( منشة الداي حسين سلطان الجزائر ).
هل تفتح فرنسا الجزائر ثانية ) ؟....)
يقال أن السبب الحقيقي وراء ( إستحمار ) فرنسا للدولة الجزائرية , وحسب المذكرات المتوفرة لدينا في الأرشيف , هو أن الداي , السلطان الجزائري, قام بضرب القنصل الفرنسي بــ ( المنشة , أو مذبة ) وهذه تستعمل لقتل الذباب , أو على الأقل, إبعاده عن الوجوه لما يسببه من إزعاج , مما يذهب معه الإتزان والهدوء , الأسباب كانت كثيرة لا يمكن حصرها , لأن الفرنسيين وقتذاك كانوا يفكرون جديا بالإستيلاء على الجزائر الدولة وما حولها , كخطوة إستباقية لما تفكر به الإمبراطورية البريطانية آنذاك , من بسط نفوذها على الشمال الأفريقي .
في عام 1830 جيشت فرنسا جرذانها وفئرانها لغزو الشواطئ الجزائرية, وبعدها تمكنت من التوغل الى الداخل , ثم بسط كامل نفوذها على كامل التراب الجزائري , لانريد هنا أن نعيد التأريخ بما حمل من مأساة عجيبة وغريبة جرت على الشعب الجزائري , حتى أن بعضها لايصدق , فضلا عن أن لاأحد يستطيع أن يوصف تلك المأساة , لابنوعها ولا بحجمها , ولا زمنها ولا مكانها , رغم كل أنواع التعتيم الذي مورس من أجل التغطية عليها , لكنها ظهرت وبانت من خلال بعض الأقلام الوطنية الشريفة , التي إستطاعت أن تؤرخ لتلك الحقبة المرعبة من تأريخ الجزائر الدولة .
فرنسا , حينما غزت الجزائر إتخذت قرارا , بأن يكون هذا الغزو هو مشروع حرب وإبادة , لكل ما يخالف فرنسا , إبتداءا من الدين الى التقاليد والأعراف , أي أن السياسة التي إتبعتها فرنسا بعد الغزو هي سياسة ( التفرنس , أو الفرنسة ) وهذا النوع من السياسة يؤدي الى إلغاء حضارة , والإستعاضة بحضارة أخرى تختلف كليا عن الأولى ) , وفعلت فرنسا أفاعيلها التي يندى له جبين الإنسانية , ويخجل منها حتى الديوث والعاهرة , فما بالك بالإنسان العادي والسوي ؟! لأن الظلم الذي مارسته فرنسا على الشعب الجزائري لايشبه أي ظلما آخر , وبعيدا عن التوصيف , إن ظلم فرنسا للجزائر هو أعتى وأشد واعنف وأقسى من الظلم الذي تعرض له كل الأنبياء , بل أكثر من ظلم المكيين للرسول محمد ( ص ) , وذلك لإختلاف الطرق والوسائل المستخدمة بين الحقبتين .
نتيجة , لهذا الظلم القاسي , إتجه الشعب الجزائري الى تشكيل جبهة قتالية من أجل تحرير الوطن من هذا الإستحمار , وكانت أدبياتها تقول ( من حق الشعب الذي وقع علية الظلم أن يعلن الجهاد أو الثورة على الظالم , وكما أن الظالم أعلنها حرب إبادة , فإننا نعلنها حرب تحرير ) , وكتب التأريخ قد حكت لنا عن تلك الصفحات البيض والناصعة, من التضحيات الجسام التي قدمها الرجال الأبطال في سوح الوغى , وميادين النزال التي تعفرت بتلك الدماء الزكية التي نزفت عليها , لتعبد الطريق الى التحرر من تلك القيود التي وضعت في المعاصم, من اجل تقييد حركتها .
حينما رأت بريطانيا , أن فرنسا قد تعرضت الى تلك الخسائر الكبيرة من جراء المقاومة , وأن لايمكن السكوت عليها , قررت أن تنصح الأخيرة , بأن تحرر نفسها من الجزائر , ؟! فعلا أنها مفارقة عجيبة , كيف تمكنت الجزائر من أن تفرض معادلة عسكرية جديدة , من خلالها وعلى أساس نتائجها من أن تجعل أعتى إمبراطورية حينذاك, ان تفكر بهذه الطريقة الإنهزامية ؟! نعم المعادلة الميدانية الجديدة فرضت واقعا , تغيرت معه كل الموازين في القوى , كما أن ( الإحتقلال ) الذي فرض على المغرب وليبيا وتونس سرع من التفكير بهذا الإتجاه .
اليوم وبعد أن تحررت الجزائر, من بعض القيود الإستحمارية لفرنسا , نشأ في الداخل الفرنسي ( لوبي جزائري ) ضاغط أخذ إتجاهين : الأول وهو المدعوم من اليمين الفرنسي الذي يدعو الى شراكة أبدية مع الجزائر , أي إحتلال من نوع جديد, يسمح للفرنسيين بالتمدد الى الداخل الأفريقي بعد أن خسرته , نتيجة لزيارة الإرهابي ( بيل كلنتون وعاعرته ) وسحب البساط من تحت فرنسا ,,,, من المؤكد أن هذا التمدد يأتي عبر بسط نفوذها على الجزائر أولا ,,,, وهذا الإتجاه ترجع أسبابه الى أن العلاقة الحميمة والمعطوفة على عمليات التزاوج الحاصلة بين عدد من الجزائريين والفرنسيات , والعكس صحيح أيضا والولادات الناتجة عن هذا التزاوج , مما جعل هذا اللوبي بنوعه الأول, يضغط على الداخل الجزائري من خلال العلاقات القبلية التي يرتبط بها , وحالات التعاطف التي تبديها هذه القبائل نحو ذويهم في الداخل الفرنسي , وهذا مما هيأ قاعدة لابأس بها تؤيد هذا الإتجاه , وهذا اللوبي ومن باب خطورته , فإنه يمتلك علاقات قوية بالمؤسسة العسكرية , وكما هو معروف أن هذه الأخيرة هي التي تقود البلاد , كما هو الحاصل في تركيا , وهذا تقليد أخذ من الدولة التركية إذ بان إحتلالها للجزائر , هذا الإتجاه يريد سلخ البلاد من هويتها الدينية أولا , ( وهنا تجدر الإشارة الى أن حملات التنصير هي على قدم وساق خصوصا في مناطق القبائل الكبرى والصغرى وهو واضح من خلال بناء الكنائس وتسهيل عمليات الهجرة الى فرنسا ) ومن تراثها الإسلامي والعروبي , وبالتالي العبور بها الى الضفة الأخرى , ومن أ وراق هذا اللوبي هو دعوة فرنسا الى إنضمام الجزائر الى الإتحاد المتوسطي, أو من أجل المتوسط فكلا الإسمين هما سيان ,
أما الإتجاه الثاني , فهو متأرجح مابين الحس الوطني والإنتماء للوطن , وما بين المعطيات الميدانية الحاصلة في العالم , فحينما يرى أن الجزائر قد وصلت الى حالة من الوضع السياسي الفاسد وغياب مشروع التنمية السياسية وممارسة الإرهاب السياسي ضد الأحزاب وتزوير الإنتخابات والرضوخ في الكثير من الأحيان للإملاءات الأجنبية مما أدى الى غياب القدرة على إتخاذ القرار الذي يتناسب مع سياسة الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي , والإنفلات الأمني المستحكم والمستفحل من خلال عمليات تخريبية وإرهابية طالت كل فئات الشعب , والإدارة الحكومية العاجزة عن وضع حلول عاجلة للتسيب والفساد الذي إستشرى في المؤسسات الحكومية , والوضع الإقتصادي وحالة التضخم وإنتشار البطالة وزيادة معدل الأمية , والغياب الواضح في عملية التطوير والتنمية للبنى التحتية للبلاد ,وعدم الإلتفات الى الخدمات اليومية التي ينبغي للدولة أن تقدمها للمواطن , وحالة الحرب الدائمة مع الجارة المغرب والتدخل في شوؤنه الداخلية من خلال الدعم المقدم للإنفصاليين في الصحراء , إبتعاد الجزائر عن حاضنتها الإسلامية , وعدم مشاركتها في بعض الفعاليات التي تتناسب وحجمها , وكذا الحال بالنسبة لوضعها العربي وعدم دخولها في بعض الأحلاف أو التجمعات وعدم إهتمامها أو إكتراثها بالمشاكل التي تعج بالأقطار العربية أو الإسلامية , والتي من خلالها يشعر المواطن الجزائري بإنتمائه الإسلامي والعربي في آن واحد , كل هذا أدى الى ضياع بوصلته وعدم معرفته بالإتجاه الذي ينبغي أن يسير .
هذا أيضا بإجماله , كان من الدوافع التي دفعت بالإتجاه الأول أن يضع بوصلته على هذا النحو , مستغلا كل ماسقناه من سلبيات وإسقاطها على مشروع الدولة التابعة , تطويع الوطنيين من أحزاب وأفراد الرافضين للمشروع الفرنسي, وبالتالي الضغط على الداخل من أجل الأستجابة السريعة, لمقتضيات هذا اللوبي في الداخل الفرنسي , وينتهي الأمر الى خروج فرنسا بفعل الضربات الموجعة من قبل الشعب الجزائري , ودخولها من أوسع الأبواب , موظفة بذلك بعض ممن تنكر لإسلامة وعروبته ووطنيته وحضارته , مستفيدتا من المتعاطفين في الداخل والمغلوبين على أمرهم , من اجل الحصول على عيش كريم , لكن بلا جدوى .
ندخل الى صلب بحثنا هذا , اليوم تطرح على الساحة الدولية الكثير من المشاكل التي تواجه العالم ,الطاقة النووية , ( الطاقة الحيوية ) النفط , الغذاء , الدواء , المياه , وكل دولة قدر تعلق الأمر بها تسعى جاهدة لعدم الوقوع في شراك أي منها , وتعمل على الوصول الى الحد الأدنى من التوفر على مفردات هذه القائمة المرعبة , والملاحظ أن موضوعة الطاقة النووية, هي الطاغية اليوم على الساحة الدولية , لما لها من أهمية لدخولها لاحقا, في جميع الحقول والبنى التحتية للعالم , لذا نرى أن الدول المالكة لهذه الطاقة, تسعى وبكل ما أو تيت من قوة, لمنع غيرها من الدول للحصول على هذه التكنلوجيا المتطورة , للإبقاء عليها في حاجة لها أولا , ولعدم إستقلال بناها التحتية من غير تدخل مباشر منها ,والسيطرة على رأس المال تاليا .
تنبهت بعض الدول التي تمتلك المؤهلات للخوض في غمار هذه التكنلوجيا , والحصول على طاقة قوية ودائمة من أجل إدخال التطور على برامجها الخدمية , مما يجلب السعادة والراحة لمواطنيها مستقبلا , وعلى سبيل المثال , هذه اليوم الجمهورية الإسلامية في إيران وهي تحلق عاليا وبدرجات سريعة من أجل إمتلاكها لهذه الطاقة , والذي من خلالها تعززت مكانتها الدولية , بعكس مايفكر به قصيري النظر , بل أن إيران اليوم لها وزنها وثقلها الدولي , رغم كل مايحاك ضدها من مؤامرات, من أجل كبح جماحها النووي , لكن دون جدوى , فهي ماضية الى الأمام, ولا أظن أن هناك في الأفق من يستطيع التأثير على قدرتها التي سوف تمتلك , ومن خلال سياستها المعلنة بخصوص نقل التكنولوجيا التي إمتلكت , الى اي بلد إسلامي يرغب بالحصول عليها , فقد أبدت إستعدادها لذلك وعلى مسمع من كل العالم .
حينما زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الجزائر , أعلن إستعداد بلاده من أن تضع ماوصلت إليه من التكنلوجيا النووية , في خدمة الجزائر والمباشرة ببناء مفاعل نووي سلمي , وبطريقة شبه مجانية , طبعا إضافة الى الكثير من الإتفاقيات التي عقدت بين الطرفين , لكن نحن بصدد المفاعل النووي , وكذلك تزويد الجزائر بالأسلحة الإيرانية المتطورة , بدءا من الطائرات الى آخر قطعة سلاح تحتاجها , لو أخذنا الإيجابيات في هذا العرض سنجد , أن إيران كبلد إسلامي لايمكن أن يدخل الغش في تعاملاته , ولا يتخذ من العلاقات كعذر للتدخل في الشأن الداخلي للدول , ونعتقد أنه ينظر الى أن كل تطور في أي بلد إسلامي هو قوة للمسلمين جميعا , هذا الذي حصل خلال الزيارة .
هنا هرعت أمريكا ودفعت بقارب فرنسا الى الساحل الجزائري من أجل , السيطرة على التمدد التكنلوجي الإيراني ,( والذي إعتبرته إيران هدية مفروضة عليها من قبل إخوتها في العقيدة) , ولكن , وتحريض بعض الفئات الطائفية داخل سلطة القرار في الجزائر لمنع أي تقارب جزائري إيراني بهذا الخصوص , وعرض البديل الفرنسي , لكن لانعلم هل هو بنفس درجة السخاء الإيراني أم لا ؟ , وجاءت زيارة رئيس الوزراء الفرنسي الى الجزائر , وصرح ماصرح به , من أكاذيب وفبركات فرنسية معروفة , الجزائريون يعرفونها جيدا , فهي لاتنطلي عليهم مطلقا .
وهنا من حقنا أن نسأل : لماذا لم تتأنى الحكومة الجزائرية في عقد مثل هكذا إتفاقات , وهي تعرف أنها ستكبلها بقيود تعيد العهد الإستحماري القديم , وهي أعطت من التضحيات ماعجز عنه غيرها من اجل طرد هذا المستحمر , وهي تعرف أيضا أن من يخرج من الباب ممكن أن يدخل من عدة أبواب , ونقول للجزائرين عموما :: أن الفرنسيين لا ولن ينسوا ( منشة الداي ,حســــين,أو السلطان الجزائري البطل ) والذي إعتبر القنصل الفرنسي ذبابة فنشه بتلك المنشة الشهيرة , فهل من المعقول أن أن تفتح فرنسا الجزائر ثانية ,؟! وهل من المقول أن ينسى المارد الجزائري منشة سلطانه التي أرعبت الظالم الفرنسي ؟! في الأفق نرى سهام الفرنسي تتجه الى صدورنا , ومن الممكن أن تعيدنا الى سالف الأيام , وحينها سنكون مطية أخرى تضاف الى حلبة المطايا التي تحمل أثقال الأمريكي والبريطاني والفرنسي وهلم جرا .....
علي المطيري
26 / 6 / 2008
التعليقات (0)