تسير ليبيا اليوم في طريق الفوضى إلى الهاوية وعدم قدرة الدولة على التحكم في أمور البلاد . لقد فوض الشعب خلال أحداث الثورة المجلس الأنتقالي بتولي جميع السلطات التنفيذية والتشريعية بصرف النظر عن تكوينه ، وكان على المجلس الانتقالي العمل حال تحرر أجزاء من البلاد وإقامة السلطات الأمنية وإحياء الجيش والقضاء بقرار منه وفرضه بقوة القانون والسلاح ولو على الثوار. وكان على المجلس بمجرد إعلان التحرير دعوة المواطنين جميعا الى الألتزام بالأمن وتسليم السلاح بصرف النظر عن طريقة الحصول عليه ألى نواة قوات الأمن والجيش قبل التفكير بأي شئ اخر واللجوء الى الشعب لفرض قراراته على الثوار . والإعلان إن من يخالف هذه الأوامر يعد خارجا على القانون بعد الثورة . شباب الثوار يشكرون وقد سجلوا تاريخا حافلا بالأمجاد نفتخر به ، ولكن نقولها صراحة لا حق لهم تولي السلطة من تلقاء أنفسهم وإحتلال مباني الدولة وإداراتها والمطارات والمنافذ الحدودية . وإستخدام القوة ضد سلطات الأمن والجيش التي يفوضها المجلس الأنتقالي والحكومة المؤقتة لحفظ الأمن وإعادة النظام الرسمي . لان ذلك يعتبر إرتكاب جريمة بحكم القانون وضد ما قامت الثورة من أجله . إن تحرير البلاد ثم بفضل كل أفراد الشعب الذين شاركوا بالسلاح أو الدعم المادي والمعنوي ولا فضل لفئة معينة من الشعب على الثورة . كما أن الفضل يرجع ألى قوات الناتو التي حطمت إمكانيات كتائب القذافي الدفاعية ولولاها لعادت ليبيا إلى قبضة الطاغية ولأنتقم من الشعب وأرتكب أبشع الجرائم . لهذا فالناتو مسئول ايضا عن مساعدة المجلس والحكومة على إعادة الأمن والنظام . وما دفعه الثوار من ثمن باهض بالأرواح هو ضريبة للوطن كضريبة أي جيش في العالم دخل في حروب لتحرير شعوب أخرى وحماية وطنه من خطر الأحتلال والأعتداء . جيوش الحلفاء بعد بعد تضحياتها بالملايين من أفرادها و إنتصارها على المحور عادوا كلهم إلى إعمالهم وومدنهم وقراهم وأحترموا النظام والقانون كمواطنيهم وتمتعوا بنفس الحقوق التي يتمتع بها إفراد الشعب الذي عانى بدوره أهوال الحرب وخرابها دون تمييز لهم عن مواطنيهم العاديين ، ولم يتوقعوا جزاءا ولا شكورا. حقوق المواطنين بما فيهم الثوار يجب المطالبة بها في مرحلة بعد إستتاب النظام في ليبيا وقيام الهيئات الدستورية وليس بفرضها بالسلاح الان . إن المجلس الأنتقالي كان علية أن يعيد قوة السلطة للبلاد وذلك بالبدء في تكوين وتقوية قوات الشرطة وتدريب من يتطوع للأنتساب إليها ، وكذلك قوات الجيش والطلب من الناتو أرسال بعثات تدريب كافية لتدريب قوات الأمن والجيش الليبية الناشئة وتسليحها بكل الأسلحة اللازمة لفرض النظام وإجبار الجميع على طاعة القانون . أمريكا جندت الملايين وأستعدت لخوض حرب عالمية في فترة أقل من سنة . ونحن مضى علينا أكثر من سنة ولا يملك المجلس الأنتقالي ولا الحكومة المؤقتة سلطات تذكرعلى التراب الليبي . ما معنى هذا ؟ . هناك تقصير يجب التحقيق فيه مع المسئولين في المجلس الانتقالي والحكومة المؤقتة . ويجب البدء في تنفيد أوامر السلطة لفرض النظام والأمن ولا عذر لمن لا ينصاع إلى أوامر السلطة الرسمية . هذه المهمة كان من الممكن إتمامها في شهور ، بالطلب من الثوار الرجوع إلى أعمالهم ومدنهم بأوامر صارمة وكل من يخالف الأوامر كان يجب إعتباره مخالفا للقانون وضد الثورة والتعامل معه بسرعة . كما كان يجب أن تعد مستشفيا ت مؤقتة حديثة الأنشاء لمعالجة الجرحي في ليبيا وأنتداب أطباء من أمريكا والدول الأوربية والدول الشقيقة للعمل بالمستشفيات في ليبيا لفترة تحتاجها البلاد بدلا من فتح باب العلاج في الخارج وتكاليفه التي لن يستطيع دخل البلاد من النفط تغطيتها إذا إستمرت شهورا أخري وهو تقصير يجب محاسبة المسئولين عليه . , كما كان يحب أن يفعل القضاء وتوفير مباني للمحاكم والنيابات وتعيين القضاة والبدء في محاكمة المسئولين السابقين وكل من تولى منصبا مسئولا أو شارك في نشاط دعم النظام السابق . وكذلك النظر في المخالفين للقانون والمستغلين من المسئولين والافراد بعد 17 فبراير . وأن يقوم القضاة بهذه المهمة دون تدخل من المجلس الأنتقالي أو الحكومة المؤقتة وتكليف سلطات الأمن لتنفيد أوامر النيابة وأحكام القضاء بعيد ا عن تدخل السلطات السياسية . هذه الأجراءات كلها كان يجب أن تتم قبل الأعلان عن إنتخابات المؤتمر الوطني . كما كان يجب إصدار قانون للأحزاب لتحديد أهدافها وعملها وفقا للدستور قبل إصدارقانون الأنتخابات . إن المراقب لما يجري في ليبيا يقف حائرا ماذا وما ينتظر ان يتم في الشهرين القادمين قبل الأنتخابات . لقد توسعت الدائرة وإستساغ الثوار حلاوة السلطة وإمتلاك السلاح وبدأوا في فرض طموحاتهم السياسية . أي فرض دكتاتورية مسلحة وبداية عهد دكتاتوري جديد من نوع الحكم الذي كان يحكم به القذافي . فقد كانت كتائب القذافي المسلحة تتحكم في البلاد من وراء سلطات الأمن والجيش كما هو عليه الحال اليوم عندنا . على الأقل كتائب القذافي المسلحة لم تكن تتولى الشئون العادية واليومية لحماية النظام وإستتاب الأمن ، بل كانت هناك قوات أمن مختصة لا تتدخل الكتائب في شئونها . الحرية الوحيدة التي يتمتع الشعب اليوم هي حرية التعبير وإبداء الراي . لقد كتب الكثيرون من المفكرين والساسة ألاف المقالات خلال السنة الماضية منادية بالتحرك وتقديم الاقتراحات البناءة وإتخاذ القرارات السليمة وتنفيذها ، ولكن لا حياة لمن تنادي . نسمع اليوم ونقرا قرارات الحكومة والمجلس الأنتقالي تتعلق بأمورتافهة أو مور لم يحن بعد وقتها كالعلاقات مع الدول الشقيقة والمجاورة وإرسال افراد الشرطة والجيش للتدريب في الخارج بدلا من تدريبها داخل البلاد وإنتداب مدربين من الخارج إذا أحتيج إليهم . ولا نسمع شيئا عن فرض النظام والأمن رمز وجودنا كدولة .. إن حرية التعبير لاتكفي فقد كانت حرية التعبير وإبداء الراي متوفرة في عهد الرئيس مبارك بشكل لا يوجد في معظم الدول الدول العربية والنامية ومع هذا كان نظامه الدكتاتوري أقسى نظام دكتاتوري عرفه التاريخ العربي . الشعب الليبي لم يقم بالثورة من أجل هذه النهاية المحزنة . لقد ناصر العالم والامم المتحدة ودول الناتو الشعب الليبي كله على التخلص من القذافي وإقامة نظامه الديمقراطي سليم ولم يكن يناصر الثوار لتولي السلطة أو لاثارة الفوضى .
في الحقيقة توسعت الهوة بين النظام والفوضى ولم يعد يوجد مجال لتحقيق الدولة الليبية التي كان الشعب يحلم بها . وإذا لم تتظافر جهود الحكومة والثوار والشعب على تنفيذ الأجراءات االتي كان من الواجب إتباعها من أوائل الثورة كما بينا أعلاه فإن البلاد ستتعرض لخطر الأنقلابات والفوضى التي شاهدناها في أفغانستان والعراق وقريبا جدا . والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم وحانت ساعة التغيير وهو مسئولية كل مواطن وثائر وليست مسئولية المجلس الأنتقالي والحكومة المؤقتة وحدهما . والمسئولية تتمثل قبل كل شئ في طاعة القانون والنظام بدون نقاش والتقيد بأوامر السلطة المفوضة من الشعب فوق كل الأعتبارات الشخصية والمطالب الجماعية والفردية مهما كانت ملحة وعاجلة ,
التعليقات (0)