر في أضيق حارة.

 

25/8/2013، يوم التحولات العالمية؛ لقد أضيئت بالأحمر الخطوط الهاتفية للمكالمات بين العواصم الكبرى. البيت الأبيض يعلن أن الرئيس الأميركي بحث مع نظيره الفرنسي في اتصال هاتفي إمكانية القيام بردّ دولي منسق بعد الهجمات الكيميائية؛ و"الإليزيه" يؤكد أن الرئيس الفرنسي شدد على أن "كل المعلومات تتقاطع لتأكيد أن نظام دمشق شن تلك الهجمات. أما العنوان العريض لمكالمة أوباما ورئيس الوزراء البريطاني فكان الاتفاق على "رد جدي".

 

وقبل تلك المكالمات كانت لافتة الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" الى إسرائيل، فيبدو أن فرنسا لم تقرّر تصعيد لهجتها والتورّط في وعود ممنوعة التطبيق قبل أخذ إذن إسرائيل وليّة أمر النظام الأسدي وراعية لعبة توزيع الأدوار بين الفيتو الروسي ومشاريع قرارات أميركا والأوروبيين. وبالفعل، ومن القدس المحتلة وعقب اجتماعه الى "نتنياهو" أعلن "فابيوس" في مؤتمر صحافي مشترك قرار موافقة إسرائيل على عمل عسكري ضد "الأسد"، وهو ما يُستشف تصريحه أن "الهجوم بالسلاح الكيميائي قرب دمشق هو أمر مؤكد وكذلك مسؤولية النظام السوري عن هذا الهجوم". لتتوالى بعد ذلك التحركات والاجتماعات العسكرية العربية والغربية، وتجعلنا نكاد نجزم  -والعبرة في التنفيذ- بأن  حلف شمال الاطلسي (ناتو) سيسدّد (من خارج مجلس الأمن) جزءًا من ديون الأسرة الدولية للإنسانية وللشعب السوري بتوجيه ضربة عسكرية مرتقبة الى مواقع محددة داخل الأراضي السورية.

 

هذا، ولم تعلن روسيا في اليوم التالي عن أنها "لن تتدخل ولن تنجر الى حرب حتى إذا هوجم النظام السوري" إلا بعد أخذها علمًا بالضوء الأخضر الإسرائيلي. كما أن إيران ستحذو حذو روسيا وستكتفي بالخطابات والتحذيرات والإدانات الكلامية المفرّغة من أي مضمون عملاني، لأنها تعلم جيدًا الحدود والمساحة المسموح لها بل المطلوب منها اللعب داخلها صهيو-أميركيًا؛ ولعل هذا ما سيوصله الديبلوماسي الأميركي "جيفري فيلتمان" الذي توجّه لزيارة إيران.

 

انطلاقًا من وصف أميركا وإسرائيل غير مرّة امتلاك نظام "الأسد" السلاح الكيميائي بـ"الأيادي الأمينة"، وذلك في معرض تطمينهما الشعب الإسرائيلي -لا السوري- بأن تلك الأسلحة لن تُستخدم ضده، وتحذيرهما المستمر من وقوع تلك الأسلحة في "الأيادي الخطأ" على حد تعبيرهما أيضًا، أي أيدي الثوار، نقول:

 

إن الضربة العسكرية المرتقبة -والعبرة في التنفيذ- إذا كانت لإضعاف "الأسد" فقط وتجريده من الكيميائي، فهي خطوة منتظرة وأقل الواجب من المجتمع الدولي تجاه حرب الإبادة والمأساة التي سببها المجرم "بشار الأسد" للشعب السوري، غير أنها تبقى خطوة منقوصة إذا لم تشمل ضرب الأهداف الكفيلة بإنهاء الحكم الأسدي، وبالتالي الغاية منها ليست حماية الشعب السوري بقدر ما هي حماية إسرائيل أولاً، أو بعبارة أخرى الحؤول دون اقتراب وقوع الترسانة الكيميائية في أيدي الثوار، وتجريد سوريا الجديدة المحرَّرة من هذا السلاح.

 

وسواء كان الهدف من الضربة -على فرض حدوثها- تجريد الأسد من الكيميائي (وهو الأرجح) أم القضاء على نظامه (وهو المستبعد)، تبقى الحقيقة المدوية والمشرّفة التي يجب أن لا يغفل عنها أحد، ألا وهي أن الشعب السوري فرَض إرادته على العالم، فقرار التدخل العسكري بحد ذاته ما كان ليُؤخذ لولا صمود ثورة الحرية والكرامة المجيدة وقافلة الشهداء والمصابين التي قدّمتها، ولولا إدراك المجتمع الدولي وإسرائيل تحديدًا أن الشعب السوري الأبي لم يُبقِ لرَجُل إسرائيل وإيران أية حظوظ أو آمال في استعادة السيطرة والعودة الى حكم سوريا من جديد.

عبدو شامي

27/8/2013




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !