الوضع في ليبيا يزداد تأزما يوما بعد آخر. و الشعب الليبي يتعرض لحرب حقيقية من طرف عصابات معمر القذافي. و رغم التعتيم الإعلامي الشديد الذي فرضه النظام الليبي، فإن الصور التي تتسرب من هناك تضع العالم بأسره أمام مسؤولية تاريخية، وتفرض تحركا دوليا لإيقاف هذا الجنون النيروني الجديد.
الحديث عن تحرك دولي يعيد إلى الواجهة لغة الخيار العسكري. و يبدو أن كل الظروف مهيأة لاستخدام هذا الخيار. ذلك أن حماة الديموقراطية و حقوق الإنسان في العالم هم مدعوون اليوم للدفاع عن الشعب الليبي الذي يتعرض لحرب إبادة حقيقية حسب مختلف التقارير الواردة من هناك. ثم إن اللغة التي يستخدمها القذافي في خطاباته " المهلوسة " تشير بوضوح إلى أن هذا النظام عازم على التضحية بالجميع من أجل البقاء في السلطة، حتى و لو أدى ذلك إلى حرب أهلية لا تبقي و لا تذر... و هكذا فإن المسؤولية الأخلاقية تفرض اللجوء إلى القوة ضد هذا النظام الذي أصبح من الواضح أن العالم بأسره قد ضاق ذرعا بشطحاته و غرابته... لكن الواقع الحقوقي ليس وحده الداعي إلى إمكانية التدخل العسكري في ليبيا. غير أنه يمكن أن يشكل تبريرا مباشرا لتنفيذ هذا السيناريو الذي تفرضه أسباب أخرى أكثر موضوعية و راهنية بالنسبة لصانعي القرار السياسي في العالم.
في لعبة التوازنات الإقليمية لا يمكن الفصل بين ماهو اقتصادي و ماهو سياسي. و لابد أن هذين المستويين يحضران بقوة في صياغة تفاصيل المستقبل القريب في المنطقة. و الثورة في ليبيا خلقت قلقا اقتصاديا عالميا لم نشهده في الثورتين المصرية و التونسية. لذلك فإن مزيدا منتدهور الوضع سيؤدي إلى اشتعال غير مسبوق في أسعار النفط في السوق الدولية. و من المؤكد أن كل دول العالم ليست مستعدة لمزيد من الإنفاق في ظل أزمة اقتصادية عالمية مازالت الدول الكبرى تكابد عناء محاولات تجاوزها. و رغم أن دولا في منظمة أوبك و على رأسها السعودية تستطيع تعويض الفراغ الليبي، فإن أجواء الحراك الشعبي في العالم العربي تنذر بما هو أسوأ، خصوصا إذا امتد هذا الحراك إلى دول بترولية أخرى. و من تم فإن خوف الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من الدول الغربية على مصالحها الإقتصادية، يشكل دافعا مهما لإمكانية التدخل العسكري في ليبيا. أما على المستوى السياسي فإن الحرب المعلنة من طرف الولايات المتحدة على الإرهاب تمنح مبررا آخر لهذا التصرف الممكن. فقد تنامى حضور القاعدة في شمال إفريقيا بشكل بارز خلال السنوات الأخيرة. و لابد أن يتكون لدى المجتمع الدولي تخوف من تغلغل ما لهذا التنظيم في " الجماهيرية " في ظل التركيبة القبلية للمجتمع الليبي، و غياب أي بديل سياسي لنظام القذافي الذي أضعف المعارضة سواء في الداخل أو الخارج. و هو الأمر الذي يهدد بشكل كبير مصالح الدول الكبرى، و معها الأمن الإقليمي في منطقة تعيش على صفيح ساخن...
من الواضح إذن أن إمكانية تكرار المشهد العراقي في ليبيا تظل واردة جدا، رغم أن الظروف الدولية مختلفة. لكن تجربة الولايات المتحدة في العراق قد تدفعها إلى تجنب التدخل المنفرد في ليبيا. و من المؤكد أن حلف الناتو هو المرشح لتنفيذ هذا الإحتمال، خصوصا و أن كثيرا من المؤشرات توحي بأن الأمر يتجه إلى عراق بطبعة جديدة...
التعليقات (0)