هل ظلموك ٠٠ فقالوا : " درة مصونة " ؟!!
توقفت عند عبارة " درة مصونة " ٠٠ تلك العبارة التي " تلاك " كلما ثار جدل حول المراءة ، فوجدت جمودا على المضمون المادي " للحجر " من ناحية وعلى مفهوم " صيانته " من ناحية اخرى ٠ وهو جمود عقلي يحول المراة في وعي المتلقي الى كيان مادي مجرد ليس له قيمة سوى استمتاع مالكه به ودوره في التنشئة ، وبالتالي يتحول مفهوم "الصيانة" الى مفهوم سلبي ٠
فإذا كان من الاعتراف بجمال جوهر المرأة أن تشبه ب"الدرة" وأن من الواجب أن يصون الرجل المرأة ٠٠ فهل تصان المرأة بنفس الطريقة التي تصان بها الجوهرة "المادة" ؟!
الحقيقة أن الجمود العقلي على هذا المفهوم المادي جعل المرأة في نظر الكثير "صيد ثمين" والرجل لص متربص !! بينما العقل السليم يرى المرأة كيان بشري وليست مادة جامدة ! وليست كائن يهبط - في حالات نادرة - على الرجل البشري من كوكب آخر غير كوكب الأرض ! ٠٠ المرأة أم الرجل وشقيقته وابنته وزوجته ، والنساء شقائق الرجال " حديث شريف" ، والمرأة لم تخلق للزينة بل خلقت لما خلق له الرجل . وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون " الآية " ٠
فكيف تحول - عمليا - التشبيه من كناية وصورة بلاغية ذات مدلولات إيجابية إلى واقع في مضمونهة من حيث المعنى المادي و"الصيانة" على حد سواء ؟! فاصبحت بالتالي المرأة في الوعي المجتمعي كالمادة المشبهة بها ليس في مقدورها التمييز بين الخطأ والصواب ، بين الحق والباطل ، بين الحلال والحرام ، بين الفاسد والطاهر ، وبين أبواب " الذريعة " للفساد وفضاءات الإيجابية والرقي ٠
وللإجابة على هذا التساؤل : انظر لواقع المرأة اليوم تجد نمطين من الجمود العقلي على دور المرأة وصيانتها وفقا لمفهوم " الدرة المصونة " ٠ الاول : الجمود على دورها الاساسي " التربية "، والثاني : إمتاع الرجل وراحته مع أن الحياة الأسرية تقوم على المشاركة "والشراكة" وقد نتج عن هذا الجمود والفهم القاصر حالتان سلبيتان : جردت الاولى المرأة من كمال دورها الإنساني والاجتماعي كانسان عاقل رشيد ومكلف ومؤتمن على ذاته وسلوكياته ومسؤولياته وككيان يشكل نصف المجتمع ، وخلقت الأخرى فرصة لدعوة المرأة للتمرد على القيم الدينية والاجتماعية والتخلي عن حجابها الاسلامي الثابت بل وربما ما هو أسوأ من ذلك !! الأمر الذي خلق بدوره مناخا ملائما لنمو تيارين متصارعين حولا المرأة الى "مشروع " يستمدان منه البقاء !!٠٠ بمعنى أنه لولى (قضية) المرأة المتمحورة حول مفهوم "الدرة المصونة" من جانب ومحاولات تخليصها من دائرة هذا المفهوم الضيق من جانب آخر لما وجد هذان التياران ما يتصارعان عليه !!! ٠
ولعل من نتائج الجمود العقلي على دور المرأة وفقا لمفهوم "الدرة المصون" بقاء المرأة في مربع السلبية الذي كانت عليه المراة في مجتمع القبائل المتناثرة التي كانت تعيش حياة النهب والسلب ، وتعتمد على القوة العضلية للرجل في حماية العشيرة وممتلكاتها بشكل عام وحماية المرأة بشكل خاص ، فلا يزيد دور المرأة في هذه الظروف الاجتماعية عن الإنجاب وتربية الصغار وطهي طعام الاسرة ٠ وقد يكون وضع المراة هذا في ذلك الوقت وتلك الحقبة التاريخية منطقيا ومتكيفا مع البئة الاجتماعية والاقتصادية لأفراد القبيلة ولكن التشبث بهذا الوضع وفرضه على المراة اليوم في واقع اجتماعي واقتصادي وتنموي متغير هو من اهم معوقات تقدم المجتمع ونموه ، وهو نمط من أنماط السلب المركب : فهو يسلب من المرأة استقلالها الذاتي ويسلب من المجمع حقه في استثمار كل طاقاته وموارده البشرية ٠
تلك هي عقلية "الجوهرة المصون " بمفهومها السلبي ٠٠
واعتقد انه حان الوقت لتتغير تلك العقلية وتلك النظرة الدونية للمراة المترتبة عليها لتدرك ان واقع الجماعات المتناحرة التي تعتمد فقط على الرجل "الفرد" في امنها ومكتسباتها من السلب والنهب لم يعد له اثر ، وان المجتمع الموحد تحت راية دولة معاصرة يتطلب تغيرا في بعض المفاهيم السائدة لتواكب التغير الذي يقوم عليه الان في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية ، وان المسؤولية الإنتاجية لم يعد من المقبول إسنادها للقوى العاملة الاجنبية بل لا بد من اعتماد المجتمع على قوته الوطنية العاملة والمنتجة ، والاهم من كل ذلك هو ان المراة كجوهرة ستكون اكثر لمعان واكثر قيمة بمشاركتها وتفجير طاقاتها الإيجابية واستثمار قدراتها العقلية والفكرية لا بفرض الوصاية عليها كما لو كانت ناقصة عقل ، وان مسؤولية صيانة المرأة اصبحت مسؤولية اجتماعية تتمثل في المؤسسات الحكومية والمدنية ، والأجهزة الأمنية ، والهيئات التنفيذية ، وهذا هو المفهوم الايجابي ل"الصيانة" !
وبما ان العقل والفاعلية والتكليف هي القواسم المشتركة بين الرجل والمرأة ، وبما ان المراة نصف المجتمع ، وانه كما للرجل حقوق وعليه واجبات وللمرأة كذلك حقوق وعليها واجبات ، وكما هو الرجل مكلف متى بلغ الرشد والمرأة كذلك ، فان للرجل والمراة على حد سواء دور إنتاجي على كل المستويات الذهنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بالاضافة لدور المراة التربوي ٠
تركي سليم الاكلبي .
التعليقات (0)