مواضيع اليوم

هل تناقض الثقافة العربية الفردية ؟!

ظــــل رجــل

2009-07-16 21:48:07

0


هل تناقض الثقافة العربية الفردية ؟!

 

المحامي سائد كراجه

اعترف بان سؤالى ليس بريئا ، ذلك ان ذهني متصالح مع جواب لهذا السؤال حتى قبل طرحه ، او ان طرحة ناجم عن قناعة بأن الجواب على احسن احتمال هو ، أقرب الى الإيجاب منه الى النفي ، وان كان في هذا مثلبة على صعيد التفكير الموضوعي ، الا ان له عندي اسبابه المقنعة والواقعية.

فمنذ النصف الأول للقرن التاسع عشر " محاولات التحديث في مصر مع محمد علي " بدأ ما يسمى عصر التنوير العربي، وبعد محمد علي في مصر والباي احمد في تونس ، جاء الجيل الأول من التنويريين ومنهم ، جمال الدين الأفغاني ، محمد عبده ، رشيد رضا، الكواكبي، شبلي شميل وغيرهم ، وبعيدا عن تفصيل واسس دعواهم الى التنوير، فقد كانت الحرية والحريات الفردية اساس ثابت في تلك الدعوة للنهضة والتنوير، ومع ذلك، ورغم مرور قرابة القرنين من الزمان على تلك البدايات، فان حال الحريات والحريات الفردية في العالم العربي يعرفها الجميع.

كما اعترف بأن ثمة فرضية مضمرة في السؤال مفادها ان غياب الفردية، هو سبب اساسي لاستمرار حالة التخلف الحضاري الذي نعيش رغم جميع دعوات الأصلاح والنهوض والتنوير نعم ،لماذا لم ينفع معنا اي جهد تنويري بغض النظر عن ايدولوجيته ؟؟؟ لماذا انهارت على صخرة التخلف العام الذي نعيشه، جميع جهود ايدولوجيات النهضة والتنوير من السلفية الدينية الى القومية وصولا بالماركسية وانتهاءاً بالليبرالية ؟؟ انه سؤال مشروع ومحير، والبحث فيه مقدمة منطقية لبطلان العجب ، على قاعدة " اذا عرف السبب بطل العجب " ، هذا من جانب ومن جانب آخر ، فان معرفة السبب قد تؤهل لتقديم مشروع او آلية ، تضمن تجاوز الموقف والتقدم نحو النهوض الحضاري والتنوير .

لقد ذهب المفكرون العرب كل مذهب في تفسير الواقع العربي المتخلف، وحاولوا تفسير وعدم قدرته على تجاوز ذاته، سواء بوضع المسؤولية على الأيدولوجيات التي تحكمت بحركة الأستقلال وما تلالها، او في لوم الأسس المعرفية للعقل العربي، حيث شاعت مؤخرا دراسات عدة حول الأسس المعرفية للعقل والثقافة العربية، اقول مع كل ذلك فإن بعدا واحدا لم يعتن به عناية كافية رغم انه هدف ووسيلة كل نهوض او تطوير او اصلاح الا وهو الفرد والثقافة الفردية والحريات الفريدة ، من ناحية اهميتها في النهوض والصلاح .

وان كنت اعترفت بعدم موضوعية كاملة في طرح السؤال، " هل تناقض الثقافة العربية الفردية " فانني عازم على اكبر قدر من الموضوعية في الإجابة عليه، وعلى الفرضية المذكورة اعلاه التي فاضت عن السؤال. ولكن دعونا نحدد اولا بعض المفاهيم والمصطلحات، التي ترد في هذه السياق : ونسأل

ما معنى الثقافة، ما معنى الفردية، وما هو المقصود بالتاقض؟

الثقافة في اللغة هي الحذق والتمكن، والشخص المثقف هو المهذب المتعلم والمتمكن من العلم او الفن او كليهما .
وحسب سلامة موسى في مقالة لهفي مجلة الهلال فإنه ، اي سلامة موسى ،هو اول من استخدم هذه اللفظة في الأدب العربي الحديث حيث يقول :

" كنت أول من أفشى لفظة الثقافة في الأدب العربي الحديث ولم أكن أنا الذي سكّها بنفسه فإني انتحلتها من ابن خلدون، إذ وجدته يستعملها في معنى شبيه بلفظة (كلتور) الشائعة في الأدب الأوروبي ، الثقافة هي المعارف والعلوم والآداب والفنون يتعلمها الناس ويتثقفون بها، وقد تحتويها الكتب ومع ذلك هي خاصة بالذهن ".

وبعيدا عن الخوض في تعداد او تكرار تعريفات للثقافة قد تبعدنا عن مقصد هذه الورقة فان الثقافة عندي هي الأسس المعرفية والشعورية والأعتقادية التي تؤطر او تفسر او تؤسس سلوك الفرد ومعتقداته، وهي عندي غير مرتبطة بالضرورة بالتعليم او بالمعلومة ، ذلك ان مصدرها قد يقع في العلم بمعناه الخاص ( المدرسة او الجامعة ) او في التعلم بالمعنى العام، التعلم من الآخر او من السفر او من الحياة كما يقولون ، ومن نافلة القول ان المعتقد الديني يشكل اساسا مهما للثقافة بالمعنى أعلاه .و الثقافة بهذا المعنى هي حالة تفاعل بين الفرد والواقع اساسها تأثر الفرد بالواقع ، ونتاجها قدرة الفرد على التاثير بهذا الواقع لخلق تطوير في اسس الثقافة وماهيتها. ولعل هذا ما يميز الثقافة المدنية على الثقافة " المتخلفة "

ولكن ما هي الثقافة المدنية وما هي الثقافة المتخلفة؟

الثقافة المدنية هي الثقافة التي تؤسس للعمران الأنساني بالمعنى العام والعمران كما ثبت بالتاريخ اساسه القيم الفاضلة من الحق والخير والحرية، ان التاريخ حافل بحضارات او دول زالت لأنها اعتمدت القهر او الذل او الظلم ولكني أجد صعوبة في تذكر دولة او امة زالت لأنها تبنت العدالة او الحرية كقيم اساسية للمجتمع .

اذا الثقافة هي حالة تأثر بالأساس، وتأثير بالنتيجة، بمعنى ان الفرد يتلقى ثقافة من المجتمع الذي يعيشة في البيت او المدرسة ووسلية الأعلام وهكذا ، ولكن يعود ليؤثر في ذات المجتمع بما طوره هو او اضافة هو حتى اذا تراكمت هذه الأضافة الفردية من افراد عدة ، اثرت بالمجتمع لتصبح هذه الأضافة فيما بعد اصل من اصول الثقافة العامة . هذه الحالة من التطور هي ما يميز ثقافة عن غيرها ، او ما يميز الثقافة الحية ، عن تلك الساكنة ، وواضح ان اساس هذه العملية من التفاعل هو الفرد الفاعل بمعنى الفرد الذي يتلقى بحيوية ذاتية ثقافة مجتمعة ويطورها، واساس وجود هذا الفرد الحيوي ان صح التعبير يعتمد على مدى اعتراف الثقافة ذاتها بالفردية.

ولكن ماذا اقصد بالفردية ؟

الفردية في الثقافة العربية من المفردات التي احب تسميتها "المفردات الملعونة" ومثالها العلمانية ، الدولة المدنية ، والديمقراطية أحيانا ، وحتى لا أدخل في لعنة المفهوم دعوني ابين ما أقصده بالفردية، واحسن طريقة لبيان ما اقصده من هذا المصطلح هو ان ابين ما لا اقصده منه وهذه محاولة .

الفردية من الفرد، ولا اقصد بها مبدأ الأنحلال الأخلاقي ، وعدم الأنضباط المجتمعي، بحيث يباح للفرد ما يشتهى او يشاء، فهي لا ترادف عندي الفوضوية ، والفردية ليست الأنانية وحب الذات فهي لا ترادف عندي النرجسية. كما ان الفردية ليست مرتبطة بالفلسفة الحرة " الليبرالية " مع انها اساس لها ، ذلك انها عندي ،لا تختص بايديلوجيا معينة أي كانت، ولكنها تؤسس للفكر الأنساني الحر باعتباره اساس العمران والتطور الأنساني .

وللإختصار اقول ، ان الفردية عندي تقوم على اساس جوهري هو : وعي الفرد لذاته المستقلة. وبهذا يكون مقابل الفردية هو "الجمعية" واقصد بالفكر الجمعي او"الجمعية" collectivism " هنا حالة انكار لذات الفرد المستقلة وتغليب الكتلة المجتمعية عليها .
والفردية لا تتناقض مع المجتمع بل هي في رأيي اساس المجتمع الحديث.

في ظل هذا التوضيح لما اقصده بالثقافة وما اقصده بالفردية اعيد طرح االسؤال "هل تناقض الثقافة العربية الفردية؟ "

لم يعرف العرب المجتمع السياسي بمعناه الحديث ، فلم تكن لهم دولة ولا تراث سياسي راسخ، ما عدا أمثلة قليلة في اليمن القديم وحوله . وقد كانت العرب قبائل متنقلة أومستقرة ، يحكمها عرف يطبقه شيخ القبيلة .

والحكم القبلي هو حكم" جمعي " تكون الطاعة فيه للقبيلة وعاداتها وشيخها ، وقد كان الخروج عن القبلية من الذنوب الكبيرة التي تستحق في اغلب الأحيان العقاب و الطرد من القبيلة. واهم من يميز ثقافة القبيلة انها كما قلت ثقافة جمعية والفرد فيها مدغم في الجماعة فما ان تقول انك من تميم حتى يلحق بك العربي كل ما يعرفه عن هذه القبيلة من مزايا او مثالب، وتكون كفرد مفردة مؤطرة لا ذاتيه لها .

الأسلام جاء ليحارب التعصب والجمعية لكنه تعامل مع القبلية وثقافتها باعتبارها واقعا قائما ،حتى انه اخذ ببعض ما كانت عليه القبيلة من اعراف كقانون اسلامي، – مثل تقسيم الأث بين المرأة والرجل –. اذا على المستوى العربي فإن الأسلام لم يتغلب على القبلية ولا على القبيلة وان كان خفف من غلوائها وشطف علاقاتها واضفى عليها مدنية كانت ثورة بالقياس لما كانت عليه العرب قبل الأسلام، ومن مؤشرات استمرار القبيلة بعد الأسلام ما يلي :-

‌أ. بعد وفاة الرسول الكريم، فان سجال العرب في سقيفة بني ساعدة لم يكن خلافا فقهيا بل كان سجالا تحكمت به القبلية والقوة والمنعة وقد تمت مبايعة ابي بكر " كفلته " كما وصفها عمر بن الخطاب على اساس ان العرب لا تدين لغير لقريش .

‌ب. ان تحول الخلافة الى الأمويين كان اساسه وفلسفته قبلية وان دعمتها فكرة القدرية في الحكم الا ان المؤيد والمعارض كان يحتكم الى اسس القبلية كاساس مهم لدعواه باحقية الخلافة وهذا ايضا كان حال بني عباس ومن جاء بعدهم .

وعليه فأن الأسلام بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم استعاد في تطبيق العرب للحكم في السلام ، اسس التكييف القبلي ، وبهذا فان المجتمع لم يخرج عن " الجمعية " في التفكير والعمل، ولم يبتعد كثيرا عن الفكر الجمعي للقبيلة العربية قبل الاسلام، التي لا تعير الفرد اهتماما والتي لا تساعد ايضا على نمو الوعي الذاتي للفرد . ومما يشار اليه هنا ان ابحاثا كثيرة بدات في بحث الفردية في الأسلام ومثال ذلك – الفردية في الاسلام محمد صبحي منصور منشور الكترونيا- وهي في معظمها تقرر ان الأسلام يقوم على الفردية التي تراعي فكر الجماعة .

أما الدولة العربية الحديثة القائمة فانها نتاج لنهاية عصر الاستعمار الفعلي في العالم العربي ، ورغم ما حملته تلك الدول من شعارات التطور والتمدن الا انها تعاملت مع الفرد وحرياته باعتبارها ترفاً يتعارض مع معركة التحرير والبناء، وكان شعار حقوق الأنسان- التي كانت تنادي به اغلب الدول المستعمرة _ مستنكرا أمام شعار حق الشعوب في الاستقلال وتقرير المصير ، ان حقبة التحرر من الاستعمار هي حقبة "جمعية " بامتياز وان الفرد والفردية فيها كان سبة ان لم تكن مدعاة للشك بالتآمر مع المستعمر .

ومنذ بداية الثمنينات من القرن الماضي وحركة حقوق الانسان تعلو بصوتها في العالم العربي ،وقد تزعمت جمعيات حقوق الأنسان نحراكا مهما للتوعية بهذه الحقوق والدفاع عنها، الا ان هذا في رأيي لم يغيير شيئا جوهريا على صعيد الفردية في الثقافة العربية ، ذلك ان النص على حقوق الفرد في الدساتير او حتى تطبيقها الكامل او الجزئي لم يرق بعد لتاسيس الفردية كاصل في الثقافة العربية التي ما زل الفكر الجمعي القبلي سيدها .

ولكن لماذا الفردية اصلا ؟

هناك مبررات كثيرة لثقافة الفردية اجملها في امريين اثنين هما :-

المبرر المنطقي :-
الأجتماع ضروة لخدمة استمرار الفرد ،والمجتمع آلية واقعية ومنطقية اخترعها الأنسان لخدمة استمراره كفرد، وان هذه الضرورة المنطقية والعملية لا تنفي انه أي الفرد هو الهدف الأساس من الاجتماع والمجتمع . وأن جميع الفلسفات التي اسست للمجتمع او للأجتماع الأنساني " العقد الأجتماعي " كان هدفها حماية قدرة الفرد على حماية حرياته الطبيعية والسياسة .

المبرر العملي :-

انهارت صروح النهضة حيث لم يدافع عنها الأفراد، وان دفاع الأفراد يكون عن ما يعنيهم ذاتياً وعن ما يؤسس لذواتهم، وها هي الحروب التي شنت بالشعارات "جمعية" او قمعية تتكل بالهزيمة ذلك انها قامت او تحركت بدافع غير دافع الذات الأنسانية السلمية العادلة.


وبعد فإن هذا الاستعراض يسهل القول، ان الفردية ليست من اسس الثقافة العربية حتى ان الحديث عن الفرد اوعن حرياته، يعتبر ضربا من الترف اوالمروق او التبعية. وان حريات الفرد مؤخرة عن حقوق الجماعة، ، بدعوى" مصلحة الجماعة " أو مصلحة الأمة او مصلحة المجتمع ، وشاهدنا هنا " لا صوت يعلو على صوت المعركة " .

أن الفردية غائبة في الثقافة العربية باعتبار الفرد جزء مهمل ، مدغم في الكل ، وان ادغامه مؤسس ثقافيا ومعرفيا في الجذور التاريخية والمعرفية للثقافة العربية بعنوان اجتماعي اقتصادي سياس تؤطره القبلية ، بل اكثر من ذلك فإن نقيض الفردية وهو الفكر "الجمعي" هو اساس س جوهري في تلك الثقافة ، وان مقاربات الحقوق والحريات الفردية المنتشرة في العالم العربي، وحتى في الدساتير العربية، تفتقر لمشروعيتها الثقافية في مضمون ثقافة العرب، لهذا فان النتيجة التي تسيطر على ذهني ان التفسير الوحيد لفشل مشاريع النهضة والتنوير والأصلاح السياسي في العالم العربي هو ،غياب العناية بالوعي الذاتي للفرد، فترى الفرد كالريح يميل حيث تميل المجاميع او الدولة القمعية ،وهو لا يدافع ولا يملك الدافع للدفاع عن حقوقه وحرياته، الفرد في العلم العربي لا يخط لنفسه مستقبلا ، ان الأصلاح في العالم العربي يقع خارج نطاقه الطبيعي والمنطقي وهو الفرد والحريات الفردية، وهذا سبب رئيس لحالة الفشل في الأصلاح والنهوض التي لم تفلح معها لا الماركسية ولا القومية ولا الدينية ولا حتى الليبرالية؟ وهذا يقودني الى نتيجة واحدة ان نجاتنا تكون في التعليم لغرس الفردية والوعي الأنساني الراقي بالذات كمحرك للتاريخ وكهدف ووسيلة للأصلاح بكل أشكاله.

اعترافي الأخير ان هذه النتيجة بحاجة الى فحص وتمحيص وانني ارحب بكل جهد بهذا الصدد نقدا او رفضا ،نقضا أو تاييدا .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات