عبـد الفتـاح الفاتحـي
أكدت رسالة الدبلوماسي الأمريكي بالجزائر كريستوفر روس السرية التي بعث نهاية يوليوز الماضي إلى ما أصبح يعرف بمجموعة الدول الخمس أصدقاء الصحراء (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا) حول تعثر المفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة لعقد جولة جديدة من المفاوضات الرسمية بين المغرب والبوليساريو بشأن حل النزاع في الصحراء.
واعْتُبِر أن عدم تضمن الرسالة إشارة إلى مصداقية مقترح الحكم الذاتي بمثابة التراجع عما تحقق، وسعي لإطالة أمد النزاع، وخلط للأوراق بما يعيد الملف إلى ما قبل نقطة الصفر.
وكشفت أيضا طبيعة الرسالة إقرار روس بفشله في إدارة النزاع حول الصحراء، وكذا الإعلان عن بلوغ المفاوضات إلى النفق المسدود، لنزاع قارب عقده الرابع دون وجود أفق لتسوية نهائية له.
واستقراء مضامين الرسالة يجدها تحمل نبرة حادة تجاه المغرب، حينما حملته مسؤولية الانسداد أفاق التسوية للنزاع. وإن كانت الوقائع التاريخية تشير إلى أن كريستوفر روس بناء على هذا المضمون؛ إنما يريد التمرد على القرارات الأممية الأخيرة التي أشادت جلها بالمقترح المغربي منح الصحراء حكما ذاتيا موسعا، في الوقت الذي استمرت فيه جبهة البوليساريو ترديد أسطوانة إجراء الاستفتاء، الذي بات أمر تطبيقه من سابع المستحيلات، نظرا لتغيير العديد من الوقائع على الأرض.
حيث أشارت بعض التسريبات الصحفية أن الرسالة تضمنت اتهام المغرب برفض بذل الجهود المطلوبة، "في الوقت الذي قامت فيه "جبهة البوليساريو ببذل مجهود في آخر الاجتماعات غير الرسمية لما يمكن تسميته بمفاوضات حقيقية بدراستها لبعض الجوانب من مقترح المغرب الأخير للحكم الذاتي إلا أن "المغرب رفض مناقشة مقترح البوليساريو الخاص بتقرير المصير ونتيجة لذلك رفضت الاستمرار" في هذه المفاوضات.
رسالة كريستوفر روس شكلت إذن انقلابا غير مفهوم على القرارات الأممية الأخيرة بشأن الصحراء، والتي أكدت جلها على مصداقية وجدية المقترح المغربي، واعتبرت ردة صريحة عن القناعة التي توصل إليها "بيتر فان فالسوم"، المبعوث الأممي السابق، الذي أعلن أن استقلال الصحراء أمر غير واقعي.
وجاء في الرسالة، حسب الباييس الإسبانية قول كريستوفر روس "لا أنا ولا الأمين العام قادران على إقناع الطرفين بالتخلي عن مواقفهما، وعليه فنحن في حاجة إلى دعم من مجلس الأمن ومن مجموعة الدول الصديقة، علما بأن كل دول المجموعة، باستثناء اسبانيا، دول أعضاء في هذا المجلس".
ونبه كريستوفر روس إلى "أن وضعية الجمود غير مقبولة على المستوى البعيد"، محذرا من أن استمرار عرقلة المفاوضات قد يؤدي إلى تفجر الوضع قائلا: "إن خطر أن تتحول مغامرة عسكرية أو شبه عسكرية إلى مواجهات شاملة، في تزايد ما دامت الدبلوماسية لا تعطي نتائج". وقال روس أيضا "لقد قلت لمخاطبي المغاربة بأنهم إذا أرادوا أن يقبل البوليساريو رؤية المغرب لحكم ذاتي في الصحراء، فعليهم أن يظهروا حسن النوايا والتسامح إزاء النشطاء الصحراويين الانفصاليين".
قبل أن يدعو روس الرباط وجبهة البوليساريو إلى إيجاد سبل لدراسة ومناقشة مقترح كل طرف بعمق أكثر مما فعلوا في ويتشستر كاونتي بنيورك، أكد بأنه إن لم تكن هناك استعداد للدخول في نقاش حقيقي، فليس هناك داع للقيام بجولات تفاوض جديدة"، معتبرا "أن تكرار إجراء لقاءات دون إحراز تقدم ملموس، يضع مصداقية الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمبعوث الشخصي أمام محل الشك".
ويأتي إعلان روس لردته المفاجئة متزامنا مع تأكيدات عدة تقارير استخباراتية في الساحل والقرن الإفريقي لم يعد يحتمل مزيدا من إطالة أمد النزاع حول الصحراء، لا سيما بعد تعاظم نفوذ تنظيم القاعدة في صحراء دول الساحل والصحراء وفي القرن الإفريقي، وبعد تسلم اللجنة المكلفة بالأمن القومي الأمريكي في الكونغريس لتقرير يشير إلى حصول تقارب بين بعض عناصر (البوليساريو) وجماعات إسلامية إرهابية، واعتبر التقرير أن "انتشار الإيديولوجية السلفية بالمنطقة، المتمثلة في منظمة (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)، والاستنزاف الناتج عن أكثر من 30 سنة من الصراع والإحباط المتفشي داخل المخيمات، سهل اقتراب الشريحة الأكثر شبابا بالبوليساريو من الحركات الراديكالية".
ونبه التقرير إلا أن ذلك التقارب يجسد كارثة على المصالح الأمريكية بالمنطقة، من خلال اتصالات بين أعضاء من الحركة وإرهابيين من (الجماعة الإسلامية المسلحة) بالجزائر.
ويعزو التقرير علاقة التكامل بين (بوليساريو) ومنظمة (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) الإرهابية، إلى حاجة هذه الأخيرة "لامتدادات محلية وحاجة هذه الحركة الانفصالية للاستفادة من الدعم المالي والزخم الإيديولوجي، الذي تقدمه الجماعات الإسلامية المتطرفة، ما يسمح لها بإعادة تعبئة قواعدها.
وأكد التقرير أيضا بأن (جبهة البوليساريو) توجد حاليا في مرحلة متقدمة من التفكك تجعلها تشكل تهديدا جديا على للاستقرار في شمال أفريقيا.
وهذا وأشار عدد من المهتمين بأن على الأمم المتحدة تغيير مقاربتها للنزاع حول الصحراء، لأن أصل المشكل سياسي أكثر منه دبلوماسي، وهو ما يستدعي مقاربته على أساس الخيار السياسي.
ومهما يكن من أمر التوجهات الجديدة لكريستوفر روس فإن الواقع يصب في مصلحة المغرب، ويتزامن ذلك وقرب الإعلان عن مشروع الجهوية نهاية هذه السنة. كما أن كل المؤشرات تشير إلى المغرب يراهن على عامل الوقت لإضعاف جبهة البوليساريو في وقت برزت فيه مؤشرات انهيار الصف الداخلي للجبهة، بعدما استطاع المغرب نقل معركة الحكم الذاتي إلى داخل مخيمات تيندوف عبر قيادات وازنة؛ منها من التحقت طواعية بالمغرب فأعلنت تأييدها للحكم الذاتي ودعت إليه، ومنها من جاءت إلى المغرب فأعلنت تأييد الحكم الذاتي، وأصرت على العودة إلى مخيمات تيندوف لإقناع السكان بجدية المقترح المغربي، وكذاك الذي يقوم به اليوم مفتش العام لشرطة البوليساريو مصطفى ولد سلمى الذي أعلن أنه يريد أن يلعب دور الوسيط، بين الصحراويين في البوليساريو، وبين الصحراويين المتواجدين في المغرب، في قضية نزاع الصحراء، ومشيرا إلى أنه سيعمل على مواصلة التعبئة للانخراط في المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية، ونقل الصورة من المغرب، كما هي، إلى سكان مخيمات تندوف، في مهمة نعتها بالتبصيرية والتوعوية، تستهدف سكان المخيمات.
وعلى العموم، فإن للمغرب اليوم فرصة سانحة لتنزيل مشروع الحكم الذاتي الموسع في الصحراء، وتقوية ديمقراطيته المحلية، باعتبارها أهم عناصر تدبير الصراع في الأمد المنظور بالشروع في تطبيق الجهوية الموسعة حينما يتم الإعلان عن مضامينها نهاية هذه السنة، وتحريك دبلوماسيته لحشد مزيد من التأييد لمقترح المغرب منح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا بالموازاة وعملية الشروع في تطبيقه ميدانيا على الأرض. حيث أكد الملك محمد السادس بهذا الخصوص أنه من الأهداف الرئيسية للجهوية "جعل أقاليمنا الجنوبية المسترجعة في صدارة الجهوية المتقدمة"، مشددا على أن "المغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين، أمام عرقلة خصوم وحدتنا الترابية للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي للنزاع المفتعل حولها على أساس مبادرتنا للحكم الذاتي الخاصة بالصحراء المغربية".
كما بإمكان المغرب أيضا استثمار عمقه الاستراتيجي، لدى الاتحاد الأوربي وجارته فرنسا واسبانيا لفرض تغلغله الاقتصادي والسياسي والدبلوماسية في هذه الدول عبر لوبيات سياسية واقتصادية قادرة على خلق التأثير في الرأي العام الأوربي، إضافة إلى تعزيز نفوذه في عدد من الدول الإفريقية كموريتانيا والسينغال ودول الساحل الإفريقي.
محلل سياسي مهتم بالنزاع حول الصحراء
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)