مواضيع اليوم

هل تطيح المكارم الملكية بحكومة الخصاونة

sulaiman wwww

2012-02-01 04:59:13

0

مقارنة بمن سبقوه في شغل موقع رئاسة الحكومة الاردنية من أبناء محافظة إربد ، إبتداءا من دولة المرحوم وصفي التل ومرورا بكل من دولة احمد عبيدات وعبد الرؤوف الروابدة ، قد يبدو رئيس الحكومة الحالي عون الخصاونة أقلهم مقدرة على التعامل مع متطلبات ذلك الموقع ، وخصوصا في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد ، ولا يتناقض ذلك مع حقيقة كونه قامة بارزة في مجال القضاء. ويعزز ذلك ما لوحظ في المرحلة الماضية من غياب لرئيس الحكومة وغالبية أعضاء الفريق الحكومي وخصوصا الناطق الرسمي ووزير الإعلام عن الكثير من القضايا الهامة التي تمر بها البلاد ، رغم بعض الإستثناءات.
أحد أهم الملفات التي قد تواجهها الحكومة الحالية في الأيام القليلة القادمة ، والتي من غير المرجح أن تنجح في التعامل معها بسهولة، قضية إعتصام المعلمين المقرر في بداية الفصل الدراسي الاسبوع القادم ،حيث يطالب المعلمون الحكومة بالالتزام برفع علاوة التعليم الى نسبة 100% كما صدرت الارادة الملكية بذلك سابقا.وقد لا يكون أمام الحكومة الا الاستجابة لمطالب المعلمين في حال نجاح الاعتصام.ومن غير المرجح أن يطلب رئيس الحكومة من الملك إصدار بيان يتضمن التراجع عن تلك المكرمة ، حيث لم يسبق أن صدر بيان من هذا النوع في السابق.
تبرز القضية السابقة العديد من الملاحظات المرتبطة بظاهرة المكارم الملكية ، التي قد تشكل تعديا على صلاحيات الحكومة وانتقاصا وتقليصا لولايتها . ويضاف الى ما سبق الارباك الذي قد تسببه تلك المكارم عندما لا يتم تخطيطها و التشاور حولها مع الوزارات أو المؤسسات الحكومية المعنية بتطبيق تلك المكارم بما تتضمنه من أعباء مالية وتشغيلية ، وتشكل المكرمة المتمثلة بإعفاء طلبة المرحلة الاساسية والثانوية من الرسوم المدرسية مثالا اخر على ذلك الارباك كانت قد واجهته وزارة التربية والتعليم و المدارس التابعة لها خلال العامين الماضيين .
ويقدم الخبر التالي الذي تناقلته وسائل الاعلام مؤخرا مثالا اخر على الارباك الذي قد تسببه المكارم الملكية ، وجاء الخبر تحت عنوان "بلدية الحسينية تهدد بوقف باص المكرمة الملكية " : وموجز الخبر إحتجاج العشرات من طلبة جامعة الحسين بن طلال وكلية معان الجامعية في بلدة الهاشمية (البادية الجنوبية) على إيقاف الباص الذي أهداه الملك العام الماضي لنقلهم مجانا . المكرمة الملكية تضمنت إهداء الباص ، أما عملية تشغيله وتتضمن تكاليف الصيانة والوقود والسائق ، فقد تم إلقائها على عاتق بلدية الحسينية ، والتي يشير رئيسها المهندس جمال أبو درويش الى أن تلك التكلفة تبلغ 1200 دينار شهريا مما يحمل البلدية نفقات إضافية في ظل عجز موازنتها المالية ، الأمر الذي دفع المجلس البلدي الى فرض مبلغ 10 دنانير شهريا (250 فلس يوميا) على كل طالب لتغطية تكاليف تشغيل الباص .
ليس من المنطقي وصف عملية نقل هؤلاء الطلاب بأنها مكرمة ملكية ، بينما سيتحمل هؤلاء الطلاب تكاليف تشغيل الباص . وحتى في حالة إستمرار البلدية بتغطية تلك التكاليف ، فتلك المكرمة لا يمكن وصفها الا بأنها مكرمة شعبية إذ يتحمل خزينتها المواطنون الذين يسهمون بتمويل صندوق البلدية عبر رسوم التراخيص والضرائب والمخالفات وسواها من مصادر دخل و إيرادات البلدية.
وأخيرا ، فإن من أهم المآخذ التي ترتبط بظاهرة المكارم الملكية أنها قد تمثل طريقة غير مقبولة لتقديم الحقوق للمواطنين ،حيث يقف المواطن موقف المتسول للحصول عليها ، ويفسر ذلك رفض تلك الظاهرة من قبل العديد من الحراكات الشعبية المطالبة بالإصلاح ، والتي رفعت شعار " لا للمكارم الملكية" وردد ناشطوها هتافهم المألوف "مش مكارم هاي حقوق".
قضية المكارم الملكية ، والتي قد تكون من أسباب الإطاحة بحكومة الخصاونة ،ترتبط بأسئلة حول طبيعة النظام السياسي في الاردن .فبينما يصف الدستور الاردني النظام السياسي في الاردن بأنه ملكية برلمانية ، فإن نصوص كافة المواد الدستورية الأخرى وواقع الحال تشير إلى أن النظام السياسي في الاردن ينطبق عليه بالاساس وصف الملكية المطلقة. ولا يتعارض ذلك مع ممارسة حكومات الملك لبعض الصلاحيات الجزئية التي يقوم الملك بتفويضها لتلك الحكومات ، مما يوجد بعض أوجه التشابه بين النظام السياسي في الاردن و الأنظمة السياسية المختلطة ، كالنظام الفرنسي ، حيث يملك كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة صلاحيات محددة غير متعارضة ، مع وجود إختلافات أساسية ترتبط بكون الملك هو من يعين رئيس الحكومة ، الذي تكون صلاحياته مرنة ومطاطية ، وتعتمد على تفويض الملك ، بالإضافة الى كون الملك ، على النقيض من رأس الدولة في الأنظمة المختلطة ، غير خاضع للمسائلة والمحاسبة ، بما يناقض مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية.
يمكن تفسير ظاهرة المكارم الملكية بالاشارة الى طبيعة النظام السياسي الفريد في الاردن . ويمكن الإشارة الى العديد من الأدلة الأخرى التي تدعم التوصيف المشار إليه أعلاه للنظام السياسي في الاردن. أحد تلك الأدلة ما أشار إليه بسام البدارين و الأستاذ سميح المعايطة ، رئيس تحرير صحيفة العرب اليوم ، في مقاله أمس حول ملاحظة غياب أعضاء الفريق الحكومي و رئيس الحكومة عن اللقاء الذي تم بين الملك ووفد حماس المرافق لولي العهد القطري أثناء زيارتهم للمملكة ، رغم أن تلك الزيارة كانت ذات أهمية كبيرة وتحظى بإهتمام كبير من قبل الرأي العام ، بحيث يبدو أن الحكومة لا تملك من المعلومات حول تلك الزيارة أكثر مما يعلمه المواطن الذي تابع الأخبار والتحليلات حول زيارة وفد حماس عبر وسائل الإعلام.
غياب الحكومة ، أو تغييبها ، لاحظناه سابقا في زيارة الملك والوفد المرافق له الى الولايات المتحدة ، فرغم وجود رئيس الحكومة ضمن الوفد المرافق للملك ، إلا انه كان غائبا عن اللقاءات الهامة التي تم عقدها على هامش تلك الزيارة ، رغم أهميتها وخصوصا أنها قد جاءت في مرحلة تكرر فيها الحديث عن ضغوطات قد تمارسها الإدارة الامريكية على الاردن ومن أهمها تلك التي تتمحور حول موضوع الوطن البديل كما تشير العديد من القراءات والتحليلات .
كما لوحظ أيضا غياب أي من ممثلي الحكومة عن إفتتاح مبنى دائرة خدمة الجمهور في الديوان الملكي أمس ، كما أوردت الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام ، وهي المصدر الذي تتساوى الحكومة والمواطن في متابعة الأخبار حول الحدث من خلاله. وقد تكونت الدائرة من خمسة أقسام ، تشكل إختصاصات كل منها تجاوزا لصلاحيات الحكومة وولايتها ، رغم أن الحكومة هي الجهة التي ستتحمل أعباء ومتطلبات تنفيذ المكارم الملكية التي ستقوم الدائرة بتقديمها. فالقسم الاول مخصص للاعفاءات الطبية والقسم الثاني مخصص للدراسات الاجتماعية والثالث للمساعدات المالية والرابع للطلبات المتفرقة (؟؟!!) والخامس للمتقاعدين العسكريين . ومن الجدير بالذكر هنا أن مكتب متابعة المتقاعدين العسكريين ستتبع له مكاتب فرعية في كافة محافظات المملكة ، كما لو كان المكتب وزارة تتبع لها مجموعة من المديريات في المحافظات .
تشير الملاحظات السابقة الى وجود العديد من الجوانب التي ترتبط بطبيعة النظام السياسي التي يتوجب التركيز عليها وإصلاحها لتحقيق الإصلاح المنشود في الاردن ، وقد أشرنا في مقال سابق الى أحد المقترحات في هذا السياق ، وقد تمثل ذلك المقترح بإستحداث وزارة تشرف على عمل الديوان الملكي ، وإصدار قانون يحدد اليات ومجالات عمل مؤسسة الديوان ، الذي يعد أقدم المؤسسات المستقلة في الاردن ، وقد شكل نموذجا تم إستنساخه في إنشاء العديد من المؤسسات المستقلة خلال السنوات الماضية.
وأخيرا ، نشير الى حق المعلمين بالمطالبة بالتزام الحكومة بتنفيذ المكرمة الملكية طالما لم يصدر بيان بالتراجع عن تلك المكرمة ، وضرورة إقرار الحكومة بحدود ولايتها وصلاحياتها ، مع الإقرار بضرورة تحقيق الإصلاحات المطلوبة لتجاوز ذلك الواقع ، ونختم بالقول " الله يكون بالعون ياعون ".

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !