عالم الجاسوسية وقصصها وأساطيرها كان شديد الرواج والخصوبة والتداول أيام الحروب والمواجهات العسكرية التي كان العالم ينام ويصحو عليها بين الدول الأفراد بعضها البعض وبين دول العالم جميعها حينما انقسمت إلى معسكرين شرقي وغربي شهدت الكرة الأرضية حربين عالميتين شاملتين .. في تلكم الحروب والمواجهات كان غرس الجواسيس وسط شعوب الدول المعادية أكثر كثافة من غرس الأشجار والنباتات في أراضيها ..
وفي عالم الجاسوسية كانت الدول تعد وتجهز مواطنيها المدربين ثم ترسلهم ليندسوا في قلب وفي الأماكن الحساسة للدول المعادية ليجلبوا لبلادهم الأخبار خاصة ما لها شأن بالاستعداد والإمكانيات العسكرية والحربية ...
وربما أشهر مثال في هذا الشأن هو العضو القيادي لحزب البعث العربي الإشتراكي السوري (كامل أمين ثابت) والذي كان مرشحاً كنائب للرئيس السوري .. والذي لم يكن سوى (إيلي كوهين) الجاسوس الصهيوني الذي تم غرسه في قلب سوريا وترقى في مناصبه حتى وصل تلك المكانة شديدة الخطورة إلى أن التقطه عيون المخابرات العامة المصرية عن طريق رسالة من رجلها ( رفعت الجمال ) الشهير برأفت الهجان الذي غرسته مصر في قلب الكيان الصهيوني ..
وطيرت المخابرات المصرية المعلومات إلى القيادة السورية والتي أعدمت الجاسوس الصهيوني (إيلي كوهين) الشهير بكامل أمين ثابت شنقاً في 18/5/1965 ...
كما راجت في عالم الجاسوسية عمليات تجنيد مواطنين من رعايا الدولة المعادية وإخضاعهم للسيطرة وتطويعهم ليتجسسوا على بلادهم لصالح الدولة الأجنبية المعادية ..
وبانتهاء الحروب الكبرى .. وانسحاب الاستعمار العسكري الغربي من غالبية الدول الصغيرة التي عاشت وعانت تحت سيطرته .. ومع تلاشي المواجهات العسكرية الشاملة في ظل الرادع النووي .. انحسر الانتشار الرهيب لعالم الجاسوسية إلى حدود أضيق قليلاً مع انقلاب في منهاج الجاسوسية ووظائفها ودورها ..
فمع تحول الصراع العالمي من صراع للسيطرة العسكرية والحربية إلى صراع للسيطرة الاقتصادية والتقنية .. من هنا تغيرت أدوار الجواسيس ووظائفهم إلى أدوات للحروب الفكرية والعقائدية و الاقتصادية والتقنية بين الدول مع الاحتفاظ بالطابع العسكري كعامل سيطرة مشترك ..
و كمثل حرب الجواسيس المندسين والمنغرسين في أراضي الدول المتصارعة .. تجد الجاسوسية حاجتها دوماً إلى تجنيد مواطني الدول المعادية باعتبارهم أشد فاعلية .. وأبرع اختراقاً .. وأفضل تأميناً .. وأبعد عن ظنون الرقباء وعن عيون العملاء . .
ثم كانت (الخلايا النائمة) احدى صيحات تقنية الصراع .. وذلك حينما تدس دولة ما عملاء لها في أراض الدولة المستهدفة على أن يبقى هؤلاء العملاء في مرحلة كمون وسكون ربما تطول لتصل إلى أشهر وأعوام كاملة إلى أن تحين اللحظة أو الظرف المناسب فيتم تنشيط هذه الخلايا وهي أبعد ما تكون عن الشبهة لاندماجها في المجتمع المنغرسة والمندسة فيه لتقوم بعملها المخابراتي أو التخريبي على أفضل ما يكون ...
وإضافة للخلايا النائمة فهناك ( الخلايا الهائمة) وهي نوعان .. أولهما تلك الخلايا التي تهيم في سبيل الانضمام أو الاندماج أو التقاط الدولة المعادية لها لتتجند للعمل لصالحها ضد بلادها مقابل العديد من المغريات سواء المادية أو للخروج من دائرة الفقر أو غيرها ..
فتجدها تغازل الأعداء وتثني عليهم وتتمنى التواصل معهم على حساب بلادها وأمنها القومي وعلى حساب دينها وعقيدتها التي توارت وشاهت عندها..
أو تلك الخلايا (الهائمة) على وجوهها لا تدري في أي طريق تسير وتكون عرضة للاصطياد وفريسة سهلة للتجنيد والعمل ضد بلادها سواء بوعي وتعمد أو بغفلة وحماقة وغباء..
وهناك (الخلايا السائمة ) وهي أيضاً نوعان .. أولهما يتمثل في أولئك الأشخاص الذين سئموا الأوضاع المتردية في بلادهم وضاقوا بعيشتهم فيها إلى أن قاربوا حافة اليأس والضياع ..وهؤلاء من أفضل النماذج الصالحة للاصطياد والتجنيد والتوجيه للعمل ضد بلادهم لضعف وازع الانتماء لديهم وسهولة السيطرة عليهم ..
وهناك (الخلايا السائمة ) الملتقية والمشتركة مع الخلايا الهائمة في سمات الضياع وصفات التردي ودركات اليأس والإحباط علاوة على الغفلة والحماقة ..
فهذه أيضا عرضة للاصطياد والتجنيد والتوجيه نحو تخريب مجتمعاتها ببث الفرقة وعوامل الإحباط واليأس وإشاعة الوهن والضعف في بلادها وشعوبها ووصمها بالتخلف والاندحار وفي المقابل تلميع والإشادة بالدولة المعادية وإعلاء شأنها وإظهارها بصورة شديدة القوة والبأس والتفوق وذلك لإضعاف حماسة الشعب نحو التطلع والعمل على تحقيق ذاته واسترداد حقوقه المغتصبة وإضعافه وتفتيت عزيمته وسعيه نحو الأخذ بأسباب الدفاع عن نفسه ومواجهة أعدائه وحماية أراضيه ..
مع السعي نحو إبقاء الدولة المعادية دوماً في حالة تفوق وفي صورة أسطورية عصية على المواجهة والهزيمة .. والمتأمل لحالنا وحال شعوبنا وحال أوطاننا اليوم يجد ويلحظ بكل قوة نشاط تلك الخلايا المندسة والمنتشرة في ربوعنا وفي فضائنا وفي قراءاتنا وفي هوائنا .. وهي تعمل بكامل قوتها ونشاطها على إلقاء عوامل الضعف والوهن في أوصالنا ...
وعلى إلقاء الخوف والرعب في قلوبنا من أعدائنا ..وفي تثبيت الشعور بعدم قدرتنا على النهوض من كبوتنا أو الاستعداد لمواجهة عدونا المتربص بنا .. وفي تشتيت وحدتنا والعمل على بث الفتن وترويج الشائعات وتصيد مواطن الزلل والمثالب وجعلها كأنها هي السائد في حياتنا وحتى لا تكون لنا كائنة أو تقوم لنا قائمة ..
تلك هي الحرب النفسية التي تمارس ضد بلادنا وشعوبنا العربية والإسلامية بضراوة وشراسة و(تقنية) تقوم بها الدولة المعادية مستخدمة في ذلك ومستعينة بتلك الخلايا النائمة أو الهائمة أو السائمة التي تدور في فلكها وتسير في مسارها وتتوجه بتوجهاتها وتتحرك تحت ستار (النقد) لأوضاعنا وإظهار مثالبنا بمزاعم عديدة و(حديثة) تحسبهم من جلدتك ومن مواطنيك وأن مبعثهم هو الخوف علينا وتفنيد قضايانا ومشاكلنا باعتبارهم منا بينما هم في حقيقة الأمر حرب على أمتهم.. ولعنة على بلادهم.. و عيون على شعوبهم يهدفون إلى بث عوامل الضعف وإشاعة الوهن و نشر الضياع فينا ..
نظرة بسيطة منك فلن تعدم اكتشاف تلك الخلايا .. النائمة .. أو الهائمة .. أو السائمة .. فضلاً عن (المندسة) .!!.
التعليقات (0)