هل تفرُّق الإسلاميين خيانة؟!
غضب مني أحد أحبابي حين قلت: (إن أدَّى عدم اجتماع الإسلاميين الآن إلى أن يحكم مصر غير إسلامي، فقد خانوا الله ورسوله والمؤمنين)، فرماني هذا الحبيب بتهمة (التكفير) والله وحده أعلم إني منها براء.
وما كان قصدي إلا أن هؤلاء الإسلاميين - بجمعهم وعددهم - إذا تفرقوا فرقا، وصاروا شيعا، ودعتهم أحزابهم التي ينتمون إليها، إلى رؤية مصلحة الحزب وتقديمها على مصلحة الإسلام، وأن يقدموا كون الرئيس منهم على كونه إسلاميا، إذا أدى هذا إلى نجاح من يحكم بالعلمانية المنكرة للدين، أو الديمقراطية المتحاكمة إلى الشعب، فقد خالفوا أمر الله، حين أمرهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:27].
والخيانة لا تعني دائما الكفر بالله، أو النفاق، كما فهم كلامي بعض من أحب. وإنما الخيانة – كما عند أهل اللغة- تدل على: معنى الإخلاف والخيبة بنقض ما كان يرجى ويؤمل من الخائن، أو نقص شيء منه ينافي حصوله وتحققه. ومنه: خانه سيفه، إذا نبا عن الضريبة. وخانته رجلاه إذا لم يَقدر على المشي، ونحو ذلك. ومن معنى النقص أو الانتقاص في المادة قوله تعالى: {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}[البقرة:187]، أي: تنقصونها بعض ما أحل لها من اللذات، ومثله التخون، ويفترقان في معنى الصفة.
وقال الراغب: (الخيانة والنفاق واحد، إلا أن الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتبارًا بالدين، ثم يتداخلان إلى آخر ما قاله، وهو يدخل في عموم ما قلناه، ولا يصح كونه حدًّا تامًّا).
فقولي أن تفرق الإسلاميين - الذي يؤدي إلى أن يحكم مصر علماني لا يحكم بالدين- خيانة؛ اعتبارا بالعهد والأمانة، التي عاهدوا الله عليها.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ} بتعطيل فرائضه أو تعدي حدوده، وانتهاك محارمه التي بينها لكم في كتابه {وَالرَّسُولَ} بالرغبة عن بيانه لكتاب الله تعالى إلى أهوائكم، أو آراء مشايخكم أو آبائكم، أو المخالفة عن أمره إلى أوامر أمرائكم، وترك سنته إلى سنة أوليائكم، بناء على زعمكم أنهم أعلم بمراد الله ورسوله منكم. {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} أي: ولا تخونوا أماناتكم فيما بينكم وبين أولياء أموركم من الشئون السياسية ولا سيما الحربية، وفيما بينكم بعضكم مع بعض من المعاملات المالية وغيرها حتى الاجتماعية والأدبية، فقد ورد في الحديث المجالس بالأمانة. ا.هـ
ولعل تجربة الإسلاميين في باكستان التي مرت منذ عقود، تعود لتحذرنا مما وقعوا فيه، فقد تنافست أحزاب إسلامية مع حزب الشعب العلماني، وجاءت نتيجة الانتخابات بفوز الحزب العلماني على الأحزاب الإسلامية، ولم يكن ذلك لخذلان الشعب للإسلاميين، لا، بل لأن الحزب العلماني جمع أتباعه في سلة واحدة، أما أصوات الإسلاميين فقد تفرقت بها السلال، وحصل الحزب العلماني على الرئاسة، وحدث أن حَكَم باكستان امرأة كأول سابقة لها في العالم الإسلامي.
وختاما: أقول للناخبين ولكل من يفضل ترشيح (غير إسلامي):
أولا: ألهذه الدرجة، لست على ثقة من أن الإسلام يمكن أن يُغير حال مصر إلى الأفضل، ويصلح شؤونها؟؟ إن الإسلاميين وحدهم هم الذين يقولون سنحكم الدنيا بشرع الله، فثقتك بشرع الله تجعلك تعطي صوتك لهم... وإلا..
ثانيا: أعلم أن للإسلاميين أخطاء، وهذا حق، فليس هناك إنسان معصوم، وقد انتهت العصمة بموت المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن: أليس خطأ الإسلاميين في تطبيق شيء من فروع الشريعة، أفضل من عدم وجود الشريعة نهائيا، ومن الاحتكام إلى أحكام غربية...
ثالثا: ألستم واثقين بعلمائنا الكرام، الذين لا يخلو منهم زمان، والذين ينفون عن الدين تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين؟!! أدعوكم للنظر في مواقف العلماء من المرشحين، هل يوجد منهم أحد وراء مرشح غير إسلامي؟؟
إخي العزيز:
اختر أقرب الإسلاميين إلى قلبك، واجتهد، واعلم أنها شهادة، واعلم أن الله سائلك عنها، قال تعالى: {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}، وقال تعالى: {ستكتب شهادتهم ويُسألون} فأعد للسؤال جوابا، وللجواب صوابا... هداني الله وإياك للصواب، وفتح لي وإياك للخير كل باب، ونسأله سبحانه أن يستخرج منا ما يرضى به عنا.
التعليقات (0)