هل تكون الحرب طلقة الحزب الاخيرة للهروب من المحكمة؟!
تتجه معظم آراء المحللين السياسيين منذ مطلع عام 2010، الى اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، مع ترجيح صدوره قبل نهاية السنة الجارية. كما يكاد يجمع المحللون ان حربا اسرائيلية جديدة ضد لبنان، واقعة لا محالة خلال الاشهر السبعة المتبقية من هذا العام.
واذا ما تتبعنا الاسس التي بنى عليها المرجحون لحصول الحرب تحليلاتهم، سنجد ان فريقا منهم ينطلق في آرائه من ملف ايران النووي وارتباط "حزب ولاية الفقيه" العضوي والعقائدي والسياسي به، مرجحا اشتعال الجبهة اللبنانية اذا ما تعرّضت اسرائيل او اميركا لمفاعلات ايران النووية، كما لايستبعد هذا الفريق ابتداء الحرب من لبنان كضربة استباقية لتحييد الحزب والاستفراد بايران.
إلا ان ثمة فريقا ثانيا من القائلين بوقوع الحرب، مع تقديره للعوامل التي استند اليها الفريق الاول في تحليله، يستبعد فكرة اقدام اسرائيل او اميركا على ضرب النووي الايراني، لانه يرى انهما لا تزالان بحاجة الى الفزاعة الايرانية وذراعها العسكرية في لبنان للمضي في سياسة نهب اموال الخليج وتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية ومذهبية، وقد يكون السماح لايران بامتلاك السلاح النووي عنصرا فعالا في تعزيز النفوذ الاميركي في الشرق الاوسط وتحقيق اهدافه... ويعتقد هذا الفريق، ان لبنان سيكون ضحية عدوان اسرائيلي جديد بسبب ذريعة يقدمها "حزب ولاية الفقيه" للعدو الصهيوني من اجل افتعال حرب مدمّرة على لبنان، من شأنها ان تنجي الحزب وتهرّبه من الحقيقة "المرّة" والفضيحة الكبرى التي سيميط عنها اللثام القرار الاتهامي للمحكمة الدولية، الذي يتجه على ما يبدو لتأكيد ما اوردته صحيفة "لوموند" الفرنسية عام 2006 وتقرير مجلة "دير شبيغل" الالمانية عام 2009، من احتمال تورط الحزب الايراني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
اما خلفيات احتمال تورّط "حزب ولاية الفيقه" في جريمة العصر، وكيف يمكن لحرب اسرائيلية ان تهرّبه وتنقذه من القرار الاتهامي للمحكمة الدولية؟ فهما المسألتان اللتان سنحاول تبيانهما في الفقرات التالية.
بداية، لا بد من الاتفاق على ان قرار اغتيال شخصية عالمية من العيار الثقيل بحجم الرئيس رفيق الحريري، لا يمكن ان تنفرد به اي جهة دون الحصول على ضوء اخضر اميركي-اسرائيلي ولو تلميحا. لذا، فالمرجَّح أن تكون أميركا قد ورَّطت النظام السوري ومن عاونه في عملية اغتيال الحريري، بحيث يجري على أثرها تحقيق دولي يتيح للولايات المتحدة الضغط على النظام السوري لنيل بعض المكاسب منه، عبر جعل المحكمة سيفاً مسلطاً على رقبته، وصولاً إلى تغييره بالكُلِّية عندما تتخلى عنه حليفته إسرائيل (التي لا تزال تعتبر بقاءه جزءا استراتيجيا من امنها القومي)، فتأذن لأميركا بالتدخل عسكرياً للإطاحة به، وذلك بذريعة تنفيذ قرارات المحكمة الدولية بجلب أركانه الفارين من وجه العدالة.
اما خلفيات احتمال مشاركة الحزب الايراني في الجريمة الارهابية الى جانب النظام السوري، فمعرفتها تتطلّب منا استعراض بعض الاحداث التي تلت تاريخ 14 شباط 2005.
فور حصول جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، توجهت اصابع الاتهام مباشرة الى النظام الامني السوري-اللبناني المدار من القيادة السورية، وكان اتهاما شعبيا عفويا ومنطقيا، نتج عن الاجواء المتوترة التي سادت العلاقة بين الرئيس الحريري والقيادة السورية وازلامها في لبنان قبيل حصول الاغتيال، فقد تضاعفت قوة الحريري على المستوى الشعبي والطائفي والعالمي، لدرجة بات معها ايقاف هذا الرجل المعارض لأن يحكم لبنان من الخارج والمهدِّد لمشاريع سوريا وايران في لبنان والمنطقة، واخراجه من المعادلة السياسية اللبنانية على مشارف انتخابات 2005... بات ذلك امرا مستحيلا بغير التصفية الجسدية.
يومئذ، لم يوجه الشعب اللبناني ولا السياسيون الاستقلاليون، تهمة المشاركة في عملية الاغتيال لـ "حزب ولاية الفقيه"، باستثناء اصوات قليلة اكتفت بالتلميح دون ان تلقى اهتماما يُذكر، لكن الحزب الايراني بعد ايام قليلة من وقوع الجريمة ما لبث ان وجّه التهمة لنفسه بنفسه!
ففي 8 آذار 2005، بعد ثلاثة اسابيع على الزلزال الذي هز لبنان وشملت ارتداداته العالم بأسره، نظم الحزب تظاهرة حاشدة في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، حملت عنوان "شكرا سوريا"، وجَّه خلالها حسن نصر الله عدّة كلمات شكر لسوريا قائلاً: "الشكر إلى سوريا حافظ وبشار الأسد، والشعب السوري الصامد المقاوم، والجيش العربي السوري المقاوم"، وأكّد ان "عرين الأسد في دمشق سيبقى عريناً لكل أسود لبنان...". يومها بدأت الشكوك والتأويلات والتساؤلات تدور في نفوس واذهان الشعب المفجوع باغتيال زعيمه الوطني والعابر للطوائف والقارات رفيق الحريري، خصوصا وان تلك التظاهرة التي حوت ازلام سوريا في لبنان استفزت مشاعر الشارع اللبناني عموما والسني تحديدا، واصبح معها السؤال المستبعَد مطروحا: هل يشكرون سوريا على اغتيال الرئيس الحريري؟!
تتابعت الاحداث واندلعت ثورة الارز في 14 آذار 2005، وجرت المطالبة بتحقيق دولي ومحكمة دولية لمعرفة حقيقة من قرر وخطط وموّل ونفّذ عملية اغتيال الحريري ورفاقه، وتقديمه للعدالة لمحاكمته.
كانت الامم المتحدة قد ارسلت لجنة لتقصي الحقائق وبدأت عملها في 24 شباط 2005، واصدرت تقررها في 25/3/2005 الذي أكَّد أن "الحكومة السورية تتحمَّل المسؤولية الأساسية عن التوتر السياسي الذي سبق اغتيال الحريري"، مقترحة تكليف لجنة تحقيق دولية، فأصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع في7/4/2005، القرار 1595، القاضي بتأليف لجنة تحقيق دولية مستقلة في اغتيال الحريري، مع إعطائها سلطات واسعة للتحقيق.
اندحر الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005، واجريت الانتخابات النيابية فاكتسحتها قوى 14 أذار، لكن ذلك كله لم يعن استتباب الاوضاع وتمهيد الطريق امام احقاق العدالة وحسن سير التحقيقات، فقد بدأت حملة ارهابية منظمة استهدفت خيرة قادة ثورة الارز والمطالبين بتشكيل المحمكة الدولية. وهنا، بدأت قناعة تتبلور لدى الجمهور الاستقلالي وتزداد تأكيدا يوما بعد يوم، باحتمال تورّط "حزب ولاية الفقيه" الى جانب النظام السوري في العملية الارهابية التي اودت بحياة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسلسلة الاغتيالات المبرمجة التي اعقبتها؛ وقد عزز ذلك الاحتمال الامور التالية:
اولا- فيما يتعلّق بتورط سوريا: حصلت عدة اغتيالات داخل النظام السوري لشخصيات سياسية وامنية كانت تدير الملف اللبناني لدرجة يتعذر معها صدور قرار اغتيال الحريري وتنفيذه دون مروره بقنواتها، وهي شخصيات طُلبت للتحقيق الدولي وجرى التحقيق مع بعضها اكثر من مرّة. ومن ابرز هذه الشخصيات رجلان: وزير الداخلية السوري والرئيس السابق للاستخبارات السورية في لبنان، اللواء غازي كنعان، الذي تمت تصفيته في مكتبه بتاريخ 12/10/2005، والعميد السوري محمد سليمان، المسؤول الأمني في القصر الجمهوري ومستشار بشار الأسد، والذي كان يعد اكثر نفوذا من رئيس شعبة المخابرات العسكرية آصف شوكت صهر الرئيس السوري، فقد اغتيل في 3 آب 2008 على يد قنَّاص "نظامي" كان يستقل زورقاً في مدينة طرطوس الساحلية.
وقد رُجِّح ان يكون اغتيال اللواء غازي كنعان والعميد محمد سليمان مرورا بمن نجهل تصفيتهم، مرتبطاً بتصفية النظام السوري لكل المتورِّطين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لإخفائهم مع أسرارهم من وجه العدالة الدولية.
ثانيا- اما احتمال تورّط "حزب ولاية الفقيه"، فقد قوّته سلسلة احداث قام بها بغرض عرقلة قيام واقرار انشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الامر الذي يضعنا امام احتمالين قويَين: فاما ان يكون الحزب مشاركا فعلا في الجريمة، واما ان يكون بعرقلته تلك يتستر على المجرمين، وهذه احدى اوجه المشاركة.
1- ففي 12/12/2005، وبعد ساعات على اغتيال النائب والصحافي الحر جبران تويني صاحب القسم الشهير في ساحة الحرية، تلك الجريمة النكراء التي استدعت توزيع الحلوى واطلاق الاسهم النارية ابتهاجا في مناطق الثنائي الشيعي، قرر الوزراء الشيعة الاعتكاف وتعليق مشاركتهم في الحكومة، وذلك في الجلسة التي قرر فيها مجلس الوزراء التقدُّم بالطلب إلى مجلس الأمن لكي يُقرَّ إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي المعنية بقضية اغتيال الحريري في لبنان أو خارجه، مع الطلب إلى مجلس الأمن توسيع لجنة التحقيق الدولية، لتشمل جرائم الاغتيال ومحاولات الاغتيال الأخرى التي جرت بعدها. وقد اتُخِذ هذان القراران بالأكثرية، بعد أن اعترض وزراء "حركة أمل" و"حزب ولاية الفقيه" عليهما، ليُعلنا بعد تصويت الأكثرية تعليق مشاركتهما في الحكومة، ويدوم اعتكاف وزرائهما سبعة أسابيع، قبل أن تتخذ مرجعيتهما قرار العودة إليها استعدادا لمسرحية حرب تموز2006.
2- في 12تموز2006، افتعل الحزب الايراني حرب تموز التي اراد بواسطتها اتهام حكومة الاستقلال الثاني بالعمالة والخيانة، وبالتالي ايجاد مبرر قوي امام الرأي العام اللبناني والعربي والاسلامي للانقلاب عليها وهدر دمها، وبالتالي اخماد ثورة الارز وهي لا تزال في مهدها، والتخلص من الفريق السياسي المتمسك بمعرفة حقيقة من اغتال الشهيد رفيق الحريري وبعض قادة ثورة الارز، ووأد التحقيق الدولي واجهاض المحكمة الدولية قبل ولادتها، فضلا عن الهروب من مأزق وضغوط طاولة الحوار التي كانت قد بدأت بمناقشة موضوع سلاحه، بعدما اظهرت اطراف الاكثرية المعارضة للسلاح غير الشرعي خلال جلساتها وحدة في الموقف ورجاحة في المنطق، ما اوقع الحزب في احراج شديد. الا ان الفريق الاستقلالي صمد في وجه تلك المؤامرة، وتابع نضاله مدافعا عن قضيته بقوة شعبه وتصميم قادته، وبدعم كلامي كاذب من الولايات المتحدة الاميركية.
3- في 11/11/2006، تسلَّمت الحكومة مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي لكي يُقرَّ من الجانب اللبناني، فقرَّرت قوى 14 آذار طرحه سريعاً على طاولة مجلس الوزراء، وإقراره في جلسته المقرر عقدها يوم الاثنين 13/11/2006.
طلبت المعارضة تأجيل الجلسة بضعة أيام ريثما تُتِم درس المشروع لوضع ملاحظاتها عليه، علماً أن الحكومة كانت قد وزَّعت عليها مسودة المشروع منذ فترة كافية لدرسه، ما كشف الستار عن مناورة تقوم بها المعارضة لعرقلة إقرار المحكمة، فرفضت الحكومة طلب الإرجاء، ليعلن "حزب ولاية الفقيه" و"حركة أمل" مساء 11/11/2006، استقالة وزرائهما من الحكومة، في محاولة لوقف مسار المحكمة الدولية؛ فانفجرت الأزمة على نطاق واسع، واحتدم الخلاف أكثر مع إقرار الحكومة بأكثرية وزرائها مشروع المحكمة الدولية يوم الاثنين التالي.
لم يتأخر رد النظام السوري وحلفائه على قرار الحكومة البطولي، ففي 21/11/2006، وقبل ساعات على انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي لإقرار مشروع إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي، تم توجيه ضربة موجعة لثورة الأرز وحكومتها، باغتيال النائب والوزير الشاب بيار الجميل، الركن الأساسي في قوى 14 آذار، والقيادي الواعد في حزب الكتائب.
4- منذ حصول ذلك الانقلاب في مجلس الوزراء، اغلق الرئيس نبيه بري أبواب مجلس النواب بأمر من "حزب ولاية الفقيه"، منعاً للأكثرية من ممارسة حقها الديمقراطي في حكم البلاد عبر هذه المؤسسة الدستورية، خاصة فيما يتعلَّق بطلبها عقد جلسة برلمانية من أجل التصديق محلياً على النظام الأساسي للمحكمة ذات الطابع الدولي.
وبما أن التصديق على المحكمة محلياً وصل إلى طريق مسدود بسبب عدم اجتماع البرلمان بشكل رسمي، ورفض المعارضة تقديم تحفظاتها على النظام الأساسي لمناقشتها مع الأكثرية، وتفادياً لتأخير إنشاء المحكمة وتعطيل جهود الأمم المتحدة المتعاونة مع لبنان في شأنها، والتي تنتظر تصديقه على نظامها الأساسي، أرسل الرئيس فؤاد السنيورة رسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة "بان كي مون" في 14/5/2007، أطلعه فيها على الواقع اللبناني المتأزم، وبيَّن له تعذُّر إقرار هذه المحكمة لبنانياً، طالباً إقرارها دولياً بقوله: "... في ضوء ما ذكرناه آنفاً، تعتبر الحكومة اللبنانية أنه آن الأوان ليساعد مجلس الأمن في جعل المحكمة الخاصة بلبنان واقعاً فعلياً، لذلك نطلب منكم وبإلحاح، أن تعرضوا على مجلس الأمن طلبنا وضع المحكمة موضع التنفيذ".
ومع تأكد المعلومات عن اتجاه مجلس الامن لاقرار انشاء المحكمة الدولية تحت الفصل السابع بعد رسالة الرئيس فؤاد السنيورة، كان لبنان على موعد مع ضربة سورية-إيرانية جديدة في 20 أيار 2007؛ فقد كمنت عناصر ارهابية تابعة لتنظيم "فتح الاسلام" (الذي تديره المخابرات السورية مباشرة) لافراد من الجيش اللبناني، في رسالة دم سقط للجيش خلالها 23 شهيدا ومئات من الجرحى. وعلى الفور عمد الجيش الى محاصرة مخيم "نهر البارد" الذي يتحصن فيه ذلك التنظيم وقائده شاكر العبسي، مطالبا بتسليم العناصر المعتدية، ومهددا باقتحام المخيم في حال عدم التجاوب مع طلبه.
سارع حسن نصر الله في خطاب متلفز إلى الإعلان بأن "القول بالاقتحام خطير، وبكل وضوح وصراحة، ولمصلحة لبنان أقول: مخيَّم نهر البارد، والمدنيون، والفصائل الفلسطينية، جميعهم خط أحمر"، محمِّلاً من يتخذ قرار الدخول إلى المخيم مسؤولية قراره، ونافياً أن يكون كلامه دفاعا عن "فتح الإسلام". وقد أعطى خطاب نصر الله هذا، دفعاً معنوياً إضافياً إلى "فتح الإسلام"، فقد حاول من خلاله ضرب معنويات الجيش، وإثارة فتنة بين الفلسطينيين وسُنة لبنان. غير ان حكومة الاستقلال الثاني اتخذت قرارها الحازم لمواجهة تلك العصابة الإرهابية، التي لا تمتّ إلى الإسلام ولا إلى الفلسطينيين بصلة، فاندلعت حرب مخيم "نهر البارد" في الشمال اللبناني، التي دامت 100يوم ولم تنته الا بعد صفقة بين المخابرات السورية واللبنانية، لإخراج الضباط السوريين وبعض العسكر السوري الذي بقي يقاتل داخل المخيم مع عصابة العبسي، وذلك مقابل فك الحصار وإنهاء الحرب.
غير ان محاولة اشعال المخيمات الفلسطينية وتفجير القنابل الموقوتة المتحصنة داخلها، لم تنجح في عرقلة المحكمة الدولية، فقد صدر القرار 1757 في 30/5/2007، وأقر مجلس الأمن بموجبه إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي تحت الفصل السابع بغالبية عشرة أصوات مقابل امتناع خمسة، كان ابرزها قطر صاحبة الدور المشبوه والملتبس في المنطقة. وقد أطلقت الأسهم النارية فور إعلان إقرار المحكمة، وتوجَّه الكثيرون إلى ضريح الحريري رافعين الأعلام اللبنانية، كما أضيئت الشموع في الساحات وعلى جوانب الطرقات.
5- في 25/1/2008، تلقى المصرون على معرفة الحقيقة في قضية اغتيال رفيق الحريري رسالة دامية جديدة، مع اغتيال الرائد وسام عيد، الذي يُعتبر من أبرز الضباط الفاعلين في قوى الأمن الداخلي، وفي لجنة التحقيق الدولية المتعلقة بجريمة اغتيال الحريري وما تبعها من جرائم، وذلك نظراً لخبرته العالية في كشف الشبكات الإرهابية، من خلال تقفي التواصل الهاتفي فيما بين أفرادها، وهذا ما حصل فعلاً في كشفه مجرمي تفجير "عين علق" المنتمين لتنظيم "فتح الاسلام". وقد تبيّن من خلال بعض التحليلات، أن إحدى تلك الشبكات كانت مرتبطة بـ"حزب ولاية الفقيه"، فتم إخفاؤها في مكان لا تطاله يد العدالة اللبنانية، وممنوع على لجنة التحقيق الدولية أن تصل إليه بسهولة، وهو ما سرّع عملية التصفية خوفا من اكتشاف عيد خيطاً يدل على تورُّط الحزب في أي من الاغتيالات والتفجيرات السابقة.
6- ومع اجتياز التحقيق الدولي مراحل مهمة ومتقدمة في الكشف عن هوية الارهابيين الجناة، وبعدما فشلت جهود عرقلة المحكمة الدولية التي باتت امرا واقعا لا مجال لانكاره الا مكابرة بعد اقرارها في مجلس الامن، تم اغتيال عماد مغنية، القيادي الامني والعسكري والرجل الثاني في "حزب ولاية الفقيه" في 12/2/2008، بتفجير سيارته في قلب مجمع المقرات الاستخباراتية في دمشق، الذي يعد مربعاً أمنياً بكل ما للكلمة من معنى. ورُجِّح هنا ايضا أن يكون اغتيال مغنية قد أتى في سياق تصفية النظام السوري وربما الحزب نفسه، جميع المتورطين بجريمة اغتيال الحريري من السوريين وغير السوريين، بغية إخفائهم مع أسرارهم من قبضة العدالة الدولية، مع اقتراب التحقيق الدولي من خواتيمه وإنشاء المحكمة الدولية. وقد أعلن السوريون عن تحقيق سريع وشفاف في مقتل مغنية، إلا أنهم ما لبثوا أو طووا الملف دون إعطاء أي معلومة عن الجهة المسؤولة!!
ومع تلك الاحداث المعرقلة للتحقيق والمؤخرة لقيام المحكمة الدولية، والتي يكاد المريب معها يقول خذوني، ومع اقتراب اعلان مدعي عام المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قراره الاتهامي الظني، نشرت مجلة "دير شبيغل" الالمانية (والمعروفة بانتمائها سياسيا للخط الصهيوني) تحقيقاً في 23أيار 2009، ذكرت فيه "ان قوات خاصة تابعة لحزب الله خططت ونفذت الهجوم" الذي اودى بحياة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في14 شباط 2005. وافادت ان ما نشرته "يستند الى معلومات حصلت عليها من مصادر قريبة من المحكمة (الخاصة بلبنان)، وتم التحقق منها عبر الاطلاع على وثائق داخلية".
وعلى الفور تلقفت الجهات الاسرائيلية ذلك التقرير بأهمية كبيرة، فأعلن وزير الخارجية الاسرائيلي أفيجدور ليبرمان: "انه بناء على تقرير "ديرشبيغل" يجب اصدار مذكرة توقيف بحق نصر الله ، وانه يجب اعتقاله بالقوة اذا لم يسلمه لبنان".
اما حسن نصر الله، فكان المستفيد الاكبر من تحقيق المجلة الالمانية وتعليقات الاسرائيليين، فقد اعطته ذريعة قوية وكافية لرفض القرارالظني اذا ما صحت المعلومات المنطقية الواردة بتورطه وحزبه في الجريمة، واعتبار المحكمة اسرائيلية؛ فقد نعى المحكمة الدولية في 25/5/2009، معلناً أن " ما كتبته "دير شبيغل" وما عقّب عليه الصهاينة نعتبره اتهاماً اسرائيلياً باغتيال الحريري، وسنتعاطى معه على انه اتهام اسرائيلي". وبهذا تكون المجلة الالمانية والتعليقات الصهيونية قد انقذت "حزب ولاية الفقيه" من تداعيات احتمال تورطه بالعملية الارهابية التي غيرت تاريخ المنطقة وهزت العالم بأسره، واعطته ما يشبه صك براءة.
في آذار2010، بدأت تشاع في الاوساط السياسية والاعلامية، تسريبات تشير الى امكانية اتهام المحكمة الدولية أفرادا من الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وجرى الحديث عن استدعاء لجنة التحقيق الدولية اعضاء في الحزب للتحقيق معهم.
لم يستطع "حزب ولاية الفقيه" التكتم على الموضوع اكثر من ذلك، خصوصا مع اتجاه المحللين لتأكيد تقرير "دير شبيغل"، فقد رد الامين العام لـلحزب في 31/3/2010 على موجة "التسريبات والاتهام السياسي" لحزبه في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كاشفاً استدعاء 18 شخصاً محازبين او مقربين من الحزب الى التحقيق الدولي، ومحذراً من خطورة استمرار "المسار الجاري" في التحقيق، عبر تفنيد طويل لرؤيته الى لجنة التحقيق والمحكمة الخاصة بلبنان. وقرن استمرار تعاون الحزب مع التحقيق بشرط منع التسريب ومحاكمة المسربين، ونبّه الى خطورة "محاولة تشويه" صورة الحزب.
وإذ لفت الى حصول استدعاءات في السابق، قال نصر الله انه "لم تتم اثارة كل هذا الضوضاء حولها كما حصل في الاسابيع القليلة الماضية". وكشف ان من الذين استدعوا "مسؤولا ثقافيا وأخاً آخر يعمل في اطار جهادي".
وقد وضع امين عام الحزب الاتهامات بتورط حزبه في عملية اغتيال الحريري في خانة "استهداف المقاومة التي من الطبيعي ان تكون مستهدفة أكثر من أي وقت مضى". كما اعاد التذكير بالاتهامات الاسرائيلية المثارة في السنة الماضية، وبتقرير مجلة "دير شبيغل" المرتبطة بجهات صهيونية، في محاولة منه للطعن مسبقا بأي قرار اتهامي قد يطال حزبه.
وامعانا في التعمية على المحكمة الدولية والتشكيك بمهنيتها وصدقيتها، اعتبر نصر الله ان مكتب المدعي العام الدولي دانيال بلمار والمحكمة الخاصة "هما المسؤولان الاولان عن كل ما يكتب وما ينشر (...) وهناك سيناريو يبدو انه موضوع لدى لجنة التحقيق يريدون ان يسيروا فيه، وتاريخ اللجنة حافل بالتسريب(...)، والحد الادنى هو التشويه والضغط على حزب الله واحراجه، او لاحقا محاولة اقامة صفقة ما مع حزب الله ترتبط بالمقاومة وبسلاحها". وحذر من "أننا لن نسكت على اي اتهام سياسي او اعلامي يوجه الينا، لان هذا اساءة الينا وتشويه لصورتنا، وحتى الاتهام السياسي قد تترتب عليه آثار كبيرة جدا على المستوى السياسي والاجتماعي والحياتي، وعلى مستوى لبنان والمنطقة".
وختم حديثه عن المحكمة ملوّحا بمقاطعة لجنة التحقيق الدولية قائلا: "اننا نريد التعاون لمواجهة التضليل ووفاء للرئيس الشهيد رفيق الحريري، وانما على قاعدة اسقاط مسارات خاطئة في التحقيق (...) سنتعاون ولكن ليس في المطلق وسنرى المسار، واذا بقي التسريب مستمرا للتشويه والاستهداف فحق أن آخذ موقفا آخر". وفي تهديد مبطن بافتعال فتنة جديدة او 7 ايار جديد، خلص الى ان "الذين سيتهمون حزب الله سياسيا سيدفعون البلد حينئذ الى مكان صعب".
وهذه هي المرة الاولى التي يتناول فيها نصرالله ملف التحقيقات بهذا الاسهاب، اذ خصص لها اكثر من نصف المقابلة التلفزيونية التي اجرتها معه قناة "المنار" واستمرت نحو ساعتين ونصف ساعة.
لا شك ان الديباجة التي ركّبها الامين العام للحزب الايراني لدفع الاتهام القضائي والسياسي عن حزبه واجهد نفسه في عرضها على الاعلام، لم تنطل الا على شعبه؛ ويمكن دحض حججه وابطال مرافعته بالنقاط التالية:
1- ان المحكمة الدولية التي طعن بمهنيتها، مكونة من مجموعة كبيرة من القضاة والمحققين ينتمون الى اكثر من 30 دولة حول العالم تقريباً، وهم من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة في دولهم، وفي نهاية المطاف فإن أي قرار يصدر عن المحكمة سيكون ويجب ان يكون مبرراً ومعللاً، ومعززا بأدلة وشواهد لا سيبل الى دحضها، وبالتالي سيظهر ما إذا كان منطقياً أم لا، وإذا كان منطبقاً مع الوقائع أم لا.
2- وفيما يتعلق باقحام الحزب في القرار الاتهامي بغرض "تشويه صورة المقاومة"، فهو تعليل يثير الضحك لشدة ما يتضمنه هذا الكلام من استخفاف واستهزاء بالعقول، ذلك ان الشعب اللبناني تأكد منذ سنوات عدّة ان الذين بنوا قوّتهم العسكرية والشعبية التعبوية الضاربة تحت شعار "مقاومة اسرائيل"، كان هدفهم الحقيقي مقاومة الدولة اللبنانية لبناء دويلتهم المرتبطة بمشروع ولاية الفقيه الممتد من طهران الى لبنان على انقاضها، وكفى بالسابع من ايار 2008 الذي اعلنه حسن نصر الله "يوما مجيدا من ايام المقاومة في لبنان" شاهدا على ذلك.
3- واما ما زعمه نصر الله من وجود "سيناريو" لدى لجنة التحقيق يهدف "للضغط على حزب الله واحراجه، او لاحقا محاولة اقامة صفقة ما مع حزب الله ترتبط بالمقاومة وبسلاحها"، فهو ادعاء واه ومتهافت يفتقر الى المنطق؛ ذلك ان ازالة سلاح الحزب لا يحتاج من اميركا او اسرائيل الى اتهام توجهه اليه لجنة تحقيق دولية بغرض عقد صفقة معه او المساومة عليه، فالامر ابسط من ذلك بكثير، لان الشاحنات التي تنقل السلاح والصواريخ للحزب عبر سوريا وتوصله الى المخازن مرصودة بدقة ووضوح من قبل العدو الصهيوني، سواء عبر الاقمار الصناعية او الطائرات الاستطلاعية التجسسية او سواها من الوسائل التكنولوجية المتطورة، ولو اراد تدمير ترسانة الحزب الصاروخية لدمرها في مخازنها او في اماكن نشرها او حتى قبل تفريغها، وليس في تموز 2006 فحسب، بل قبله بأعوام عديدة، وبالتالي فإن ادعاء عجز اسرائيل عن مواجهة الحزب والقضاء على ترسانته واكتشاف اماكن قياداته عار عن الصحة وبعيد عن المنطق، اذ الامور كلها تحت السيطرة.
هذا، وقد لوحظ مؤخرا، ان الاوساط السياسية اللبنانية بدأت تفكّر جديا في كيفية التعامل مع اي قرار اتهامي قد يوجَّه الى "حزب ولاية الفقيه"، وفي هذا السياق يقول النائب المنتمي الى كتلة "لبنان اولا" و"تيار المستقبل" سمير الجسر، في حديث له بتارخ 15/4/2010 ردا على سؤال: "في حال اتجهت الشبهة في ارتكاب الجريمة نحو "حزب الله" كما يشاع فما الذي يحصل؟ يجب التمييز بين ان تتجه نحو "حزب الله" او نحو عناصر فيه لان الفرق كبير جدا، فعندما تتجه الشبهة نحو الحزب فهذا يعني ان هناك قرارا بالاغتيال وانا اشك في ذلك. اما اذا كانت متجهة نحو بعض العناصر فيمكن ذلك، لانه في كل التنظيمات هناك عناصر مخترقة".
بعد كل ذلك، من المؤكد ان الحزب قد ادرك تماما خطورة وضعه مع اقتراب اعلان القرار الاتهامي في جريمة العصر، وهو التفسير المنطقي للمرافعة التي ادلى بها حسن نصر الله من خلال قناة "المنار" على مدى ساعة ونصف الساعة، فالمحكمة الدولية التي سعى لعرقلة قيامها بشتى الوسائل السلمية منها والدموية امست حقيقة ناصعة وامرا واقعا، ولم يعد بامكانه الفرار منها الا بالعودة الى السؤال المطروح في عنوان هذا المقال: هل تكون الحرب طلقة الحزب الاخيرة للهروب من المحكمة؟!
قد يتسّرع البعض في الاجابة قائلا: ان افتعال "حرب" جديدة مع اسرائيل لن يكون بالنسبة الى الحزب سوى عملية هروب الى الامام، لان المحكمة حقيقة واقعة، وبالتالي عندما ينجلي غبار المعركة وتستتب الامور ويخرج احد الحزبيين من بين الركام معلنا "النصر الالهي"، ستعود العدالة الدولية لاتخاذ مجراها.
اجابة تبدو للوهلة الاولى واقعية ومنطقية، الا ان هؤلاء المتسرّعون غاب عنهم ان افتعال اي "حرب" جديدة سيضع البلاد تحت عدوان صهيوني غاشم، من المرجح أن يُسفر عن "حرب" ساحقة ماحقة، اشد دمارا من عدوان تموز عام 2006، لكون هذه الجولة الجديدة سوف تطال مقوّمات الدولة الأساسية ومؤسّساتها العسكرية والدستورية والقانونية، وبناها التحتية الرئيسية، على نحو ما توعّد به المجلس الوزاري لحكومة العدو، بعد صدور البيان الوزاري لـ"حكومة الدوحة الثانية" عام 2009، الذي نصّ على "حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أو استرجاع أراضيه..."، وحينها توعّدت اسرائيل باستهداف شامل لمقومات لبنان وتحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية أي اعتداء تتعرّض اليه يكون مصدره الأراضي اللبنانية. ومن شأن اي عدوان مهول يستهدف مقومات الدولة كهذا، ان يسبب للبنان انهياراً اقتصادياً ومالياً وامنيا لا خروج منه، بعدما تعرّضت بنيته التحتيّة والفوقيّة للدمار الشامل، ما سيفقد الدولة مقومات بقائها ويتيح لـ"حزب ولاية الفقيه" "المنتصر الدائم" والبديل المتأهب والجاهز الذي بات يختزل الدولة ويتفوّق عليها، فرصة الامساك رسميا بجميع مفاصلها، وبالتالي إدارة البلاد في صورة نهائية.
وعندئذ، فإن المتضررين من صدور القرار الاتهامي سيهربون من المحكمة وسيعطلون مفاعيلها، من خلال منع المحققين الدوليين من التحقيق مع اي مواطن لبناني شمله قرار الاتهام، مطالبين باحالته على التحقيق او المحاكمة امام القضاء اللبناني، وقد يطلبون ايضا من الحكومة (حكومتهم) رفض مثول المتهمين والشهود امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وكذلك سيعمدون الى وقف دفع حصة لبنان في تمويل المحكمة، وهي نسبة 49 في المئة من اصل 50 مليون دولار سنويا، علما انه قد تم حتى الآن تسديد حصته عن السنتين الاولى والثانية.
وبالتأكيد سيدعي الحزب بعد اسدال الستار على الفصل الجديد لمسرحية الحرب الاسرائيلية التي لعب فيها دور البطل المقدام، وبعد استعادته شيئا من الشعبية والتأييد في العالمين العربي والاسلامي، سيدعي انه استطاع بخوضه الحرب التي فرضت عليه و"انتصاره الالهي" فيها، تجنيب البلاد فتنة مذهبية سنية-شيعة بتوحيده اللبنانيين في مواجهة العدوان، معتبرا ان المدعي العام الدولي في المحكمة دانيال بلمار اراد بالتهمة الموجهة الى الحزب او بعض عناصره خدمة اسرائيل، ما كان سيستتبع حصول فتنة داخلية لا تبقي ولا تذر، لا يمكن لبنان تحمل تبعاتها لا الامنية ولا المذهبية ولا السياسية.
اما اسرائيل، فبالتأكيد لن تشارك في الحرب الا اذا تقاطعت مصالحها مع مصالح "حزب ولاية الفقيه" في اندلاعها، وستفيد منها للخروج او الهروب من ازمتها الداخلية حيث باتت السياسة مشدودة الى الاشخاص وليس الى المؤسسات، خصوصا مع صراع الديكة الدائر بين كل من رئيس الكيان الغاصب البروتوكولي شيمون بيريز، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع ايهودا باراك، لاثبات من هو زعيم اسرائيل الفعلي.
هذا، فضلا عن كون اسرائيل رافضة صيغة التعايش اللبناني وتسعى الى افشالها، لانها تمثل النموذج الحي والفريد الذي يكشف عنصرية الدولة العبرية، التي تعتبر ان لا قيام لدولة "يهودية" فيها ما لم تقم في المنطقة دويلات مذهبية او "فيديرالية طوائف"، تكون الدولة اليهودية العرقية هي الاقوى بين هذه الدول؛ ومن المعلوم ان لا قيام لمثل هذه الدولة في منطقة تقوم فيها انظمة ديموقراطية تحقق الوحدة الوطنية والعيش المشترك بين شعوبها على اختلاف ميولها ومذاهبها؛ لذا، قد يكون من يعمل على ضرب هذا النموذج اللبناني من افرقاء الداخل، يهدف عن قصد او عن غير قصد لخدمة اسرائيل.
اضف الى ذلك، ان اسرائيل خائفة من لبنان المستقر في صورة دائمة على سياحتها واقتصادها ودورها الاقليمي. وعلى سبيل المثال، قبل شهرين من حرب تموز 2006، تفوّق عدد الحاويات التي استقبلها مرفأ بيروت على تلك التي استقبلها مرفأ حيفا بما يقارب عشرة آلاف حاوية، وكان لبنان موعودا بموسم سياحي منقطع النظير وبنسبة نمو تفوق الـ6%. ومن شأن اي خطر داهم ولو وهميا او مصطنعا تتعرّض له اسرائيل، ان يدر عليها اموالا طائلة من الصهاينة والداعمين لهم في العالم، ويكفي استدلالا على ذلك الرجوع الى ما أعلنه بنك إسرائيل المركزي في 14/1/2007، فقد كشف أن حجم الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل سجل رقماً غير مسبوق بلغ 21.1 مليار دولار نهاية العام 2006 الذي شهد "حرب تموز"، مقارنة بـ 9.9 مليارات دولار في العام 2005، و7.2 مليار دولار عن العام 2004؛ أي بزيادة 11.2 مليار دولار عن العام 2005، و13.9 مليار دولار عن العام 2004، وهما عامان اتسما بالهدوء على "الجبهة" الشمالية!!
بعد ذلك، اذا تقاطعت مصالح الطرفين لخوض عمل مسرحي جديد، فتوقيت العرض المناسب للحزب سيكون على الارجح قبيل صدور القرار الاتهامي للمحكمة الدولية او بعد صدوره بوقت قليل على ابعد تقدير، على ان تكون شرارة "الحرب" او ذريعتها، عملية استعراضية يقوم بها الحزب "انتقاماً" لعماد مغنية خارج الاراضي اللبنانية، او قد يعمد ابعادا لتهمة تقديم الذريعة عن نفسه الى استدراج تنظيمات ذات طابع اسلامي او فلسطيني او غض الطرْف عنها، للاشتباك مع اسرائيل من خلال قيامها بعملية مباشرة ضدها من مناطق الحزب، او باطلاقها صواريخ ولكن موجعة هذه المرة بحيث تصيب اهدافها بشيء من الدقة، موقعة قتلى وجرحى في الجانب الاسرائيلي.
وعلى اثر هذا العمل الهجومي، تتهم اسرائيل "حزب ولاية الفقيه" بالوقوف وراء "الاعتداء" الذي طالها، لتبدأ فصول عمل مسرحي مشابه لما حصل عام 2006، يجبر فيه الشعب اللبناني على لعب دور "الكومبارس" لكن بشكل جدي، ما سيستتبع سقوط آلاف اللبنانيين بين قتيل وجريح، وتدمير قرى وبلدات بأسرها ومعها مرافق عامة، بسبب تمدد الحزب الى خارج الجنوب والبقاع الشمالي وصولا الى جبل لبنان وقلب بيروت، لكن الفارق هذه المرة، ان القصف سيتركز على مقومات الدولة اللبنانية ومؤسساتها، مع تحييد منطقة جنوب الليطاني حيث تتواجد قوات "اليونيفيل"، وتجنيب مناطق الشيعة وقراهم الدمار إلا ما ندر.
وكالعادة، لن تصاب اسرائيل بأذى يذكر، باستثناء التضحية ببعض الخسائر طمعا في الحصول على مكاسب كبرى، كما لن تهزم اسرائيل "حزب ولاية الفقيه" ولن تقضي على مقاتليه وقياداته وترسانته بالتأكيد، بل على العكس من ذلك، فإن الدمار والخسائر ستمكنه من "إدارة" البلاد في صورة نهائية. عندها سيعلن "الانتصار الالهي" الجديد، الذي سيلغي مفاعيل المحكمة الدولية، وقد يكون ذلك "النصر" باباً لتغيير النظام اللبناني بما يتناسب وحجم الحزب الجديد.
في الانتظار، وما لم يحدث تغيير في المنطقة يقلب الموازين ويخربط الحسابات ويعيد خلط الاوراق، سيبقى الواقع اللبناني محكوما بسقوف تمليها المصالحة السعودية-السورية، وتتحكم بوتيرتها وتتولى ادارتها قوى الامر الواقع التي استطاعت ابدال اتفاق الطائف عمليا باتفاق الدوحة المفروض عنوة بقوة السلاح غير الشرعي والممدد له قسرا بالسلاح الميليشيوي عينه، وستبقى الدولة اللبنانية اسيرة للمحور السوري-الايراني الذي عزز سطوته ونفوذه على البلاد بواسطة حلفائه بعدما اطاحوا بنتائج انتخابات 2009، وانتزعوا الثلث القاتل وان بشكل مموه في حكومة "الدوحة الثانية".
عبدو شامي
التعليقات (0)