قبل الاجابة على السؤال الوارد في العنوان , اطرح المزيد من الاسئله , ألم تحقق ايران حلمها الامبراطوري بضم اقليم الاحواز العربية اليها بتواطؤ مع بريطانيا العظمى عام 1925 ؟ , ألم تكمل ايران حلمها الامبراطوري ايضا بضم الجزر العربية الثلاث ( طنب الصغرى وطنب الكبرى وابوموسى ) في الخليج العربي بتواطؤ مع بريطانيا ايضا عام 1971 , في ذاك العام الذي انسحبت فيه من دول الخليج العربي ؟ , وهو الموقف ذاته فعلته بريطانيا عام 1948 عندما انسحبت من فلسطين دون اشعار الامم المتحدة , كونها دولة منتدبة , وفي الساعة ذاتها انزل العلم البريطاني ورفع العلم الصهيوني .
ان لبريطانيا دورا خبيثا ازاء فلسطين وازاء كل قضايا العرب بعامة , بريطانيا هي التي صاغت اتفاقية ( سايكس ـ بيكو ) 1916 مع فرنسا , وخدعت العرب والشريف حسين بن علي , ناقضة كل الوعود والتعهدات التي قطعتها للعرب بانشاء دولة عربية مستقلة , وهي التي احتلت فلسطين والاردن والعراق بموجب الاتفاقية الانف ذكرها , وهي التي رسمت حدود الاقطار العربية بحيث اوجدت مشكلة لكل قطر مع جاره , وصلت علاقاتهما في بعض الاحيان الى حد الاحتراب المسلح . وسبق لبريطانيا ان قررت الوقوف بشدة ضد اي توجه العرب نحو تحقيق الوحدة او النهضة , ففي عام 1905 تشكلت لجنة كبيرة لدراسة وضع المستعمرات البريطانية في العالم ومنها في المنطقة العربية , وقد خلصت اللجنة التي باتت تعرف باسم لجنة ( بالمرستون) الى توصيات في غاية الخطورة منها : " على بريطانيا ان لا تسمح لافكار شيطانية في منطقة الشرق الاوسط كالتي راودت محمد علي باشا " والمقصود بها افكار الوحدة والنهضة , وعلى بريطانيا ان تعمل على زرع حاجز بشري وجغرافي بين المشرق والمغرب العربي , وهذا الحاجز هو زرع الكيان الصهيوني .الخلاصة ان بريطانيا وقفت منذ زمن بعيد ضد فكرة الوحدة العربية وضد النهضة العربية , وصار هذا هو هدف الصهاينة والادارة الامريكية من بعد .
بريطانيا والغرب بعامة والكيان الصهيوني يقفون ضد فكرة الوحدة العربية سياسيا وفكريا واعلاميا , بمعنى اخر هم ضد الهوية العربية , ومن اجل تحقيق هذا الهدف كان امام هذه القوى العمل على تفتيت الوطن العربي ابتدأ باتفاقية ( سايكس ـ بيكو ) وصار الوطن 22 قطرا , وصارت الامة التي تربطها قواسم مشتركة عديدة لا تتوفر لدى اي شعب او امة في العالم شعوبا وقبائل .ولم يكتف الغرب وعلى رأسهم الادارات الامريكية بهذا التقسيم , بل عمدوا الى مزيد من التفتيت والتقسيم , وهذه المرة على اسس دينية وعرقية وطائفية .
بدأت ادارة بوش مخطط التقسيم والتفتيت بغزو العراق لدواعي باطلة كما بينت الاحداث فيما بعد , ومن الحجج التي اوردتها ادرارة بوش اليمينية , ان من اهداف الغزو هو اقامة الديمقراطية في العراق , بحيث يصبح نموذجا في المنطقة , وقد سبق الغزو طروحات من الادارة الامريكية تنادي بالاصلاح الاقتصادي والسياسي , وكلها دعوات لها اهدافها في العقل الامريكي والغربي بعامة , ومنها جعل الديمقراطية وسيلة لتفكيك المجتمعات العربية تمهيدا لمحو الهوية العربية التي لاتكتمل الا بالوحدة , لان عالم اليوم لا يعيش فيه الا القوى الكبرى التي يزيد عدد سكانها عن 300 مليون نسمه , وعليه كان تكتل الدول الاوروبية في اطار الاتحاد الاوروبي .
ان الهدف المركزي للقوى المعادية للامة العربية والساعية لمحو الهوية العربية , هو اضعاف الامة تمهيدا لاخضاعها والسيطرة على موارد الوطن العربي الوفيرة , فالوطن فيه اكبر احتياطي من النفط الذي تحتاجه الصناعة الغربية والحياة الغربية العامة , وفيه الانهار العظيمة والارض الخصبة والمعادن النفيسة وفيه المقدسات الدينية لكل الاديان . وعلى هذا الاساس فليس من مصلحة الغرب ان تتوحد الامة العربية ولا الاقطار العربية , ويمنع عليها حتى التضامن الهش .
الحراك الشعبي العربي :
لقد فرحنا للحراك الشعبي في الاقطار العربية , لانه حراك انتفض لكرامة الانسان العربي الذي أهين لزمن طويل من قبل الحكام المستبدين , وانتصر الحراك لانسانية الانسان المهانة . وقد حققت الانتفاضات العربية الهدف الاول باسقاط رموز الظلم والتسلط ,وقد دخلت القوى المعادية ـ لامال الامة في التحرر والكرامة والعيش الكريم ـ على الخط واندست في الحراك الشعبي بهدف حرفه عن مساره الاصيل ,وتحت شعار الانتخابات البرلمانية فازت الاحزاب السياسية الدينية او المغطاة بغطاء الدين في هذه الانتخابات , وبرزت ظاهرة ما يسمى بالاسلام السياسي السلفي المتشدد , الاقرب للارهاب منه للاصلاح . واخذت ظاهرة الارهاب الفكري تبرز للعيان في تونس وفي مصر واليمن , ومثل هذه الظاهرة سوف تجر البلاد والعباد الى الصدام مع القوى اليمينية في بلدان الغرب التي تضمر العداء السافر للاسلام وللعرب بخاصة , وهناك ميل ينمو بسرعة في بلدان الغرب نحو اليمين المتطرف , ينادي بطرد العرب والمسلمين من تلك البلدان . وبهذا يتحقق ما دعى اليه هنتنكتون ( صدام الحضارات ) وهو في الحقيقة " صراع الاديان " اي صراع بين الاسلام والمسيحين , اي عودة الى الحرب الصليبية التي غذاها بوش الابن من قبل .
امريكا والقوى الاقليمية :
رغم صعود الدول الكبرى مثل روسيا والصين والهند والبرازيل , الا ان الولايات المتحدة ما زالت هي القوة العظمى في العالم وتريد ان تحافظ على دورها القيادي في العالم , وتحافظ على مصالحها في البلدان العربية ولاسيما في ظل الازمة الاقتصادية الكبيرة التي اصابت الاقتصاد الامريكي في مقتل , وعليه فمصلحة الولايات المتحدة تقتضي التحالف او التعاون حتى مع الدول التي تتقاطع معها في التوجهات السياسية , ومن هنا فمن مصلحة الادارة الامريكية المحافظة على صداقتها مع تركيا الحليف القديم , وتسمح لها ان تأخذ دورا اقليميا فاعلا بحيث لايمس بمصالحها في المنطقة , ولا يؤثر على امن الكيان الصهيوني ايضا . ومن مصلحتها ان تتعاون مع ايران رغم كل الخلافات الظاهرة للعيان .
ان استعراض تعامل الادارة الامريكية مع ايران في الشأن العراقي يؤكد هذه النظرية القائمة على تغليب المصالح على المبادئ . فالظاهر امام الرأي العام ان الحرب بين البلدين باتت قريبة وعلى الابواب , ولكن التفاهم الذي حصل بين الطرفين بالشأن العراقي يؤشر عكس الاعتقاد السائد بان الحرب باتت وشيكة , وقد كتبت منذ اكثر من سنة في جريدة ( العرب اليوم ) الاردنية مقالة عنوانها " أعطونا النفط وخذوا العراق " , وهذا ما حصل . البعض قال ان انسحاب القوات الامريكية من العراق هو استعداد للحرب ضد ايران , حتى لا تكون القوات الامريكية تحت مرمى الصواريخ الايرانية . ولكن المصالح جمعت بين الطرفين , فالولايات المتحدة يهمها الامن الصهيوني اولا , والكيان الصهيوني من مهماته تفتيت الامة العربية ليسهل السيطرة عليها , ومن مصلحة ايران التوسع الامبراطوري على حساب العرب , تعويضا عما فاتها من الزمن الذي كان العرب السبب في ايقافه منذ 1400 سنه . المصالح متلاقية بين هذه الاطراف , الكيان الصهيوني يريد التفتيت واخفاء الهوية العربية , وايران " ولاية الفقيه " تريد ايضا اخفاء الهوية العربية , والولايات المتحدة تريد مصالحها الاقتصادية , تريد ان يبقى النفط متدفقا اليها , وان تضمن امن الكيان الصهيوني , ومقابل تحقيق الطموحات الامبراطورية فان جمهورية ولاية الفقيه مستعدة لتؤمن لامريكا مطالبها مقابل هذا الثمن الغالي الثمن , وكله على حساب العرب .
خرجت القوات الامريكية المحتلة من العراق بفعل المقاومة العراقية التي اوقعت فيها خسائر كبيرة في الارواح والمعدات , وسلمت العراق الى ايران , من خلال اعوانها المشتركين معها في المذهب والطائفة , فماذا فعلت في العراق : هجرت من خلال المليشيات المسلحة المؤتمرة بأمرة فيلق القدس ـ الذي يرأسه قاسم سلماني , المخصص للارهاب والتدخل في شؤون الدول والتعاون مع الاحزاب الطائفية والمرتزقة فيها ـ ,هجرت اكثر من اربعة ملاين عراقي خارج العراق , وهجرت مئات الالاف منهم خارج محافظاتهم , واحلت محلهم ثلاثة ملايين ايراني وكردي وبلوشي ومنحتهم الجنسية العراقية , قتلت اكثر من نصف مليون من العراقيين بدعوى انهم من اتباع النظام السابق , وسيطرت على التجارة الداخلية واحتكرت الاسواق العراقية للبضائع الايرانية , ولم تكتفي بذلك بل عمدت الى تهريب العملة الصعبة من العراق الى ايران , اي شراء الدولار بالعملة العراقية الورقية الهابطة القيمة .
ان هذه الاعمال تعني ان نظام الملالي يريد تفريس العراق ويجعل العرب فيه اقلية من الاقليات التي تعيش في هذا البلد , ولذلك فان رموز النظام الايراني يطرحون من الان فكرة الوحدة بين ايران والعراق , تمهيدا لتشكيل الهلال الشيعي الذي تكلموا عنه من قبل , حيث يشمل الكويت والمنطقة الشرقية من السعودية والبحرين .
البحرين المنفذ الاول :
يمكن القول ان البحرين تعد بالنسبة لايران الارض الرخوة امام دول الخليج العربي , ولاسيما ان عددا كبيرا من ذوي الاصول الايرانية نالت الجنسية البحرينية من قبل , وهؤلاء بتوجيه من فيلق القدس يعدون قنابل موقوتة في البحرين , وهذا ما ظهر اثناء المظاهرات المعارضة للنظام , اذ رفعوا شعارات اسقاط النظام واقامة نظام جمهوري على غرار نظام الملالي في ايران , كما طرحوا الوحدة مع ايران . هذه الشعارات ليست بعيدة عن التنفيذ في ظل الديمقراطية التي لا تعني سوى الانتخابات البرلمانية , فاي تعديل في النظام الانتخابي سوف يوصل اتباع ايران الى البرلمان , ومن البرلمان يعلنون الوحد مع ايران واسقاط النظام .
قد يقول قائل اين الولايات المتحدة واسطولها الخامس ؟ , من اجل الهدف الامبراطوري قد لاتمانع ايران ببقاء الاسطول في البحرين ,ولا تمانع الادارة الامريكية على ان تحتل ايران البحرين , بهدف تفتيت اللحمة العربية واضاعة الهوية العربية واذابتها في نسيج غريب , وفي ظل الديمقراطية تتطاحن القوميات وفق نزعات طائفية ومطامع انية . هذا الهدف يرضي الكيان الصهيوني ويحقق اماني وطموحات ايران في استعادة الامبراطورية الفارسية التي افل نجمها منذ 1400 سنه .
كيف يتعامل الوطنيون البحرانيون مع هذه الحالة التي تهدد الهوية العربية للبحرين ؟ , هل يتنازلون عن مطالبهم في الاصلاح والنهضة والديمقراطية ؟ , بالطبع الجواب ( لا ) , ولكن اللا تعني ان تعي القوى الوطنية والقومية حصرا ملامح هذا المخطط الايراني الرامي الى تفتيت وحدة البحرين , بل الحاقه بايران . اي جعل النضال نضالا ايجابيا على طريق الحفاظ على وحدة البحرين , والحفاظ على الهوية العربية لاهل البحرين من الشيعة والسنة , واحباط مخطط اعوان نظام الملالي المهدد لعروبة البحرين , والهوية الوطنية لاهله . من هنا فالنضال من اجل الهوية يسبق النضال من اجل الديمقراطية ليس لعدم اهمية الديمقراطية ، فهي اساسية ، بل لان فقدان الهوية القومية او اضعافها لن يوصل الى الديمقراطية بل الخضوع الى نظام الملالي في طهران الذي يفتقد الى الديمقراطية الحقيقة , ويحكم حكما ديكتاتوريا باسم الدين وباسم الله وفق نظام " ولاية الفقيه " .
التعليقات (0)