أيقظت جنازة الأميرة "فريال" ابنة الملك فاروق ملك مصر الراحل خيالات المصريين وذكرياتهم عن عهد الملكية والملك فاروق تحديداً.. وأنشأت مقارنة حتمية بين السبعة وخمسين عاماً عهد الضباط الأحرار وحركتهم أو ثورتهم والجمهورية عموماً وبين عهد الملك فاروق والملكية عموماً .. وحال مصر وشعبها بين العهدين والعصرين ..
ومما لفت الانتباه في جنازة الأميرة فريال هو رغم أنها جنازة ملكية ذات دم أزرق من المفترض أن تقتصر على بقايا الأسرة الملكية من أمراء وأميرات والحاشية المقربة منهم ..
إلا أنه تلاحظ تواجد كثيف من بسطاء الشعب ورقيقي الحال والذين بسيرهم بالجنازة وكأنهم أدخلوا أنفسهم في نفق يوصلهم إلى روائح العهد الملكي متجاوزين العهد الجمهوري جميعه ..
وكأنهم يقدمون رسالة لا تخطؤها عين الرائي عن مشاعر حنين مكتومة اعترت دائرة من المصريين قد تتسع بمقدار مفاضلتهم بين حالهم إبان العهد الملكي وحالهم إبان العهد الجمهوري بدءاً من مبادئ ثورة يوليو الستة وحتى الحرب الدائرة مع جماهير الجزائر بسبب مباراة كرة القدم الشهيرة...والمبادئ الستة للثورة لمن نسيها هي :
(1) القضاء على الاستعمار وأعوانه..
(2) القضاء على الفساد وأعوانه..
(3) القضاء على الإقطاع..
(4) إقامة جيش وطني حر..
(5) إقامة عدالة اجتماعية..
(6) إقامة حياة ديمقراطية سليمة..
ولا يمكن بحال أن نتغاضى عن الآثار الشديدة والمدهشة والمشاعر التي اعترت المصريين بمناسبة عرض مسلسل مصري عن حياة الملك فاروق وفترة حكمه حيث تعاطف المصريون مع الملك حين تلمسوا الجوانب الإنسانية في شخصيته وظهورة بصورة مختلفة تماماً ومغايرة (للشائع) عنه وعن عهده من مفاسد ومساخر ونزق ومجون وسفه وانحطاط .. وهم ممن لم يعايشوا هذا الملك وعهده وكل ما يربطهم بهما هو فيلم (رد قلبي ) وعيد الثورة ومبادئ الثورة وإجازة وعطلة عيد الثورة ..
والناظر إلى حال مصر من حيث تدني دورها الإقليمي والدولي وما تسبح فيه فوق بركان من المشاكل الداخلية التي ساد فيها الاستبداد .. والرشوة .. والمحسوبية .. وتفحش الإقطاع .. وسادية رأس المال .. والانتهازية ..
علاوة على (البلهارسا) التي ما إن ودعها المصريون كمرض متنقل مزمن مميت من قبل العهد الملكي حتى استقبلوا بدلاءها في العهد الجمهوري من كبد وبائي .. وسرطانات بكافة أنواعها.. وفشل كلوي.. وأمراض صدرية .. فشت جميعها في الشعب الذي هرم وشاخ وقتله الصمت والأنين ...
وأخيراً استبداد السلطة وبقاء الرؤساء في الحكم حتى الموت "عدا محمد نجيب" في نظام رئاسي شكلاً ملكي جوهراً شاهت فيه وتاهت الفواصل والحدود والحقوق وطوارئ مزمنة وطويلة بطول العهد الجمهوري .. طوارئ محت ومسحت كل ما تبقى مما يسمى قانون أو دستور أو حقوق ..
وأخيراً أيضاً فقر مدقع وإملاق مريع دفع ملايين الشباب لأن يطوحوا بأعمارهم في غياهب البحار وفي الغابات الجليدية الفاصلة بين حدود دول أوربا وفي الخليج وحتى ماوراء الشمس التماساً لرزق عزيز عيهم نواله في بلدهم فمنهم من قضى نحبه في الغربة وحيداً شريداً ومنهم من ينتظر.. ومنهم من نجح فأقسم بألا يعود ..
أعتقد أن البسطاء الذين ساروا في جنازة الأميرة (فريال) ابنة الملك فاروق التي غادرت مصر بصحبة أبيها على الباخرة ( المحروسة) وهي لم تبلغ الثالثة عشر عاماً حيث عاشت عمرها بسويسرا حتى عادت جثمانا ًالأسبوع الماضي موضوعاً في تابوت رفض (مسئول) مصري أن يلف بعلم مصر؟!! ..
فتم طبع علم المملكة المصرية القديم (الهلال بنجماته الثلاث) مما أهاج عند المصريين (البسطاء) مشاعر دفينة ظنوا أن رماد الجمهورية قد أطفأها .. وأثارت حنيناً زكته الأفلام المصرية القديمة التي سجلت تقديس المصريين أيام الملكية للعلم حين تتزين به ألأفراح والشوارع والحارات وفي كل مناسبة حتى مناسبات ختان الأطفال !!
لفوا جثمان الفنان أحمد زكي ( وهذا حق وليس منحة) بعلم مصر بينما ضنوا به على جثمان الأميرة فريال ابنة الملك الراحل ؟؟
فما هي المقاييس والمعايير التي يتم بها (المنح) أو (المنع) فيما يخص لف الجثامين بعلم مصر وهو حق لأي مصري ولكل مصري أياً كان موقعه أو منصبه او فقره أو غناه أو شهرته ؟!!
وعلى كلِ فإن مرأى العلم المصري القديم في جنازة الأميرة فريال مطبوعاً ومنقوشاً على رأس نعشها قد أشعل وأهاج حنين الذكريات في صدورالمصريين البسطاء ومن طالعوا الجنازة عبر الشاشات والنشرات والبرامج الفضائية ..
ليثور ذلك التساؤل بقوة ....
هل ظلمنا الملك فاروق وعهده؟!
وهل الملكية بمؤاخذات مليكها "الفردية" يمكن مقارنتها بالجمهورية الثورية اليوليوية ومبادئها الستة التي وطوال 57 عاماً عملت وبنجاح منقطع النظير على استبدال كلمة (القضاء) بكلمة
( إقامة) في المبادئ الثلاثة الأولى من مبادئ الثورة واستبدال كلمة ( إقامة) بكلمة (القضاء) في المبادئ الثلاثة الباقية !!!! ..
فهل يتساوى إقطاع الملكية بإقطاع الجمهورية ؟!..
وهل يتساوى أصحاب رأس المال في الملكية بأولئك في الجمهورية ؟!..
و هل يتساوى فساد الملك فاروق الذي قامت الثورة ضده بهذا الفساد "الجمهوري" الذي نتنفسه ونعيشه ونموت فيه وعليه؟!
وأخيراً ماذا يعني تشييع بسطاء وفقراء المصريين لجنازة أميرة من العهد الملكي البائد عاشت خارج البلاد 57 عاماً لا يكاد يعرف عنها أحد شيئا حين عاشت ولا حين ماتت إلا أنها الأميرة فريال ابنة الملك فاروق ملك مصر الراحل !!!!
التعليقات (0)