ماذا يحدث في ترکيا؟ يسميه البعض تحولا جذريا و يفسره آخرون على أنه يمهد لتغيير نوعي قد يمهد لمرحلة او عهد جديد في ترکيا، لکن، وفي کل الاحوال هنالك ثمة أمر غير عادي يجري في ترکيا، أمر يثير اهتمام و إعجاب کلا العالمين الغربي و الاسلامي(العربي منه بشکل خاص).
المرکب الترکي، ومنذ ان أصبح حزب العدالة و التنمية بزعامة السيد رجب طيب اردوغان، قبطانا له، يشهد حالة لم نألفها او نشهدها من قبل، إذ تشهد ترکيا تحولات على مختلف الاصعدة، تحولات معظمها ذات طابع إيجابي کما تشهد بذلك مختلف الاوساط السياسية و الاعلامية في المنطقة و العالم، بحيث يصر الکثير من المراقبين و المحللين السياسيين على أن ترکيا على بوابة مفترق تأريخي قد يمنحها دورا اقليميا و عالميا أکبر و اوسع و اشمل من الدور الحالي بکثير.
التجربة الترکية، منذ سقوط الخلافة العثمانية و ولادة الجمهورية الترکية وحتى فترة وجيزة من صعود حزب العدالة و التنمية لسدة الحکم، لم تشهد استقرارا حقيقيا بالمعنى الحرفي للکلمة، لکن من دون ان يٶدي ذلك الى تهديد او زعزعة النظام الجمهوري الجديد، و أثناء ذلك، کان هنالك نوع من الرکود او مايمکن تسميته بحالة من المراوحة في نفس المکان بالنسبة للوضع السياسي الترکي بشکل عام. الرکود او المراوحة في نفس المکان، إرتبط بجوهر النظام الجمهوري و مضمونه الاساسي الثابت و غير القابل للتغيير، ومن هنا، فإن أي حزب او زعيم سياسي کان يصل للحکم، لم يکن أمامه أي خيار او طريق سوى إجترار التراث الاتاتورکي و تمجيده و التسبيح بحمده.
الحالة الاردوغانية، قياسا الى معظم الحالات التي سبقتها، حالة فريدة و استثنائية ليس لها من مثيل في التأريخ الترکي المعاصر على وجه الاطلاق، وغرابتها او لنقل مايلفت النظر و الانتباه إليها بقوة، هي انها تحدث في مرحلة تأريخية حساسة و خطيرة على الصعيدين الاقليمي و العالمي، وعلى الرغم من انها تبادر بين الفترة و الاخرى الى تقديم ثمة سيناريوهات سياسية محکمة و مسبوکة باسلوب غير عادي( کتصريح اردوغان بالنسبة لاحداث غزة و إدانته الضمنية لإسرائيل، او کما حدث بالنسبة للسفير الترکي في إسرائيل من إهانة او الازمة التي حصلت مع اسطول الحرية او إلغاء مناورات عسکرية معينة مع إسرائيل)، بحيث تلفت أنظار العالمين الاسلامي و العربي إليها و توحي لها بالکثير من الاحتمالات و التفسيرات و التوقعات، لکن الاغرب من ذلك، ان هذه السيناريوهات وعلى الرغم من قوة صدماتها، بيد انها لا و لم تٶثر لحد الان على مستوى العلاقات الترکية ـ الاسرائيلية في خطها العام مثلما ان الخط العام للعلاقات الترکية ـ الامريکية قد حافظ على توازنه ولم تٶثر عليه کل لك الزوبعات الاردوغانية في فناجين السيناريوهات.
ان الاوضاع الدولية الحالية و المفترق الخطير الذي يمر به العالم، يستدعي إحداث شئ من التغييرات و التحولات الغريبة و الاستثنائية التي بإمکانها جذب أکبر عدد ممکن من المأخوذين و المنبهرين بها، وهو امر نراه يتجسد بصورة دقيقة جدا في الحالة الترکية من دون ان تنال تلك التغييرات من واقع و جوهر العلاقات الحميمة الترکية الاسرائيلية او الترکية الامريکية.
يروي الروس حکاية ذات عبرة، تلك الحکاية تقول؛ ابان الحرب العالمية الثانية، مر يهودي بمزارع في موسکو، وطلب منه ان يشغله عنده، فوافق المزارع و أعطاه معوله و أشار اليه ان يحرث الارض، و ابتعد المزارع الى مسافة ما و من هناك أخذ يراقب اليهودي ليرى کيف يعمل، لکن اليهودي بقي محدقا بالارض و مستغرقا في تفکير عميق، وبقي على هذه الحالة فترة أخذت تطول و تطول، حتى أثار غيظ المزارع الذي إندفع إليه و هو يسأله: ماذا تفعل؟ ألاتعمل؟ أجاب اليهودي بهدوء بالغ: نعم أريد أن أعمل، لکنني أفکر بطريقة ما للعمل! فصاح به المزارع: طريقة أية طريقة؟ الطريقة الوحيدة هو أن تضرب بمعولك الارض بقوة!
فأجابه اليهودي برزانة: لا ليست هذه الطريقة المثالية، وانما الطريقة المثالية ان نخترع ثمة آلة تقوم حرث الارض ذهابا و ايابا. فصرخ به المزارع: هذا مستحيل، انت تحلم بأمر لن يحدث على الاطلاق، هل رأيت أرضا تحرث من تلقاء نفسها؟
فبادره اليهودي متهکما: وهل رأيت يهوديا يحرث الارض بمعول؟
السٶال الذي يطرع نفسه هو: هل بالامکان رٶية ترکيا خارج الارث الاتاتورکي؟ الاجابة الوحيدة القاطعة هي: کلا لأن من هد الصرح العثماني، هو ذاته الذي أنشأ الصرح الاتاتورکي وان الخيار المفضل لترکيا حاليا و في المستقبل المنظور هو الاتاتورکية.
التعليقات (0)