الدول الأوروبية بدأت تدريجيا تتجه لمرحلة في إستقرار العملات وأسعار صرفها تحضيرا للوحدة النقدية الأوروبية والتي توجت سنة 1999 بإطلاق اليورو كعملة أوروبية موحدة. على العكس من الدولار والذهب الذي شهدت قيمتهما تقلبات سعرية حادة. الولايات المتحدة عانت من ثلاثة فترات ركود بين 1973-1981 حيث خسر الدولار الأمريكي 50% من قوته الشرائية بين 1977-1981. أسعار النفط نضاعفت 4 مرات في فترة الكساد 1973-1975 ثم إرتفعت لمستويات قياسية مرة أخرى سنة 1979. المعدل السنوي لمتوسط سعر أونصة الذهب إرتفع من 40.80 دولار سنة 1971 إلى 612.56 دولار سنة 1980 بما يشمل إرتفاع سعره إستثنائيا ولفترة قصيرة لمستوى 850 دولار للأونصة خلال شهر كانون الثاني\يناير من تلك السنة. في تلك الفترة التي ظن الكثيرون أن العالم وصل إلى حافة الجنون والإنهيار فقد ظهر مصطلح جديد هو (Stagflation) لوصف الوضع في الولايات المتحدة حيث تعاني من التضخم والركود الإقتصادي في الوقت نفسه مما يعد أمرا إستثنائيا. الإجرائات التي تم إتخاذها بين 1973-1981 خصوصا تخفيض قيمة الدولار حيث كانت النتائج هي عكس مايرجى الوصول إليه من نمو وإزدهار إقتصادي. في أوغسطس 1979 تم تعيين بول فولكير كرئيس لمجلس بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي من قبل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر وهو كان مسؤولا بشكل مباشر قبل ذالك عندما كان يعمل كمساعد لوزير الخزانة عن قرار فك إرتباط الدولار بالذهب. فولكر إتخذ مجموعة قرارات لمحاولة إصلاح الوضع القائم حيث أن السيولة المتوفرة في الاسواق كانت تتجه في أغلبها إلى الإستثمار في اسواق الأسهم والسندات وليس لإيجاد نمو حقيقي يؤدي لتوفر فرص عمل وتنشيط الأنشطة الإقتصادية المختلفة كالصناعة والزراعة. أولى تلك القرارات كانت رفع تدريجي لمستوى الفائدة حتى وصلت بتاريخ حزيران\يونيو 1981 إلى 20% حيث أدى ذالك إلى إنخفاض مستوى التضخم من 12.5% سنة 1980 إلى 1.1% سنة 1986. سعر الذهب أيضا إنخفض من 612.56 دولار للأونصة سنة 1980 إلى 317.26 سنة 1985 وذالك نتيجة رفع سعر الفائدة حيث زادت الثقة بالدولار كملاذ أمن للإستثمار. إن هزيمة التضخم وإستعادة الثقة بالدولار لايعود الفضل فيها حصريا للإجرائات التي إتخذها بول فولكير بل أيضا مجموعة إجرائات إتخذها الرئيس الأمريكي المنتخب سنة 1981 رونالد ريجان حيث قام أولا بتبسيط الروتين والإجرائات الحكومية ثم إجراء تخفيض في نسبة الضريبة مما أدى إلى توفر المزيد من السيولة المالية بأيدي المواطنين الأمريكيين تم إنفاقها على شراء البضائع والسلع مما أدى إلى إنتعاش الإقتصاد حيث وصلت النسبة التراكمية للنمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 16% خلال الفترة الممتدة 1983-1985 أي ثلاثة سنين من مستويات النمو الغير مسبوقة حيث أن الإقتصاد الأمريكي لن يشهد حتى يومنا هاذا ثلاثة سنين متواصلة من النمو القياسي في الناتج المحلي الإجمالي مماثلة للفترة 1983-1985. بحلول سنة 1985 فقد أدى إجتماع عدة عوامل إلى توقيع مجموعة دول وهي ألمانيا الغربية, اليابان, فرنسا, بريطانيا, والولايات المتحدة إتفاقية البلازا(Plaza Accord) والتي إستوحت إسمها من الفندق في نيويورك حيث عقد الإجتماعات بين الأطراف الموقعة على الإتفاقية. تلك العوامل تلخصت بأن الصناعة الأمريكية قد سعت لحمايتها من منافسة الصادرات بالإضافة إلى سعي الأمريكيين نحو إيجاد المزيد من فرص العمل مما أدى إلى تحريك النقابات العمالية ولوبيات الضغط الصناعية نحو المزيد من التخفيض في قيمة الدولار لتشجيع الصادرات والعكس بالنسبة للواردات وذالك بفرض ضريبة عليها تجعل شرائها غير جاذب للمستهلك المحلي. إن قوة الدولار كانت تصويتا بالثقة للولايات المتحدة وليس مشكلة يتوجب حلها حيث سعى الكثيرون للإستثمار بالدولار الأمريكي مما أدى إلى إرتفاع قيمته وفق قاعدة بسيطة وهي العرض والطلب. ولكن بالنسبة للبيروقراطين ومن ورائهم الصناعيون والنقابات العمالية فقد كان لهم رأيا أخر. الأدوات التي تم إستخدامها من أجل تحقيق ذالك الهدف كانت مختلفة حيث أن العملات المختلفة تم تعويمها ولم تعد مرتبطة بالذهب حيث إتفقت البنوك المركزية للدول الموقعة على تلك الإتفاقية على إنفاق 10 مليارات دولار من أجل تحقيق تلك الغاية في فترة زمنية ممتدة 1985-1988. النتيجة كانت إنخفاض قيمة الدولار 40% أمام الفرنك الفرنسي, 50% أمام الين الياباني و 20% أمام المارك الألماني. إتفاق البلازا رغم تطبيقه وإلتزام جميع الأطراف ببنوده ولكنه لم يؤدي إلى النتائج المرجوة منه حيث بقيت نسبة العطالة في الولايات المتحدة فوق نسبة 7% سنة 1986 ومستوى النمو أعلى بقليل من نسبة 3% حيث بلغ 3.2% سنة 1987 كما أن التضخم وصل إلى 6.1% سنة 1990. المضاربة على أسعار صرف العملات بين الدول المختلفة سواء كان ذالك بالتوافق فيما بينها كما حصل في إتفاق بلازا أو إتخذت شكلا من أشكال سرقة النمو فإنها في الأغلب فشلت في إيجاد فرص عمل ونمو إقتصادي ولكنها بالتأكيد نجحت في زيادة نسبة التضخم. إتفاق البلازا كان ناجحا بالنسبة للبعض حتى أن دول جي-7(G-7) وهي الدول الموقعة عليه بالإضافة إلى كندا وإيطاليا قد إجتمعت في اللوفار في فرنسا سنة 1987 لتوقيع إتفاق جديد لتثبيت سعر صرف الدولار ومنعه من الإنزلاق إلى مستويات جديدة من إنخفاض قيمته. الإتفاق تم توقيعه بتاريخ 22 شباط\فبراير 1987 وبذالك إنتهت جولة أخرى من الحروب الإقتصادية تم فيها إستخدام العملات كأداة من أدوات تلك الحروب عن طريق التلاعب بأسعار صرفها مقابل العملات الأخرى. الفترة التي تلت إتفاقية اللوفار في فرنسا تميزت بإستقرار مالي وإقتصادي نسبي خصوصا بالنسبة للدولار الأمريكي حيث كان الإستقرار مستندا على قوة الدولار والثقة بالإقتصاد الأمريكي حيث لم يتأثر الدولار الأمريكي بأزمة الجنيه الإسترليني 1992, البيزو المكسيكي 1994 وأزمة العملات الأسيوية والروبل الروسي 1997-1998 وتم إعتباره دوما ملاذا أمنا للمستثمرين. كل ذالك تغير بحلول سنة 2010 مع صعود قوى إقتصادية أخرى خصوصا الصين والهند وإنهيار النمو الإقتصادي في الولايات المتحدة نفسها خصوصا مع أزمة 2007-2008 والتي بلغت أوجها سنة 2010 حيث حلت فترة كساد إقتصادي تعد الأسوأ منذ أزمة الإثنين الأسود وإنهيار أسواق الأسهم والسندات في وول ستريت سنة 1929. رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.ca/2015/02/1985.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية النهاية
التعليقات (0)