مواضيع اليوم

هل صحيح أن الشعوب العربية قوافل غوغاء ترعاها قناة الجزيرة؟

إبراهيم قعدوني

2010-06-01 16:54:21

0

إنَّ محاولة التفكير في شؤون ما يسمّى بالشارع العربي ومواقفه الشريفة والعفيفة والنظيفة تتسبّب لي بحكّةٍ دماغية وانقراص قلبي وغثيان نفسي، فهذه الشعوب التي تبدو قانعة وخانعة بموقعها المريح في مؤخرة القافلة الحضارية والمستكينة لسطوة الدكتاتوريات التي كأنّها أدمنتها وكأنّها قدر السماء وإرادتها، هي نفسها التي تستأسِد في حلبات التظاهر التي أثبتت الوقائع أنها لا تمس قضاياها المعيشية والمباشرة بقدر ما تتعلّق بما يسمّى بـ " القضايا الكبرى" والتي يبدو أنها- أي القضايا- وحسب فلسفة هذه الشعوب ينطبق عليها المثل الشعبي الدارج : " إذا ما كْبْرِت ما بْتْصْغَرْ " وهذه حقيقة ملموسة حيث أنّ قضايا هذه الشعوب لها طبيعة كرة الثلج الآخذة بالانتفاخ بينما تتدحرج متمرّغة بالأرض، لكنها تعاند قوانين الفيزياء بتأخر ارتطامها وتفتّتها، في حالتنا يمكن القول بأن الشعوب العربية متفتّتة بغير ارتطام وهنا نستدعي مثلاً شعبياً آخر وهو " من غير دف عمبرقص " أي باختصار فإنّ "الجماهير" العربية لم تعد بحاجة إلى المزيد من الخبط على الراس كي تحافظ على ترنّحها وتفتّتهاـ بل أصبح ذلك جزءاً أصلياً من الكينونة، على العكس من ذلك وعبر مسيرة عقود من النضالات المتواصلة والتمسك بالقضايا العادلة والمبدئية ومناصرة الشعوب المستضعفة والمسحوقة في العالم تولّدت حاجة لتقنيّاتٍ تهشيشية - وهو صطلح منحوت من هشَّ يهشُّ فهو راعٍ-
 
الحاجة لهذه التقنيات تولدت من الحتمية التي تقضي بضرورة إبقاء هذه الحشود ضمن مسارات الرعي المتفق عليها وفق نظرية مؤامرة تعتبر مقلوبة بالمقارنة لنظرية المؤامرة التي رضعتها هذه الشعوب مع حليب العزّة والكرامة وباقي المكونات النادرة الأخرى التي تنفرد الأثداء العربية باحتوائها عليها بينما يسيل الخنوع والذل والحليب الفاسد من الأثداء الأخرى ومن باب الإحساس بالمسؤولية والحرص على المال العام فإنني أقترح على السادة وزراء الاقتصاد في العالم العربي استثمار هذا الحليب في التصدير لعله يعود بالنفع على ميزانياتها التي لم يظهر فيها أثر للازدهار حتى مع وجود حلاّبات مدرارة من النفط وظلت شعوبها رهينة متطلباتها المعيشية الزهيدة، وأخص بمقترحي هذاـ الأخ الدردري في سوريا فأولاً وقبل كل شيء قد ينطبق عليه المثل القائل "لكل مسمّى من اسمه نصيب" فيدرَ الله علينا خيراً مدراراً وتتبدل الأحوال وتكثر في أيدي الناس الأموال ولأعود إلى فكرتي قبل الانجراف وراء السجع الذي تحبه شعوبنا المسكينة والتي تسبب لي حكة دماغية بسبب تفاقم رعاعيتها واختلاط الأمر عليها وهي تتلقّف الحكمة من أفواه خطبائها وقنواتهم التهشيشية وعلى رأسها قناة الجزيرة التي أصبحت تشكّل الوجدان الأخلاقي والضمير الإعلامي لشعوبنا المسكينة التي تداعت إلى حلبات التظاهر مواكبةً قناة الجزيرة التي لا نراها تلقي بالاً لوزير التجارة الإسرائيلية وهو يزاحمها دوحة العروبة والتوافق والصمود ومناصرة الشعب الفلسطيني ولمن أراد أن يدسّ الرز في البصل نقول بأنّ مؤتمر الدوحة الذي خاطبه سمو أمير قطر لم يكن يعقد أصلاً سوى من أجل نصرة أهل فلسطين وجمع التبرعات لدعم المؤسسات الشرعية الفلسطينية لبسط سيطرتها على بقعتها التي لا تكبر قطر بكثير! هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ علاقات الدول شأنٌ سياديّ لا يقبل تخرّصات المتخرّصين واعتراضات المنظّرين ومن لم يرقه كلامي هذا فليجد له موئلاً آخر يمدّه بالغاز إن استطاع أو ليكن بمقدوره التصدّي لحملات الجزيرة التشهيرية إن كان يحسب نفسه "أبو علي".  
 
لا أنا ولا غيري يحق له الاعتراض على إقامة قطر علاقات سرية كانت أمْ معلنة مع دولة إسرائيل أو سواها، إلاَّ أنني أحتفظ بحقّي في رفع ثلاثة أصابع في ثلاثة وجوه:
 
- الأولى في وجه الشعوب التي تصم آذانها عن فقرها وجوعها وذلّها أبنائها القابعين في أقبية الدكتاتوريات وزنزاناتها، شعوب بلا حقوق ولا حاضر ولا مستقبل، يحقنها خطباؤها وقنواتها الغوغائية بحقن الهيجان اللازم في الوقت المناسب
 
- الثانية في وجه قناة الجزيرة التي لم نرها يوماً تتوجّه إلى هذه الشعوب مذكّرة إيّاها بمعتقلي الرأي وبحقوق الإنسان والصحافة والمرأة والعيش الكريم! أم أن! هذه المفردات تقع خارج أجندة المحطّة وانتقائيتها التي لم تعد تخفى على عاقل!
 
- وأخرى في وجه من يضع نفسه في موقع عربي توافقي ويحرص على تقديم العون والدعم لميليشيات تصنّف على أنها مقارعة لإسرائيل، بينما يخطب في مؤتمرٍ يحضره وزير تجارة إسرائيل.
أنا حزين لمقتل أناس أبرياء جاؤوا للتعبير عن تضامنهم مع شعب جائع ومحاصرـ لكني لا أقبل أن يكون التضامن على طريقة الشعوب العربية التي تداعت إلى حلبات الاحتجاج المرسومة لها، رافعةً صور كوابيسها فوق رؤوسها وصارخةً بهيستيريا أمام عدسات الجزيرة البعيدة عن دوحتها بلْ دوْخَتِها.
ألم أخبركم أنّ الأمر يتسبّب بحكّة في الدّماغ، أو بالدّوخة على الأقلّ.



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !