2008-07-10
كل فضائح التعذيب الكبرى في عهد محمد السادس ارتبطت باسم الجنرال حميدو لعنيكري الذي بدأت سيرورة الاندحار عندما لم يعد يتحكم في المعلومة الأمنية منذ أن سُحِبَ بساط مديرية الحفاظ على التراب الوطني من تحت قدميه وتعيين ياسين المنصوري على رأس مديرية الوثائق والمستندات بعد عزل عدد من رجال الجنرال المقربين.
وعلاوة على تورط حميدو لعنيكري في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سنوات الجمر والرصاص، بدأت تتناسل الدعاوى المرفوعة ضده الآن، لاسيما بصفته القائم على أمور القوات المساعدة، ومنها الدعوى التي رفعتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في يونيو 2007 والتي ارتأت النيابة العامة حفظها، ودعاوى رفعها المعطلون وضحايا السبت الأسود بسيدي إفني، ناهيك عن دعوى ائتلاف الدفاع على الحريات التي هي في طور الإعداد.
من الناحية المبدئية، كثيرون هم الذين يظنون أن هناك حاليا فرصة للمطالبة بمساءلة ومحاسبة الجنرالين بنسليمان وحميدو لعنيكري اللذان فلتا منهما أكثر من مرة، وقد ذهب البعض إلى القول إن لم تستدع لجنة التقصي البرلمانية الرؤوس الأمنية لمساءلتهم بخصوص ما وقع بمدينة سيدي إفني، فإنها ستقدم دليلا إضافيا أن مقاطعة الانتخابات من طرف أغلب المغاربة كان موقفا مازال القائمون على الأمور لم يستوعبوا بعد مدلوله وخطورته، وبالتالي سيحفزون المغاربة (الأغلبية الصامتة) على المزيد من المقاطعة، وهذا منحى من شأنه أن يشكل عاملا من عوامل عدم الاستقرار مستقبلا. في حين يرى آخرون أن الجنرال حميدو لعنيكري، بما له وما عليه، ما هو إلا نموذج للعقلية المخزنية التي سادت في العهد السابق ولازالت حاضرة بقوة، وبذلك يساهم في تقديم صورة مشوهة عن المغرب في مجال التدبير الأمني، وإن كان من الصعب مساءلته ومحاسبته، على الأقل يمكن استبداله بإطار أمني "نظيف" (حقوقيا) للحفاظ على المكتسبات المحققة في مجال حقوق الإنسان والتي أدى عليها العديد من المغاربة ثمنا باهظا.
إن المطالبة بمحاكمة حميدو لعنيكري ليست أمرا جديدا، بل طالبت ولازالت تطالب أصوات بمساءلته ومحاكمته بفعل مسؤوليته بخصوص جملة من الأفعال والتجاوزات تقع تحت طائلة القانون، غير أنه إلى حد الآن يستثني القضاء المغربي بعض الأشخاص ويحاول سد كل المنافذ حتى لا يمثل أحد منهم أمامه، ولو بشكل صوري.
فالقاعدة المعتمدة بهذا الخصوص هي حفظ القضية كلما تم الحديث عن انطلاقتها، وبالتالي فإنها تقبر بمكاتب النيابة العامة، وهذا ما وقع بخصوص شكاية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المرفوعة ضد الجنرال حميدو لعنيكري، وفي هذا الصدد ارتأى الكثيرون، أنه كان من الأولى للقضاء المغربي أن يقف موقف الحياد ويتعامل مع الدعوى بكل استقلالية ويحكم ببطلانها إذا تبين له أن الطلب لا سند له، وبذلك يكون قد قام بمهمته، بشيء من الشفافية، ويضع حدا لكل الشكوك التي تثار بمناسبة حفظ أي ملف تكون فيه جهة أمنية أو شخصية وازنة طرفا فيه.
فإذا كان المغاربة لا يجمعون على ذلك، فإن الكثير منهم يستحسنون إبعاده من دوائر المسؤولية منذ أن انكشف أمر عبد العزيز إيزو، باعتبار أن الجنرال كان على رأس الأمن الوطني وطبيعة مسؤوليته الأمنية، آنذاك كانت تجعله مطلعا على التقارير الداخلية والخارجية وتقارير سفارات وقنصليات المغرب بالخارج، وهذا ما دعا إلى شكوك كبيرة، حتى بعد تنحيته من الأمن الوطني وبعد انفضاح فشل "شرطة الموت"، فقد تراكمت أخطاء وتجاوزات رجاله كمفتش للقوات المساعدة، وتراكم ضحايا نتيجة همجية تدخلاتهم، والتي بلغت حدا لم يسبق له مثيل يوم السبت الأسود بسيدي إفني، حتى وإن لم يتم ثبوت وقوع أية وفاة إلى حد الآن، ويرى البعض تكرار تجربة "شرطة الموت" مع ميلاد "مردة الموت"، لذا يعتبر هؤلاء بأن هذا كاف وزيادة للمطالبة بمساءلة الجنرال حميدو لعنيكري، وذلك دون الحديث عن الملف الأسود ذي الصفة الدولية والمرتبط بالمخابرات الأمريكية (سي.إي. يا)، والذي هو الآن في طور الكشف من طرف الأمريكيين أنفسهم.
إن رأس الجنرال لعنيكري، في نظر هؤلاء، ظلت مطلوبة حتى قبل تجاوزات القوات المساعدة واستئسادهم على المعطلين والمحتجين والغاضبين والحقوقيين، وقبل أحداث سيدي إفني، فقد اتضح الآن بروز حركة بالولايات المتحدة الأمريكية تطالب، بحدة، بكشف كل التجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن المنتظر أن تنجح لا محالة في إغلاق معتقل غوانتنامو، وربما تقديم بعض المسؤولين كأكباش فداء لطي الصفحة.
علما أن لجنة من الكونغرس الأمريكي سبق لها أن طالبت بفتح متابعات في قضية التعذيب الذي مارسته المخابرات الأمريكية ضد المتهمين بالإرهاب، وقد تم ذكر اسم الجنرال حميدو لعنيكري كأحد المعنيين بالأمر بالمغرب، وذلك بعد أن تأكد أن الرباط استقبلت طائرة المخابرات المركزية الأمريكية أكثر من مرة فيما بين 2002 وفبراير 2005، كما كشفت مصادر أمريكية عليمة أن تلك الطائرة انطلقت من واشنطن وحطت بايرلندا ثم قبرص قبل أن تتوجه إلى مطار سلا.
كما أنه، سبق لمنظمة "هيومن رايش" بهذا الصدد أن أكدت، في أكثر من تقرير، أن على الحكومة المغربية أن تتحرك لوضع حد لإفلات المسؤولين الأمنيين من العقاب ولتعزيز استقلال القضاء إن كانت جادة فعلا في ترسيخ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
ومن جهة أخرى، سبق لمنظمة العفو الدولية، بعد أحداث سيدي إفني، أن اتصلت بجمعية "سيدي إفني آيت باعمران"، سيما ممثلها بالعاصمة الفرنسية (باريس) للدفاع عنها إن تعرضت لأية مضايقة أو متاعب، خصوصا فيما يرتبط بمتابعة المسؤولين عن الانتهاكات التي لحقت بسكان مدينة سيدي إفني.
كما أجمعت الجمعيات الحقوقية الفرنسية المنددة بما جرى بهذه المدينة، على ضرورة مساءلة المتورطين في التجاوزات الهمجية، وقيل، إن دعت الضرورة، سوف يعمل الحقوقيون والديمقراطيون المغاربة بالديار الفرنسية لخلق لجان للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن تلك الانتهاكات الحاصلة بسيدي إفني باعتبار أن الدولة المغربية التزمت أمام المجتمع الدولي باحترام حقوق الإنسان وعدم السماح بتكرار ما وقع خلال سنوات الرصاص، وقد قارن البعض ما يحدث حاليا بفرنسا في صفوف المدافعين على حقوق الإنسان بالمغرب بما حدث سنة 1984، إذ قام سياسيون مغاربة منفيون بفرنسا بخلق إطارات خاصة بهم من أجل دولة الحق والقانون بالمغرب.
كما بدأت محاولات إعادة إحياء لجان ضد القمع بالمغرب، والتي سبق وأن تم حلها اعتقادا منهم أن البلاد عرفت انفتاحا ديمقراطيا، لكن أحداث سيدي إفني أعادت، في نظرهم، الأمور إلى نقطة الصفر، وفعلا لقيت هذه المحاولات دعما كبيرا من طرف الديمقراطيين والحقوقيين الفرنسيين.
لقد أظهرت التدخلات القوية والشرسة للقوات الأمنية، في السنوات الأخيرة، بدءا من المعطلين والحقوقيين وصولا إلى أحداث سيدي إفني، أن العنف المتشدد والتدخلات الهمجية، مظاهر لنمط من أنماط التدبير والحكامة الأمنية المعتمدة رغم رفع يافطة التحول الديمقراطي و"طي صفحة الماضي"، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على عدم حدوث قطيعة فعلية مع الممارسات السلطوية للحكم، اعتبارا لاستمرار مفهوم "طاعة الرعية"، والذي سرعان ما ينمحي معه الماكياج من نوع "ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة" و"المشاركة السياسية" و"الانتقال الديمقراطي" و...
الأكيد هو أن اسم الجنرال لعنيكري ظل يذكر باستمرار وبانتظام في التقارير الدولية منذ الحملات التي تلت 16 مايو 2003، ولم يكن يذكر مركز تمارة وما تمت فيه من تجاوزات إلا وقد وقُرِنت باسمه.
والحالة هذه، يرى الكثيرون، أن أقل ما يمكن القيام به حاليا، بعدما تراكم عدد ضحايا رجال لعنيكري، هو التحقيق الجدي والمسؤول بخصوص استخدام القوات العمومية للقوة المفرطة، لأن رصيد الجنرال حميدو لعنيكري أضحى الآن ثقيلا، حتى ولو اقتصرنا على القوات المساعدة دون سواها، وفي هذا الصدد تساءل العديد من المواطنين، كيف يسمح القائمون على الأمور باستنساخ تجربة "شرطة القرب" التي آلت إلى "شرطة الموت"؟ في حين قال بعض المواطنين، من جيل الاستقلال وجيل الستينات والسبعينات، إن القوات المساعدة حاليا، تحت إمرة الجنرال حميدو لعنيكري، تذكرهم بفرق "الكوم"، التي أحدثها الاستعمار الفرنسي للتنكيل بالمغاربة المحتجين والغاضبين، قبل أن يتساءلوا: ألم يكف لعنيكري رصيده في مجال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على امتداد سنوات الجمر والرصاص ونصيبه منها، وبالتحديد منذ أن تألق في التحقيق مع انقلابيي السبعينات، العسكريين منهم والمدنيين، وقيادته لاختطاف ضحايا تازمامارت من السجن المركزي بالقنيطرة، علاوة على ما تم كشفه من تجاوزات ومن أهوال قام بها بعض رجاله آنذاك بمركز تمارة إرضاء للأمريكيين، أم أنه يريد أن يحقق رصيدا مماثلا في العهد الجديد؟
لو وقع ما وقع بسيدي إفني في بلد ديمقراطي، كان من الطبيعي، أن يستقيل وزير الداخلية، ولربما الوزير الأول ويُسائل ويحاسب المسؤولين عن التجاوزات، لأن في الدول الديمقراطية تعتبر الأجهزة الأمنية مربط الطمأنينة واسترجاع الحقوق ومظلة يستظل بها كل مظلوم ويُسائل الظالم مهما كان وزنه.
وخلاصة الكلام صدق من قال: مادمنا نزال نعيش كديكور لدولة الحق والقانون، فلا خوف على حميدو لعنيكري وأمثاله ولا هم يحزنون.
استفسرنا السادة
عبد الرحمان بن عمرو/ فاعل سياسي وحقوقي
علي فقير/ فاعل سياسي
عبد الرحيم مهتاد لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين
محمد مسكاوي/ الهيئة الوطنية لحماية المال العام – السكرتارية الوطنية
حول إشكالية محاكمة الجنرال حميدو لعنيكري فكان ردهم كالتالي:
عبد الرحمان بن عمرو/ فاعل سياسي وحقوقي
المدخل الذي يمكن أن يتابع على أساسه حميدو لعنيكري هو المشاركة في الاعتداء بالضرب والجرح على أشخاص معينين
قبل الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو، نقيب المحامين سابقا، الترافع في قضية مقاضاة التنسيقية الوطنية للأطر العليا المعطلة للجنرال حميدو لعنيكري، المفتش العام للقوات المساعدة على خلفية التدخلات العنيفة للقوات المساعدة، المقترفة في غضون شهر مايو الأخير، وفي هذا الإطار أجرت معه "المشعل" حوارا لمحاولة الإجابة على التساؤل التالي :"هل حان الوقت لمساءلة ومحاكمة لعنيكري؟"، فكانت الحصيلة كالتالي:
- في نظركم، كرجل قانون وسياسي متتبع لما يجري بالمغرب منذ سنوات، هل مقاضاة الجنرال حميدو لعنيكري وشخصيات من عياره ممكنة في الظروف الحالية؟
+ من الوجهة القانونية، فإن أي مسؤول مهما علت درجته، يمكن تقديم شكوى ضده ومتابعته تأديبيا وجنائيا بسبب الجرائم المنسوبة إليه، وذلك سواء كان مساهما أو مشاركا فيها، ومن بين أنواع المشاركة في ارتكاب الجريمة إصدار الأمر بارتكابها أو التحريض على ارتكابها.. أو تقديم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل الجرمي مع علمه بأنها ستستعمل لذلك.
إلا أن هناك عراقيل قانونية وأخرى عملية قد تحول دون متابعة حميدو لعنيكري وأمثاله من المسؤولين الكبار أو ممن هم أعلى منه أو دونه.
ومن بين العراقيل القانونية ما يسمى، تجاوزا، بـ "الامتياز القضائي" وحقيقة "قواعد الاختصاص الاستثنائية"، وهي القواعد المنصوص عليها في المواد 264 إلى 268 من قانون المسطرة الجنائية (م.ج).
وباختصار كبير، وارتكازا على هذه المواد، إن المسؤولين الكبار، لا يتقرر إجراء البحث التمهيدي معهم من قبل الضابطة القضائية، وإنما يتقرر إجراء التحقيق معهم بناء على قرار يصدر بحسب مركز المسؤول المنسوب إليه ارتكاب الجريمة، فيصدر:
- إما من الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى بناء ملتمس من الوكيل العام للملك بنفس المجلس، وفي هذه الحالة يجري التحقيق معهم من طرف عضو أو أكثر من أعضاء الغرفة.
- أما بالنسبة لدرجات أخرى من المسؤولين، فإن التحقيق معهم، فيما ينسب إليهم من جرائم، لا يمكن أن يباشر إلا بقرار من الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى وبناء على ملتمس من الوكيل العام للملك به، ويتم التحقيق معهم من قبل قضاة التحقيق والمستشارين المعينين من طرف الرؤساء الأولين لدى محاكم الاستئناف المحال عليها ملفات المطالبة بفتح التحقيق.
- أما بالنسبة لدرجات ثالثة من المسؤولين، فإن التحقيق لا يمكن أن يباشر بالنسبة لهؤلاء إلا بقرار يصدره الرئيس الأول لدى محكمة الاستئناف بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى نفس المحكمة والذي يعين فيه قاضي التحقيق أو المستشار الذي سيباشر التحقيق..
والعرقلة الثانية التي قد تحول دون فتح التحقيق في مواجهة المذكورين، وبالتالي متابعتهم وإحالتهم على المحاكم المختصة للبت في المتابعة، هي كون الأمر بإجراء التحقيق هو مسألة تقديرية في يد الجهاز القضائي المخول له ذلك الأمر، الذي يعني بأنه في حالة رفض استجابته لملتمس النيابة العامة بفتحه (هذا إذا ارتأت النيابة تقديم الملتمس)، فإن الرفض المذكور غير قابل للطعن فيه.
أما العراقيل العلمية، فمن بينهما :
أن القضاء بمختلف درجاته، غير مستقل واقعيا عن السلطة التنفيذية، ومن مظاهر عدم هذه الاستقلالية بقاء الأغلبية الساحقة من الشكايات المقدمة إلى النيابة العامة من قبل ضحايا الجرائم المرتبطة من طرف أجهزة السلطة والقوات التابعة لها، الظاهرة والسرية، بدون فتح تحقيق وبالتالي بدون متابعة جنائية، الشيء الذي يؤدي إلى الإفلات من العقاب، هذا مع العلم أنه من الناحية القانونية، فمن واجب النيابة العامة، وبكيفية تلقائية، فتح الأبحاث والتحقيقات في الجرائم المرتكبة كيفما كان مصدرها ونوعها وصفة مرتكبيها، لكن ما يقع من الناحية الواقعية، هو أن النيابة العامة لا تأمر بإجراء الأبحاث والتحقيقات في الجرائم المرتكبة من طرف رجال السلطة والأجهزة التابعة لها، وعندما تصل إليها شكايات ضد هؤلاء من طرف ضحاياهم، تحفظها معللة حفظها بعدم وجود الحجج الكافية حسب الأبحاث والتحريات التي أجرتها أو أمرت بإجرائها، كما أن مظاهر عدم استقلال القضاء، سواء قضاة النيابة العامة أو قضاة التحقيق أو قضاة الحكم، هو عدم الاستجابة إلى جميع طلبات ودفوع ضحايا الجرائم المرتكبة من طرف أجهزة السلطة التنفيذية ومسؤولييها مثل طلبات الاستماع إلى شهودهم وإجراء الخبرات الطبية وغير الطبية والقيام بإجراء المعاينات...
- ما هو مدخل مسؤولية حميدو لعنيكري، من الوجهة القانونية فيما وقع؟
+ المدخل الذي يمكن أن يتابع على أساسه حميدو لعنيكري هو المشاركة في الاعتداء بالضرب والجرح على أشخاص معينين في تاريخ معين ومكان معلوم، وإن ذلك يتطلب إثبات ما يلي
- أنه (لعنيكري) أمر القوات العمومية التي تحت إمرته باستعمال العنف ضد المجموعة المذكورة.
- أو أنه كان على علم مسبق بأن القوات العمومية التابعة له لن تستعمل الأسلحة التي تحملها في مواجهة المحتجين ومع ذلك سمح لهم بحملها.
- أو أنه بلغ إلى علمه بأن القوات التابعة له ستستعمل الأسلحة التي بيدها ومع ذلك لم يتدخل لإيقاف الاستعمال ولنزع تلك الأسلحة المستعملة بدون حق ولا قانون.
إن إثبات ما ذكر يتم عن طريق الاستماع إلى الضحايا وشهودهم وإلى حميدو لعنيكري وأفراد القوات المساعدة المستعملين للسلاح والمستخدمين للعنف، وإلى غير ذلك من القرائن والحجج.
- هل هناك أفعال جرمية أو تجاوزات تم اقترافها في حق الأطر العليا المعطلة؟ وكيف يمكن تكييفها من الناحية القانونية؟
+ إن تكييف الأفعال الجرمية من الناحية القانونية متوقف على معرفة نوع هذه الأفعال وظروف ارتكابها، وحسب القانون الجنائي الجاري به العمل، فإن هناك على الأقل سبعة أنواع من الجرائم (جنايات وجنح) بالإضافة إلى أنواع معينة من المخالفات من قبيل تلك المقترفة ضد أمن الدولة أو الماسة بحريات المواطنين وحقوقهم أو التي يرتكبها الموظفون أو الأفراد ضد النظام العام أو ضد الأمن العام...
- في نظركم، هل سيقبل القضاء هذه الدعوى، علما أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سبق لها وأن رفعت دعوى مماثلة فتم إقبارها؟
+ كما أشرت إلى ذلك أعلاه، فإن القضاء المغربي بصفة عامة، لا يتحمل مسؤولية في مواجهة الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها الأجهزة الأمنية، العلنية والسرية، في مواجهة المواطنين، مع بعض الاستثناءات القلية التي تؤكد القاعدة العامة، والأمثلة كثيرة في هذا الخصوص، لا تعد ولا تحصى، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر الشكاية التي سبق أن رفعتها الجمعية المذكورة وأعضاء منها ضد حميدو لعنيكري ومن معه، وانتهت بالحفظ من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط.
- استنادا إلى ما وقع أمام البرلمان أكثر من مرة وبمدينة سيدي إفني وقبلها مدينة صفرو، هل يمكن اعتبار تجاوزات عناصر القوات المساعدة من قبيل انتهاكات كبرى لحقوق الإنسان وحقوق المواطن؟
+ إن كل الجرائم المعاقب عليها بصفة قانونية وشرعية على المستوى الوطني والدولي والتي تحرمها المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، تعتبر خرقا وانتهاكا لحقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا، وتبعا لذلك فإن الأفعال التي سبق ارتكابها أمام البرلمان وبمدينة صفرو وكذلك بسيدي إفني من طرف القوات المساعدة تعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان.
- يقال إن لعنيكري أراد رفع "الحكرة" على "المخازنية"، وهذا ما يفسر اجتهاد عناصر القوات المساعدة في تفعيل همجيتهم على رؤوس وأجسام ومساكن المواطنين، ما رأيكم في مثل هذه الأقوال؟
+ إن "الحكرة" لا ترفع بخرق القانون وباللجوء إلى العنف، وإنما ترفع بالسلوك الحسن والقيام بالواجبات وباحترام القانون وباللجوء إلى القضاء من أجل مساءلة ومعاقبة مرتكبي "الحكرة"... "الحكرة" الحقيقية هي التي تصيب الضحايا والمواطنين عندما لا تنصفهم السلطة التنفيذية والسلطة القضائية حينما يلجؤون إليها لأخذ حقهم من المعتدين.
- كيف تفسرون صمت القائمين على الأمور على تجاوزات رجال القوات المساعدة رغم كل ما يحدث من تشويه صورة المغرب في الداخل والخارج؟
+ إن صمت القائمين على الأمور على تجاوزات رجال القوات لصورة المغرب في الداخل والخارج، يجد تفسيره من جهة في كون القوات المساعدة هي من بين الأجهزة التي تحمي النظام السياسي بالمغرب من غضبة الشعب التي قد تهدد مصيره، ومن جهة أخرى لكون إستراتيجية النظام تعمل بصفة مستمرة عبر التهديد والترهيب والترويع والمحاكمات...، على أن يفقد الشعب ثقته بنفسه وبأنه غير قادر عبر الاحتجاجات والمسيرات والانتفاضات على انتزاع مكاسب رغم إرادة النظام وبأن تظل مطالبة في الحدود التي يوافق عليها الحكم بكيفية رضائية، وتحركاته في حدود الشكايات والبيانات الاحتجاجية.
علي فقير/ فاعل سياسي
"القوات المساعدة" تبقى إحدى أجهزة دولة المافيا المخزنية
- ما رأيكم في قدوم التنسيقية الوطنية للأطر العليا على مقاضاة حميدو لعنيكري، المفتش العام للقوات المساعدة بخصوص التدخلات الهمجية لعناصره ضد مدنيين؟ وهل مثل هذه التجاوزات تستوجب المساءلة والمحاكمة ولربما العقاب؟
+ أعتقد أن هذا بديهي، فمن الناحية النظرية لا يمكن أن تقع تجاوزات وخروقات بدون تحديد المسؤولية ثم "المساءلة" وبالتالي المتابعة القضائية.
- اعتبارا لما اقترفه رجال القوات المساعدة من تجاوزات بينة على امتداد عدة سنوات، أضحت مساءلة ومحاكمة القائمين عليهم ضرورة ملحة لتجنب مالا يحمد عقباه؟
+ هناك ضحايا الخروقات والتجاوزات، وبعبارة أدق هناك ضحايا قمع ممنهج، وهذا ما يتطلب تعيين مرتكبي الجريمة ثم مساءلتهم ومحاكمتهم.
- في نظركم، والحالة هذه، هل القضاء المغربي مستعد حاليا لقبول مثل هذه الدعاوى، أم أن وضعه الحالي لا يسمح بذلك؟
+ إذا كل ما قلناه سابقا يبقى نظريا، ففي الواقع المغربي الذي تنعدم فيه استقلالية القضاء، يستحيل الحديث عن القضاء النزيه والعدالة، خصوصا فيما يتعلق بقضايا تهم النضال السياسي والنضال النقابي والحركات الاحتجاجية الاجتماعية المشروعة.
- كيف تقرؤون بروز تجاوزات رجال لعنيكري كلما تعلق الأمر باحتجاجات سلمية تحرج النظام والحكومة؟
+ ان المسؤول المعني ينتمي لفئة اجتماعية راكمت ثروات خيالية بطرق غير مشروعة وعلى حساب الجماهير الشعبية المسحوقة، وهذا ما أهله ويؤهله ليكون "قاسيا" وشرسا في مواجهة الحركات الاحتجاجية المشروعة، كما أن هذا المسؤول يرأس جهازا مهمته الأساسية حماية مصالح فئة مسيطرة على السلطة والثروة، وبالتالي فإنه لا يتردد في قمع النضالات المشروعة بشكل همجي لمختلف الفئات والشرائح الشعبية.
- ما هي الدوافع التي تفرض مثل هذه التجاوزات؟ هل هي فعلا لحفظ النظام أم هي مجرد رغبة في توضيح أن المخزن مازال في حاجة إلى رجال مثل لعنيكري رغم استمرار هؤلاء في انتهاك حقوق الإنسان بشهادة الكثيرين داخليا وخارجيا؟
+ لقد جاء اسم الجنرال العنيكري ضمن أسماء المتورطين في جرائم سياسية، وبما أن الوضعية الحالية تضمن له الحصانة الكاملة، كما تضمن له المناعة الضرورية ضد كل مساءلة عن الجرائم الاقتصادية، فانه، مثل العديد من الجنرالات وموظفي الداخلية الكبار، مؤهل لمواجهة مختلف الحركات التواقة إلى تشييد ديمقراطية حقيقية يتساوى فيها الجميع أمام القانون بكل الأساليب القمعية.
- هل يمكن اعتبار ما اقترفه رجال القوات المساعدة تحت إمرة حميدو لعنيكري بمثابة انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في العهد الجديد؟
+ هذا جزء فقط من الانتهاكات التي يقترفها "العهد الجديد". إن "القوات المساعدة" تبقى إحدى أجهزة دولة المافيا المخزنية التي تسهر على مصالح ناهبي خيرات الوطن، وتدخل ممارساتها الهمجية في إطار سياسة "أمنية" عامة.
- ألا ترون أن استمرار مثل هذه التجاوزات من شأنه أن يؤدي إلى العصيان المدني؟ وبالتالي، ألم يحن الوقت للتخلي عن رجال العهد السابق المتورطين في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حتى لا يكونوا، مرة أخرى، سببا فيما لا يحمد عقباه؟
+ لا يمكن ، في اعتقادي، تصور الأشياء بهذه البساطة: فالجنرال ينتمي لكتلة طبقية، وممارسات جهازه تدخل في إطار دفاع هذه الكتلة عن مصالحها وعن كل ما نهبته وراكمته، وعن حصانتها.
العصيان المدني وارد بفعل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، وبفعل غياب الديمقراطية الحقيقية. إن عدم مشاركة أكثر من 83 في المائة من البالغين سن التصويت في "انتخابات 7 شتنبر 2007"، والانتفاضات الكبرى التي عرفها المغرب في أقل من سنة (صفرو 23 شتنبر 2007، دادس بومالن 7 يناير 2008، سيدي افني 7 يونيو 2008 ) والحركات الاحتجاجية التي تعرفها مختلف المناطق، ومقاومة الطبقة العاملة لهجمة الرأسمال...كلها مؤشرات تنذر بهزات اجتماعية قوية، هذا بالرغم من اندثار القوى السياسية والنقابية التي من المفروض أن تؤطر هذه الهزات وتوجهها لما فيه مصالح الكادحين ومختلف المهمشين والمقصيين. إن أساليب مختلف القوى القمعية تؤجج فقط سخط المواطنات والمواطنين و"تزيد الطين بلة"، لأن أسباب هذا السخط أعمق مما يمكن تخيله.
عبد الرحيم مهتاد لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين
ما لعنيكري ورجاله إلا "العبد المأمور"
- ما رأيكم في قدوم أكثر من جمعية على مقاضاة حميدو لعنيكري، المفتش العام للقوات المساعدة بخصوص التدخلات الهمجية؟ وهل مثل هذه التجاوزات تستوجب المساءلة والمحاكمة وربما العقاب؟
+ في الحقيقة هناك عدة اعتبارات وحسابات منها ما هو قديم ويرجع إلى تولي هذا المسؤول عدة مسؤوليات وفي أوقات حرجة من تاريخ المغرب، ومنها ما هو حاضر وهو إشرافه على القوات المساعدة التي غالبا ما تكون وراء جميع عمليات التدخل من أجل تفريق التظاهرات السلمية والتي تكتسي طابعا من العنف والضرب بشكل عشوائي في مجملها، وإذا كان القانون المغربي يحمي كل رجل سلطة ترتب عند تدخله للقيام بمهامه أي ضرر للمواطنين (وخصوصا حين تفريق التظاهرات) ويقيه من كل متابعة قضائية، فإن هذا لا يخول له استغلال هذه الحماية ليقوم بإلحاق الأضرار والمصائب بسلامة المواطنين وممتلكاتهم، وبما أن القانون يحمي هؤلاء فإنه من الصعب جدا تحديد المسؤوليات أو تحقيق متابعة أو حتى مساءلة كيفما كان نوعها وطبيعتها، وما خلصت إليه هيأة الإنصاف والمصالحة من تخريجة في هذا الموضوع وهي تعمل على طي صفحة الماضي يطرح أكثر من تساؤل .
- اعتبارا لما اقترفه رجال القوات المساعدة من تجاوزات، هل أضحت مساءلة ومحاكمة القائمين عليهم ضرورة ملحة لتجنب ما لا يحمد عقباه؟
+ من الصعب القول بهذا، لأن المسؤولية الجنائية فردية، وكيف يمكن محاكمة المتورطين أو مساءلتهم ولا يمكن تحديدهم كأشخاص بأعينهم، وإلا سنكون أمام محاكمة أجهزة الدولة أو تحميل المسؤولية لمن أعطى الأوامر بالتدخل، ويبدو أن هناك مشكلة كبيرة سوف تجعل من القضاء عاجزا عن قول كلمته في الموضوع.
- هل القضاء المغربي مستعد حاليا لقبول مثل هذه الدعاوى، أم أن وضعه الحالي مازال لا يسعفه على ذلك؟
+ فقبل أن نتحدث عن استعداد القضاء المغربي من عدم استعداده لقبول مثل هذه الدعاوى والبت فيها، أذكر مرة أخرى أن فصولا من القانون المعتمدة من طرف القضاء تمتع هاته القوات بعدم المتابعة، وكيف يرجى من القضاء قول كلمته في موضوع محسوم سلفا، ورفض دعوى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي رفعتها ضد لعنيكري خير شاهد.
- كيف تقرؤون تصاعد تجاوزات رجال لعنيكري كلما تعلق الأمر باحتجاجات ووقفات تحرج النظام والحكومة؟
+ اعتقد أن هناك عددا من القوات الأخرى تشارك في فض التظاهرات وجميع أشكال الاحتجاج الأخرى، وإن كانت عناصر القوات المساعدة معروفون بشدتهم وبطشهم ( وهذا راجع إلى طبيعة هاته القوات ومستويات أفرادها الثقافية وطبيعة تكونيهم) وتدخلاتهم في عدد من الأحداث السابقة (20 يونيو بالبيضاء سنة 1980 وأحداث 1984 بالشمال....)، وقبل ذلك جعلت المواطن المغربي ينعتهم بأسماء خاصة ويجعل من واقعهم وهندامهم نكتا سارت بدربها الركبان، وبروزهم في الفترة الأخيرة راجع إلى كون المفتش العام لهذه القوات قد ورد اسمه أكثر من مرة بخصوص مسؤوليته في عدد من الأحداث حتى أوردته بعض الجمعيات ضمن الأربعين شخصية حكومية مغربية التي تجب مساءلتها.
- ما هي دوافع تجاوزت رجال لعنيكري؟
+ لا أفهم كيف يتم اختزال الأمر في القوات المساعدة وحميدو لعنيكري، فنحن في جمعية النصير وخلال عدد من الوقفات التي تم منعها وتفريقها، كنا نرى أجهزة أخرى إلى جانب القوات المساعدة وكل واحد منهم يقول (ما أنا إلا عبد المأمور)، وعليه، فإنني أعتقد أنه لو جيء بأي موظف دولة وأعطي الأوامر من أجل إخلاء المكان وتفريق المتظاهرين أو المحتجين، لكانت النتيجة واحدة، فالأمر أننا أمام أناس تم اختيارهم بعناية ودقة، ودربوا على استعمال السلاح، واعدوا للقيام بهذه الأعمال، ويبقى السؤال، هل هؤلاء الناس متشبعون بثقافة حقوق الإنسان، أم أنهم جردوا من كل حس إنساني وتحولوا إلى أدوات تنفيذية مجردة لا تستجيب إلا لأوامر رؤسائها؟ وهذا ما نلحظه من خلال تدخلاتهم الميدانية، فما تتناقله عدسات المصورين وكاميراتهم غني عن كل تعليق.
- هل يمكن اعتبار ما اقترفه رجال القوات المساعدة تحت إمرة حميدو لعنيكري بمثابة انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في العهد الجديد؟
+ لا أعتقد أن الأمر كذلك، فما تقوم به هذه القوات سواء بقيت تحت إمرة حميدو لعنيكري أو تحت إمرة أي كان، لا يخرج عن إطار المهام، فكثيرا ما تشمل تدخلاتهم العنيفة حتى المواطنين العاديين بمجرد الشبهة أنهم من المتظاهرين، ويبقى الأمل في أن تتغير العقلية في التعاطي مع مثل هذه التظاهرات والاحتجاجات السلمية.
- ألا تعتبرون استمرار مثل هذه التجاوزات من شأنه أن يؤدي إلى العصيان المدني؟
+هنا وجب طرح السؤال التالي، كم من متضرر من تدخلات هذه القوات مقارنة مع ساكنة المغرب؟ فالذين يعرفون حقيقة هذا الأمر هم الذين اعتادوا على تنظيم الوقفات والاحتجاجات والمظاهرات السلمية وهم قلة، أما الأغلبية الساحقة فشعارهم في الحياة (المخزن ما كيلعابش والله يحفظنا منو)، ومنهم من لا يشارك حتى في تظاهرة سلمية من أجل قضية عادلة وطنية كانت أو قومية، سواء دعت إلى هذه التظاهرة بعض القوى الحية في البلاد أو كانت من تأطير ودعوة الدولة، أما أن تتخلى الدولة على من تراهم صالحين لها وأوفياء لسياساتها ومخلصين لها، فهذا من سابع المستحيلات، ومذكرة البحث الدولية التي أطلقها القاضي الفرنسي مؤخرا،لم تراوح باب مكتبه وقس على ذلك أمورا أخرى.
محمد مسكاوي/ الهيئة الوطنية لحماية المال العام – السكرتارية الوطنية
الآلة القمعية مهما اشتدت لن تركع المواطنين والمناضلين، وبعملية حسابية بسيطة فعدد المحرومين والمعطلين والمطرودين يتجاوزون رجال القمع الممنهج آلاف المرات
- ما رأيكم في قدوم التنسيقية الوطنية للأطر العليا على مقاضاة حميدو لعنيكري، المفتش العام للقوات المساعدة بخصوص التدخلات الهمجية لرجالاته؟ وهل مثل هذه التجاوزات تستوجب المساءلة والمحاكمة وربما العقاب؟
+ في البداية لا بد من التأكيد على الحق الثابت للمجموعات المعطلة، بمختلف أنواعها وفي جميع المدن، بحقها الدستوري والطبيعي في الشغل وفق مقاربة تضمن تمتعهم بهذا الحق والذي نصت عليه أيضا جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك بالاجتهاد القضائي للمجلس الأعلى الذي أكد أن الوقفات لا تحتاج إلى ترخيص مسبق عكس المسيرات‘ إذن السؤال المطروح هنا، إن الذي يخالف القانون ومقتضياته هم رجال القوات المساعدة ومن يعطيهم التعليمات، وهو ما يبرز الجهل بالقانون والحاجة إلى إعادة التكوين في المجال القانوني والحقوقي.
كما أن إجراءات المصالحة التي تزعم الدولة بأنها تنهجها كانت تستوجب الإسراع بتطبيق توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، والتي تعتبر أن أهم توصية جاءت بها هي تأهيل الأجهزة الأمنية، وهذا حكم مسؤول ورسمي، على أن رجالات العهد القديم ليسوا مؤهلين لممارسة المسؤولية الأمنية والتي أصبحت في الدول الديمقراطية أجهزة خادمة للديمقراطية والتنمية الشاملة وليس أداة قمعية، وبالتالي فمن حق المعطلين وكل المتضررين مقاضاة أجهزة القوات المساعدة ومساءلتها تطبيقا لدولة الحق والقانون وترتيب الجزاء على المخالفين.
وخلال السنوات الأخيرة يمكن أن نسجل أن رجال القوات المساعدة أصبح لهم هامش كبير من التدخل في فك الاعتصامات والوقفات، وكثيرا ما يتم اللجوء إلى العنف، والعنف غير المبرر كما حصل مع الإخوة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حينما تم الاعتداء على رئيسة الجمعية إبان الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وكذلك أحداث سيدي إفني الأليمة.
- في نظركم، والحالة هذه، هل القضاء المغربي مستعد حاليا لقبول مثل هذه الدعاوى، أم أن وضعه الحالي لا يسمح بذلك؟
+ بالنسبة لموضوع القضاء لقد نادينا دائما بإصلاح هذا الجهاز عبر إقرار قضاء مستقل ونزيه وشفاف منصوص عليه ضمن دستور ديمقراطي متحاور بشأنه، وأؤكد مرة أخرى أنه مهما كانت لنا من قوانين متقدمة وترسانة حديثة تضاهي الدول الغربية، فبدون قضاء نزيه ومستقل عن الجهاز التنفيذي ليست هناك أية ضمانات لتطبيق القانون وإحقاق الحق مع عدم التعميم هذا من جهة، ومن جهة ثانية عندما نتحدث عن سمو القانون، فلا أحد يعلو عليه مهما كانت مسؤوليته داخل الدولة، مدنية كانت أو عسكرية، وأعتقد أنه في ظل الوضع الحالي إذا لم تكن هناك رغبة في محاكمة مسؤولي القوات المساعدة فلن تتم، وإذا كان هناك ضغط للمجتمع المدني فسيتم اعتماد سياسة تنقيل بعض الرؤوس إلى أماكن أخرى أو إحالتهم على التقاعد الاحتياطي بمن فيهم لعنيكري، وكما يحصل الآن مع المسؤولين في سيدي إفني، هي مبادرة لتفريغ كل محاولة للتقصي من محتواها، ونتمنى من القضاء المغربي أن يسجل صفحة مهمة للتاريخ من خلال إعمال القانون وعدم الرضوخ للضغوطات والتعليمات إذا ما تمت متابعة هذا الجهاز ومسؤوليه.
- كيف تقرؤون تجاوزات رجال لعنيكري وخروقات عناصره خلال السنوات الأخيرة كلما تعلق الأمر باحتجاجات سلمية تحرج النظام والحكومة؟
+ لقد سجلنا كمجتمع مدني وطني، من خلال تقارير المنظمات الحقوقية الدولية تراجع المغرب على مستوى الحريات التي عرفت انفتاحا مهما خلال السنوات الأولى لحكم محمد السادس، وهو ما يعد للأسف تراجعا عن التقدم في مثل هذه السياسة، خصوصا بعد أحداث الدار البيضاء التفجيرية، هذا الانفتاح رغم بساطته ومحدوديته كان لابد أن يسهم في التأسيس لقواعد جديدة، حتى أن الخطاب الحكومي حاليا عندما يريد أن يروج لتجليات المغرب في هذا الإطار فإنه يعتمد على خلاصات التجربة الماضية، البسيطة والمعقدة في آن، دون ملاحظة أي جديد.
تجاوزات رجال القوات المساعدة في اعتقادي الشخصي ليس لها ما يبررها لكن يمكن أن نحذر منها ومن تفاقمها"، إن تكسير عظام المعطلين والعمال المحتجين وبسطاء الشعب في ظل عالم متحول متقارب وإعلام مستقل ينقل الحقائق، لن تعيد لهؤلاء صولات الماضي"، وأنصحهم أن يستشيروا أساتذة علم الاجتماع بما أنهم لا يفقهون سوى لغة العصا وسيؤكدون لهم أن الآلة القمعية مهما اشتدت لن تركع المواطنين والمناضلين، وبعملية حسابية بسيطة فعدد المحرومين والمعطلين والمطرودين يتجاوزون رجال القمع الممنهج آلاف المرات.
ومن جهة أخرى فإن سعي الخطاب الرسمي إلى بناء دولة الحق والقانون يظل خطابا فارغا، مادامت اللبنات الأساسية مازالت غائبة، أو بعبارة أدق مغيبة كالاحتجاج السلمي، التعبير عن المطالب، المطالبة برفع الظلم وغيرها من التعابير الاحتجاجية السلمية الحضارية، والاحتجاجات كما هو معروف ظاهرة عالمية وتاريخية مستمرة.
- ما هي الدوافع التي تفرض مثل هذه التجاوزات؟ هل هي فعلا لحفظ النظام أم رغبة في إبراز حاجة المخزن في استمرار عناصر مثل لعنيكري رغم كل ما في جعبتهم من تورط بخصوص انتهاك حقوق الإنسان؟
+ في نظري ليس هناك دوافع لتبرير هذه التجاوزات لأننا لسنا أمام عملية معقلنة ومحسوبة، نحن أمام عقلية شائخة تربت على أسلوب القمع والتقرب إلى الحاكم، والتدرج المهني يكون بعدد العظام المكسرة، إذن فنحن أمام مدرسة بوليسية ليس لها منطق التحليل والحوار والتضحية بالمنصب في سبيل حفظ كرامة الإنسان المغربي، وهي مناسبة نستغلها لنقول إن تدبير الملف
الأمني بالمغرب يجب أن يخضع للحوار والنقاش بغية تطوير الأداء بالاعتماد على تكوين عصري ذي بعد حقوقي ووطني حتى يبقى هذا الجهاز من العناصر الموحدة للمغاربة على قضاياهم الوطنية.
كما أن المعارك التي تنتظر المغرب فيما يخص وحدته الترابية وباقي الثغور المحتلة تستوجب الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يسئ لصورتنا بالخارج، وأنا لا أقصد تزيين صورة النظام بل أشير فقط إلى العمل على قواعد ديمقراطية وبحكامة اقتصادية، أما أن نترك البعض يجعل من عظام المعطلين قربانا للتزلف والتملق والرضا فإن هذه الأمور تضعف تماسكنا وصورتنا، وهي أخطاء يتمناها الأعداء أن تقع من أجل استغلالها.
- ألا تعتبرون استمرار مثل هذه التجاوزات من شأنه أن يؤدي إلى العصيان المدني؟ وبالتالي، ألم يحن الوقت للتخلي عن رجال العهد السابق المتورطين في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حتى لا يكونوا، مرة أخرى، سببا فيما لا يحمد عقباه؟
+ أظن أن حركية المجتمع المدني المغربي وتأسيس لبنات دولة الحق والقانون تقتضي الآن وبشكل ملح وبعد أحداث سيدي إفني وصفرو، إعادة التفكير في الأجهزة الأمنية بالمغرب بكل أنواعها وحول طرق عملها، الأجهزة الأمنية ومن منطلق عملها يجب أن تسهم في التنمية الوطنية اقتصاديا واجتماعيا، ونتمنى أن نصل إلى اليوم الذي نجد فيه وزير الداخلية المغربي يقلب الطاولة على أعضاء الحكومة من أجل أن يتحملوا مسؤولياتهم وأخطائهم التي تعالجها وزارة الداخلية عن طريق الأمن.
على الدولة أن نقوم بإعداد جيل من الشباب ذو تكوين عال في المجال الأمني والاقتصادي لتحمل المسؤوليات الأمنية، المغرب من خلال دستوره يصادق على كافة المواثيق الدولية ورفع التحفظات على الكثير منها، فلماذا لا يلتزم أمنيوه على الأقل بهذا الدستور، المغرب ينجب الآن مجتمعا مدنيا قويا وصحافة مستقلة ضاغطة وفاعلة لا تعترف بالطابوهات أو الخطوط الحمراء، وهي عوامل ومؤشرات على انهزام أصحاب الاختيار الأمني القمعي، إن المنطق الأمني أصبح متجاوزا ولاغيا حتى في الدول الشمولية لأنها توصلت إلى أن رغبة الشعوب في الانعتاق والتحرر من الظلم مسألة مصيرية، وأن اعتماد الصراع الديمقراطي عبر آلياته الحقيقية ضمان للسلم الأهلي والاجتماعي.
إن المغرب الذي يعرف ارتفاعا للأسعار وطبقية فاحشة ونهب للمال العام ورشوة تنخر جميع القطاعات، إنقاذه يتطلب ابعاد كل المسؤولين المارقين حتى لا تتسبب تصرفاتهم واجتهادتهم في تعميق الأزمة وتكريس الاحتقان وحتى لا تنفرط حبات السلم الاجتماعي.
كما أدعو البرلمان على علته إلى التدخل في هذا الموضوع من أجل تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الانتهاكات التي تمارس يوميا على المعطلين والمواطنين وبمختلف المناطق وعلى الاحتجاجات السلمية الاجتماعية.
إدريس ولد القابلة
التعليقات (0)