بتاريخ إبريل\26\2011 صرح وزير الخزانة الأمريكي تيموثي غينر(Timothy Geithner) بأنه لا مصلحة للولايات المتحدة بدولار ضعيف لتكتسب أفضلية على شركائها التجاريين فمنذ إتفاقية بريتون وودز سنة 1944 فإن الدولار يعد العملة الإحتياطية العالمية لعدة أسباب منها خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية منتصرة وببنية تحتية ومالية لم تتضرر من أثار الحرب والحاجة الملحة في اوروبا لأموال إعادة الإعمار الأمريكية بموجب خطة مارشال. يعد الإحتياطي الذي تراكمه الدول بسبب الفوائض التجارية التي تنتج عن التجارة الخارجية أو الصادرات أو المشاريع الحكومية بمثابة رصيد إحتياطي للأيام السوداء حيث يمكن إستثماره من قبل الصناديق السيادية في مشاريع خارجية أو إيداعه في البنك المركزي لدعم العملة المحلية أو دعم الصادرات. حاليا فإن الدولار لايشكل العملة الإحتياطية الوحيدة في العالم وخصوصا بعد إنهيار إتفاقية بريتون وودز بإعلان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون سنة 1971 إلغاء عملية إستبدال الدولار الأمريكي مقابل الذهب بسعر 35 دولار للأونصة بموجب الإتفاقية. يشكل الدولار بحسب إحصائيات صندوق النقد الدولي فإن الدولار الأمريكي يشكل مانسبته 61% من الإحتياطي النقدي العالمي مقابل 25% لليورو. ولكن موقع الدولار كعملة إحتياطية ينحدر ولو ببطئ حيث كان يشكل سنة 2000 مانسبته 71% من الإحتياطي النقدي العالمي حيث كان ذالك نتيجة زيادة نسبة التجارة بين أوروبا وأسيا وبين الدول الأسيوية نفسها. ولكن ماهي اللحظة التي يمكن إعتبار الدولار فقد مركزه كعملة إحتياطية عالمية؟ هل عندما تبلغ نسبته كعملة إحتياطية نسبة 49%, أو عندما تتساوى نسبته العملة الإحتياطية الأخرى المقابلة وهي على الأرجح سوف تكون اليورو؟ في الحقيقة فإن الدولار في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى قد أصبح بحكم الواقع العملة الإحتياطية الرئيسية في العالم حيث تبادل الأدوار مع الجنيه الإسترليني خصوصا سنة 1933 حين تم تخفيض قيمة الدولار الأمريكي لصالح الصادرات وإنعاش الإقتصاد إثر أزمة الكساد العظيم. في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى حتى إتفاقية بريتون وودز سنة 1944 فإن كلا من الجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي على الرغم من تبادلهما الأدوار كعملات إحتياطية فإنهما بقيا مرتبطين بالذهب ولكن في الفترة التي تلت الإتفاقية فقد أصبح الدولار هو العملة الإحتياطية الوحيدة عالميا وفي الفترة التي تلت سنة 1971 فقد تم فك إرتباطه بالذهب. إن سياسة تكوين تحالفات تجارية مثل البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون قد تساهم في ظهور تكتلات تعتمد عملة أحد الدول الأعضاء كعملة إحتياطية خاصة بها مما سوف يساهم بظهور أكثر من عملة إحتياطية على المستوى العالمي مما يهيئ المسرح لنوع من المنافسة بدلا من الإنحدار إلى جولة مضاربات جديدة بين عشرات العملات مما ينذر بالفوضى والحروب الإقتصادية. إن حقوق السحب الخاصة تعد من أكثر مظاهر النظام المالي العالمي غموضا وإسائة للفهم. إن ذالك يعود لمجموعة أسباب لعل أهمها أنها لم توضع محل الإستخدام إلا في مناسبات نادرة ومعدودة. حقوق السحب الخاصة عبارة عن عملة عالمية يصدرها من العدم(الفراغ) صندوق النقد الدولي ويتحكم فيها حيث يتم إرسالها فورا لحساب الدولة المتلقية وتودع كعملة إحتياطية. البعض يعتبر أن وصف حقوق السحب الخاصة بالنقود غير منصف حيث أنه لايمكن تداولها بين الناس ولكن هناك رأي أخر يعتمد مجموعة عوامل تجعل إعطائها صفة نقود أمر مقبولا وواقعيا. أول تلك العوامل هو أن عددا من الدول تقوم بالإحتفاظ بجزء من إحتياطيها النقدي على شكل حقوق سحب خاصة. ثاني تلك العوامل أن الدول تقوم بتسوية مدفوعات الفوائض التجارية أو تلك الناتجة عن العجر التجاري المتبادل بموجب حقوق السحب الخاصة. ثالث تلك العوامل هو أن صندوق النقد الدولي يحتفظ بسجلات مالية مفصلة لإصدارات حقوق السحب الخاصة يضاف إلى ذالك إحتفاظه بعدد من أصوله مقومة بموجب تلك العملة. الفرق بين حقوق السحب الخاصة وغيرها من العملات الورقية هو أن حقوق السحب الخاصة لايمكن تداولها بين المواطنين والشركات. ولكن تلك مشكلة يعمل صندوق النقد الدولي على حلها حيث يعتزم إصدار حقوق سحب خاصة تراعي تلك النوعية من العقبات التي تمنع إنتشارها وتعميمها. هناك سبب أخر لرفض وصف حقوق السحب الخاصة بكونها نقود وهو له علاقة بكونها أداة تقييم أو سلة لعملات أخرى(سلة عملات) أو أداة تسعير وبالتالي هي لا تمتلك قيمة منفصلة بذاتها عن العملات الورقية. إن تلك المزاعم باطلة لسببين, الأول هو أن إصدار أي كمية من حقوق السحب الخاصة غير مرتبط بأي من العملات الورقية لسلة العملات التي تعد حقوق السحب الخاصة اداة لتقييمها وبالتالي فإن غير ملزمة بالإرتباط بتلك العملات خصوصا من ناحية الكمية. السبب الثاني هو أنه سلمة العملات تلك غير ثابته ويمكن تغييرها وهو مايفكر فيه صندق النقد الدولي ومنح اليوان الصيني دورا في سلة العملات مقابل إنخفاض الدور الذي يلعبه الدولار الأمريكي في تكوين تلك السلة. خرجت حقوق السحب الخاصة(SDR) للوجود سنة 1969 والتي تميزت بحالة عدم إستقرار إقتصادي وسياسي خصوصا حرب فيتنام وتخفيض قيمة الدولار الأمريكي مما جعل إحتياطيات بعض الدول من العملة الصعبة في وضع لا تحسد تلك الدول عليه. بين سنتي 1969-1981 فقد تم إصدار عدد من حقوق السحب الخاصة ولكن بكميات صغيرة نسبيا تعادل 33.8 مليار دولار بسعر صرف أبريل 2011. الإصدار الأصلي لحقوق السحب الخاصة تم بالإعتماد على وزن الذهب والذي تم إلغائه بدلا من ذالك والإعتماد على سلة عملات لتقييم حقوق السحب الخاصة. في سنة 2008 وبسبب الأزمة المالية التي بدأت في الولايات المتحدة وإجتاحت الأسواق المالية العالمية فقد برزت الحاجة لكمية ضخمة من المال وبسرعة لمساعدة الأسواق على التعافي. الجهود التي قادتها مجموعة(G-20) وتم فيها إستخدام صندوق النقد الدولي كأداة حيث تم إصدار 289 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة بسعر صرف إبريل 2011. تلك الجهود والتي تم تعمد تجاهلها من قبل الإعلام والصحافة الإقتصادية تعد بداية الترويج لحقوق السحب الخاصة لتحل محل الدولار كعملة إحتياطية عالمية. وعلى الرغم من ذالك فإن العملات التقليدية لن تختفي من التداول بل سوف تعزز دور حقوق السحب الخاصة التي سوف يتم إستخدامها بين الدول لتسوية ميزان المدفوعات التجارية والصفقات التجارية بين الدول. صندوق النقد الدولي قام بتوسيع قدراته للإقراض بواسطة حقوق السحب الخاصة من 250 مليار دولار إلى 580 مليار دولار سنة 2011 وذالك بواسطة قروض من الدول الأعضاء في الصندوق والتي يصدر في مقابلها حقوق السحب الخاصة لتلك الدول. ولكن هل تعد حقوق السحب الخاصة تمهيدا لمنح دور أكبر لصندوق النقد الدولي ليقوم بدور البنك المركزي العالمي تحت توجيها مجموعة(G-20)؟ قد يكون الجواب نعم إن كان هناك توافق دولي على ذالك وخصوصا أن صندوق النقد الدولي يقوم حاليا بكافة مهمات البنوك المركزية فهو يقوم بإصدار عملته(حقوق السحب الخاصة) والتي تعد مقبولة عالميا ويقوم بإقراض الدول والإقتراض منها ودوره يتزايد بإستمرار على المستوى العالمي مساهما في حل الأزمات والإنهيارات الإقتصادية التي تتعرض لها دول العالم. المشكلة أنه لتعميم حقوق السحب الخاصة وتمكينها من لعب دور عملة إحتياطية بديلة عن الدولار الأمريكي فيجب أن يكون هناك سوق يتم تداول تلك الحقوق فيه مشابه لأسواق الأسهم والسندات وأن يكون هناك إصدار سندات دين حكومية بحقوق السحب الخاصة ومتعاملين وبائعين وعقود مستقبلية ومشتقات لتوفير السيولة. حل تلك المشكلة وإيجاد تلك الأسواق والبورصات يحتاج إلى فترة زمنية طويلة لا يمتلكها المخططون الإقتصاديون حيث أن بنك الإحتياطي الفيدرالي سنة 2011 قد أصبح غير بجهوده الفردية على توفير السيولة على المستوى العالمي. الدولار تنخفض قيمته وهناك خطط فعلية لإزاحته من عرشه الذي إحتله منذ سنة 1944 كعملة إحتياطية عالمية. اليوان الصيني ليس جاهزا ليحل محل الدولار الأمريكي. اليورو يمر بأزمة ديون سيادية أوروبية لم تتضح بعد كامل نتائجها أو التوقيت اللازم للتعافي منها. على صندوق النقد الدولي التصرف وبسرعة وقد فعل ذالك. في سنة 2011 تم تقديم ورقة بحث من قبل الصندوق عنوانها (Enhancing International Monetary Stability-A role for the SDR تعزيز إستقرار النظام المالي العالمي - دور لحقوق السحب الخاصة؟) حيث تحتوي تلك الورقة على خارطة طريق لإحلال حقوق السحب الخاصة مكان الدولار كعملة إحتياطية عالمية. خارطة الطريق تتضمن كل الخطوات اللازمة والمعلومات الضرورية لإنشاء سوق سيولة مالية لحقوق السحب الخاصة, الخطوات اللازمة لتحويلها لعملة الإحتياط العالمية, الجهات المحتمل أن توكل بمهمة إصدار تلك الحقوق, البائعون والمشترون المحتملون, ألية تسعير وتواريخ الإستحقاق, عبارة عن ألية متكاملة خطوة بخطوة. حتى أنه كان هناك إقتراح لمنح دور أكبر لليوان الصيني على حساب الدولار الأمريكي فيما يتعلق بحقوق السحب الخاصة فهل كان قرار صندوق النقد الدولي والذي تم إتخاذه مؤخرا-2015 بإدخال اليوان في سلة عملاته الدولية الخطوة الأولى في خارطة الطريق المتعلقة بإحلال حقوق السحب الخاصة مكان الدولار كعملة إحتياطية عالمية؟ هناك أيضا من يتسائلون عن الخطط المتعلقة بإعطاء الصين صوتا مضاعفا عند التصويت على القرارات المتخذة في صندوق النقد الدولي فهل ذالك أيضا يدخل ضمن الخطط المتعلقة بحقوق السحب الخاصة كعملة أحتياطي عالمية؟ الخطة بشكل عام كانت متفائلة بخصوص توقيت التنفيذ وسريته وبأقل قدر ممكن من الدعم من قبل العامة وإقترحت مبدئيا طباعة وطرح 200 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في الأسواق كل سنة وأن ذالك سوف يكون كافيا كبداية. ويبقى السؤال هو هل سوف يستطيع صندوق النقد الدولي تنفيذ ماورد في ورقته البحثية في فترة زمنية مدتها خمسة سنين, أي بحلول نهاية عام 2016 تقريبا أو قبل حلول الأزمة الإقتصادية القادمة والتي يزعم المتخصصون أنها سوف تتجاوز أزمة 2007\2008 بمسافة كبيرة خصوصا مع تذبذب سعر صرف الدولار الأمريكي, فقاعة الأصول العقارية في الصين, نمو حجم الدين السيادي الأمريكي ومشكلة الديون السيادية الأوروبية؟ مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.ae/2015/12/sdr.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة النهاية
التعليقات (0)