كشفت بعض الوكالات ومراكز التخطيط والرصد العالمية عن تفاصيل حقيقية للواقع الخدمي والمعاشي الذي عاشه ويعيشه الشعب العراقي خلال السنوات التي أعقبت تغيير النظام البعثي وصرف مئات المليارات من الدولارات مع عشرات المليارات من المساعدات الدولية النقدية والعينية، مستثنية من ذلك إقليم كردستان وهو واقع حقيقي علينا الاعتراف به شئنا أم أبينا، وبرغم أن الدراسة العالمية شخّصت أسباب هذا البؤس في مستوى الخدمات المقدمة للشعب العراقي وضياع مئات المليارات من الدولارات من أموال هذا الشعب بعجز الحكومات المحلية والحكومة المركزية عن فهم آليات الإدارة الحديثة..
واستغلال الموارد المالية لتحقيق التقدم هو تشخيص منطقي، إلا ان هناك عوامل أخرى سببت هذا التخلف وهذا الانحدار من أهمها الفساد المالي والإداري والسياسي الذي ينخر بكل مفاصل الدولة مع وجود خلل وضعف كبير في جهاز الدولة التشريعي والرقابي وكذلك عدم استغلال الموارد البشرية والكفاءات العراقية بصورة صحيحة، والاعتماد على نظام المحاصصة والمحسوبية مما تسبب بفقد هذه الطاقات وهذه الإمكانات، أما بسفرها خارج العراق أو الانزواء والعمل في مفاصل ليست لها علاقة بمجال العمل أو التخصص.
ومن الأمور التي تزيد الحسرة وتشعل نيران الهم والكمد في هذه الدراسة هو ان محافظات الوسط والجنوب مازالت هي الخاسر الأكبر في لعبة التغيير والتطوير، وإنها لم تجنِ في سنوات الديمقراطية غير حصاد الرياح والفراغ برغم انها تعوم على بحار من النفط وخزين هائل من الغاز الطبيعي وثروات الزراعة والسياحة والآثار، ويمكن للمطلع أن يلحظ إن هذه المحافظات تعيش عالم عصر ما قبل الثورة الصناعية في أوربا قبل مئات السنين، فلا الشوارع ولا البنى التحتية ولا مشاريع الماء والكهرباء ولا حتى تفكير الإنسان وشكله ينبأ بأنه يعيش في القرن الواحد والعشرين، وانه ينتمي إلى الكرة الأرضية التي توجد فيها أربيل والسليمانية وطهران وعمان على أقل تقدير، لأن مقارنتها مع العواصم الأخرى ظلم وتجنٍ كبير، وسيبقى العراق بعيداً كل البعد في السير بطريق الوصول إلى أطراف المدن العربية والعالمية الحديثة، وستتناثر مئات المليارات التي يسمع بها الشعب العراقي ولم يجنِ منها غير الحسرة والألم بين امتيازات أعضاء مجالس النواب ورواتبهم التقاعدية وسفرات علاجهم المجانية وايفاداتهم المكوكية، ومخصصات رئاسة الوزراء الهائلة، والأهم من ذلك هو الفساد المالي والإداري وانتشار الرشوة والمحسوبية والمحاصصة وضعف الجهاز الرقابي، إنّ المواطن العراقي تقع عليه مسؤولية كبيرة في تغيير قدره بعد ان أضاع ثماني سنوات يركض خلف سراب لم يجنِ منه غير الرياح والفراغ حتى وصل مستوى الخدمات إلى دون الصفر لأنه أضاع مئات المليارات دون أن يحقق التقدم في جانب واحد على أقل تقدير.
التعليقات (0)