عبد السادة جبار
مال يذهب الى جيوب أجنبية وهو ثروة العراق المادية، مقابل سموم تحرق صحة المواطن العراقي وهو الثروة الحقيقية للوطن، والمعادلة تعني: ضياع ثروتين مادية وبشرية، والمؤلم ان الجميع يدركون حقيقة هذه الحرب الهادئة والطويلة والمحسومة لصالح السيجارة ،لكن قليلين اولئك الذين حققوا نصرا مظفرا وسحقوا علبة الموت الى الابد ، سوق كبيرة تحوي أنواعاً لا حصر لها من السجائر، ومن مصادر مختلفة بعضها يدخل العراق من دون تراخيص رسمية وبلا فحوصات أو رقابة بعضها منتهي الصلاحية، حيث إن ثمنه القليل يسهل على المستهلك الإدمان ، (بلادي اليوم) في هذا التحقيق تعطي اشارة البدء لصراع مع التدخين لعلها تضيف منتصرين الى ساحة الاصحاء.
سالم حسن شاب ( 28 سنة) يتأمل السيجارة ويبتسم بمرارة لا تخلو من قلق ويقول: صدقني ما يزيد من حاجتي الى التدخين هو الفراغ، كلما ازدادت أوقات الفراغ كلما احتاج الى ان احرق كمية أكبر من السجائر، في الوقت الذي أجد عملا انشغل به تتقلص حاجتي الى التدخين، لقد أديت ما عليّ واكملت دراستي ولكن لا يوجد عمل اشغل نفسي به وانا اؤكد لك ان البطالة قد ساهمت بازدياد الحاجة الى التدخين، كلما شعر الانسان بوجود نشاطات يمكن ان يمارس الشباب فيها أعمالا أو هوايات تتقلص الملهيات الضارة مثل تدخين السيجارة والنارجيلة وربما أشياء أخرى أكثر خطورة، عندما اصاب بالإحباط لا استطيع مقاومة إغراء التدخين، تعلمت التدخين على يد صديق لي وتطور الأمر من تدخين عدد من السجائر إلى علبة كاملة.
الشاعر عبد الرزاق جاسم قال: تعرضت كثيرا الى اغراءات التدخين، مع الاصدقاء في المناسبات، وفي مدة المراهقة خُيّل للبعض ان تناول السجائر يعني ان الشخص اصبح رجلاً، وبإمكانه ان يلتحق بأولئك الذين يقدحون عود الثقاب كأنهم يحرقون الألم واليأس، ويشعلون السيجارة على انها لفافة الهم التي سوف تستنشقها الرئتان وتلفظ الى الخارج على شكل دخان يرسم أوهاما أو أحلاما تضيع مع الأثير، وكنت اجد فيها طقسا مكملا لمناقشاتنا الحادة حول الشعر والثقافة وجربتها، لكني على الاطلاق لم أجد فيها اللذة التي يقصدها اصدقائي وكان يضايقني وجود علبة السكائر مع القداحة في جيبي، لذا لفظتها من دون ندم أو حتى مقاومة، وكنت اقبل ممن يقدم لي سكارة لكن لا اكمل تدخينها، فبعضهم كان يعيب عليّ ذلك بحجة باني لا أتحسس لذتها والآخر يقول لي: كيف تكتب الشعر ولا تدخن، فارد عليهم باني اكتبه في حالة الوعي وليس خارجه، كنت أرى ان المثقف لا ينبغي له ان يقصد الضرر والتدخين ضرر للذات وللآخرين، والثقافة هي ترويض الذات بالاتجاه الصحيح وليس الاستسلام للملذات غير الضرورية وبصراحة التدخين وبعض الملذات التي كان يقصدها اصدقائي كانت سبباً في ابتعادي عنهم وعدم انسجامنا، كنت استمتع بالكتاب وبالفيلم السينمائي وبمراقبة الزهور وبالمجلات الفنية، وانا سعيد وفخور بذلك لان البيت لا يعرف السجائر واحتفظ (بالنفاضات)نظيفة فقط للضيوف.
علي جبار مهندس يتحدث باحتجاج لا يخلو من ألم: من أسوأ الظواهر هي ظاهرة التدخين ولا تتوافق مع أبسط قواعد المدنية وخصوصا عندما تمارس في الأماكن العامة الضيقة على الخصوص مثل الغرف و وسائط النقل، وقد تحدثت وسائل الإعلام كثيرا عن هذه الظاهرة وأشارت بإحصائيات طبية وخبراء وصور تشريحية وصور كاريكاتورية ساخرة واقيمت الندوات وطرحت تساؤلات واضحة: ما فائدة التدخين ؟ ما هي ايجابياته ؟ والجواب: لا توجد فيه ايجابية واحدة إطلاقا، بل العكس تجد العشرات من السلبيات حول خطر التدخين وما يسببه من أمراض فتاكة خطيرة وتكفينا الدراسات والإحصائيات حول الأعداد الهائلة التي يفتك بها هذا الوحش المدمر سنويا ويزهق أرواح الناس جراء سمومه الفتاكة، ولست ادري لما تمسك هذه السيجارة بتلابيب المدخن وتقود فمه اليها عنوة، كلنا يتحدث عن تحكيم العقل في السلوك ولكن عندما يتعلق الأمر بالسيجارة يقف المدخن مكتوف الأيدي أمام هذا السلطان الجائر، كلنا يتحدث عن الحرية ورفض الدكتاتورية، ولكنا نخضع لدكتاتور التدخين ونهدر حريتنا أمام سلطة السيجارة.
عبد الحافظ عبد الهادي من المطلعين والدارسين للفقه الديني، يقول: أوجد الله متعاً كثيرة وثمة متعة ترافقها فائدة ونتائج طيبة، وفيها رضا للناس وللمجتمع، وثمة متعة لا تخلف وراءها اية فائدة، ولكن بعضها تخلف مآسي وخراباً وضياعاً للمال وللصحة وللذوق وفيها نوع من الحرمة، وهناك مراجع دينية حرّمت التدخين ابتداءً، وبعضهم عدّه أمراً مكروهاً وتركه فيه حسنات كبيرة، والبعض رأى الامتناع عنه أو منعه فيه ثواب، وكل تلك الآراء تصب في تفضيل ترك التدخين وأغرب ما في الأمر ان المتلذذ يدرك هذه المضار تماما ولديه أدلة قاطعة وعملية على النهايات الفاجعة التي يسببها التدخين، وكل راشد يدرك مدى الخسارة الاقتصادية الناجمة عن ذلك، ولكن أغلبية من اعتاد غير قادر على قهر تحكم هذا الوحش الذي يمضي بالإنسان الى ضرر مادي وصحي كبير ليس فقط للمدخن بل للمحيطين حوله من أسرته واصدقائه، وهناك مراجع دينية حرمته ومنهم فيلسوف العصر الشهيد الأول محمد باقر الصدر، والسيد الحائري ، والبعض يراه مكروهاً وتركه من الحسنات وفيه ثواب لتاركه.
قاسم صبيح صاحب متجر في الشورجة للسجائر: يقول انا أبيع ما معدله 800 علبة في اليوم، قانون مكافحة التدخين لم يؤثر على مبيعاتنا كثيرا، ومع ذلك صدقني انا شخصيا احيانا أشعر بالذنب من هذه التجارة وأتمنى ان أجد عملا آخر فيه فائدة للمجتمع، ولكننا اعتدنا هذا العمل وخصوصا نحن نعمل ضمن مجمع يختص بهذا العمل اذ لا يمكنك ان تبيع في هذا المكان مواد غذائية مثلا ولديّ استعداد لتغيير عملي هذا في اية فرصة تسنح لي، أريد عملاً افخر به، له فائدة وثواب وليس ضرراً، واحب ان اقول لك باني شخصيا لا ادخن برغم اني أتاجر بها وبصراحة لا اسمح لأي من اولادي ان يدخنها، ولكن المجازفة بترك هذا العمل دون بديل مضمون يمكن ان يسبب لي كارثة اقتصادية اندم عليها، الأمر يتعلق بتنمية الاعمال المثمرة، وقانون منع التدخين ليس حلا جذريا، لكنه يحمي الآخرين.
الدكتور محمود احمد المتخصص بالأمراض الصدرية والتنفسية يقول: الدراسات الحديثة اثبتت ان سرطان الرئة يقتل الآن اكبر عدد من النساء المدخنات، ومن ناحية نفسية يشير الى ان المدخن يحاول ان يقنع نفسه بانه يمكن ان ينفخ الهم المتراكم في داخله بنفخة من دخان من فمه، ويضيف: الأمراض الناتجة عن تعاطي التبغ تقتل سنوياً أكثر من أربعة ملايين نسمة ثلثهم من الدول النامية، وتواجه دول القارة الآسيوية ومنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد تحدياً هائلاً نظراً لارتفاع معدلات تعاطي التبغ فيها في جميع القطاعات رجالاً ونـساءً وبالإضافة إلى الشباب ما قبل الـ 21 سنة عــــلى وجه الخصــــوص.
وقد جاء في الأسباب الموجبة لقانون منع التدخين الذي أقره البرلمان:
لغرض حماية المواطنين من الاخطار الصحية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية من جراء التدخين والتعرض لدخانه ولتجنب الآثار المدمرة له، ومن اجل تحقيق مجتمع صحي خال من التدخين من خلال وضع الضوابط الفعالة لمكافحته على وفق المعايير التي أقرتها أغلب الدول في مكافحة التدخين.
وجاء في المادة الرابعة من القانون يمنع التدخين في :
اولا- داخل مباني الهيئات الرئاسية والوزارات والدوائر والمؤسسات التعليمية والتربوية والصحية والمطارات والشركات والمصانع في المحافظات كافة.
ثانيا- المسارح ودور العرض والفنادق والنوادي والمطاعم وقاعات الاجتماعات والمناسبات ومكاتب العمل والأسواق التجارية.
ثالثاـ وسائط النقل العام والخاص الجماعية البرية والبحرية والجوية في الرحلات الداخلية والخارجية.
رابعا ـ محطات الوقود كافة.
ومن جانب آخر أكد وكيل وزارة الصحة الدكتور ستار الساعدي، أن «تشريع القانون يعد خطوة بالاتجاه الصحيح برغم أنه يحتوي على ثغرات كما عرفنا من قبل البرلمانيين أنفسهم، بسبب كون بعض فقراته تتعارض مع مبدأ الحرية الشخصية». وأضاف الساعدي أن «هناك زيادة في عدد المدخنين في كل أنحاء العالم، ومنها العراق وبالذات في أوساط المراهقين وطلبة المدارس، وهو أمر مقلق بالنسبة للجهات الصحية، لما يسببه ذلك من تزايد في نسبة الإصابة ببعض الأمراض السرطانية، ومنها سرطان الرئة». واعتبر الساعدي أن «القانون سيضع محددات للتدخين، لاسيما في الأماكن العامة، مما يعني أن كمية التدخين ستقل من قبل المدخن المدمن، وهو ما يمكن أن يساعد في التقليل من نسبة الإصابة بالأمراض». وأشار إلى أن «العراق بتشريع هذا القانون، خطا الخطوة الأولى الصحيحة، لاسيما أن هناك عددا من الدول المجاورة طبّقت هذا القانون في الأماكن العامة، ومنها دول الخليج التي نجحت في تطبيقه، وهو ما تفعله الأردن ومصر».
التعليقات (0)