مواضيع اليوم

هل تجوز المقارنة؟

محمد مغوتي

2011-08-12 00:10:48

0

    عاشت لندن وغيرها من المدن الإنجليزية خلال الأيام الأخيرة أوقاتا عصيبة لم يعرف لها الإنجليز مثيلا في العقود الماضية. فقد حول مجموعة من المراهقين المشاغبين شوارع المدن الكبرى إلى ما يشبه ساحة حرب حقيقية استبيحت فيها الممتلكات العامة و الخاصة التي تعرضت للنهب و السلب. و جندت الحكومة الآلاف من قوى الأمن من أجل التصدي لهذا الحراك الذي افتقد معه المواطنون الشعور بالأمن و الأمان. غير أن التعاطي الأمني مع موجة الشغب الخطيرة هذه، يؤكد أن الدول الغربية التي تدافع عن الحرية و الديموقراطية و حقوق الإنسان لا تكتفي بالقول فحسب، بل تترجم ذلك إلى أفعال.
    لقد ظل السؤال الذي يراودني في كل مرة أتابع فيها مستجدات هذا " الحراك المشاغب" هو: ماذا لو حدث هذا في بلد عربي؟. ربما لا تستقيم المقارنة في هذا المقام، وذلك استنادا إلى ( لا مقارنة مع وجود الفارق)، لكن دواعي طرح هذا السؤال تفرض نفسها مع ذلك، خصوصا و أن عددا من البلدان العربية تعرف حراكا شعبيا من نوع آخر. و بالرغم من المطالب المشروعة التي يحملها الغاضبون في شوارع الربيع العربي، و بالرغم من سلمية الثورات، فإن لغة الرصاص كانت باستمرار لسان حال النظام الرسمي العربي في مواجهة هذا الحراك. و ما يجري في سوريا منذ عدة أشهر يختزل إلى حد بعيد طبيعة تفكير الحاكم العربي الذي لا يؤمن إلا بالقوة و العنف في سبيل البقاء في السلطة. في سوريا التي خرج أبناؤها في مختلف المدن و القرى، و هم يهتفون بالحرية و العدالة، و يطالبون بإسقاط النظام، اختار نظام الأسد أن يسكت صوت الشعب بقذائف الدبابات و طلقات الرصاص، و حول الجيش الذي يفترض فيه أن يحمي البلد إلى أخطر عدو لهذا البلد. في سوريا أكد نظام البعث أنه على قدر كبير من الممانعة في كل ما يرتبط بمطالب شعبه. هذا النظام الذي ظل ينوم مواطنيه طويلا، ويقدم نفسه كداعم لقوى المقاومة و التحرر و نصير للمستضعفين، أكد منذ اندلاع ثورة أبناء الشام أنه أخطر نظام بوليسي في العالم، كما أثبت أنه لا يجد أية مشكلة في إبادة شعب بأكمله في سبيل السلطة و الحكم.
    المثير في الأمر و نحن بصدد استحضار التجربتين السورية و الإنجليزية في مواجهة الإنفلات الأمني، أن المسؤولين في دمشق و جدوا في أحداث لندن مناسبة للتنفيس، و راحوا ينددون بازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع الحالتين. فقد وجدوا في وصف رئيس الوزراء الإنجليزي " دافيد كامرون" مثيري الشغب بالعصابات و المجرمين مدخلا للحديث عن شرعبة التدخل العسكري في مدن سوريا لقتل المتظاهرين، وذلك تحت يافطة ملاحقة الإرهابيين و العصابات المسلحة.و كأنهم يريدون من الغرب أن يتدخل في إنجلترا فقط لأن رئيس وزرائها أبدى عزم حكومته على التصدي لأعمال الشغب، بينما لا يقبلون أي تدخل لما يجري في سوريا من تقتيل و عنف. و الحال أن حكومة " كامرون" تواجه عصابات حقيقية، و رغم ذلك لم نسمع عن إطلاق نار أو هجوم بالدبابات، أو إصابات في صفوف المشاغبين، لأن الأمر ببساطة شديدة يتعلق ببلد يمتلك تقاليد كبيرة في احترام حقوق الإنسان. بينما تواجه حكومة البعث في سوريا شعبا مسالما لا يحرق و لا يهدم و لا ينهب، بل يريد الديموقراطية و الحرية و الحق في العيش الكريم، ومع ذلك لا تتوانى الأجهزة الأمنية الملطخة بدماء الأبرياء في الإيغال في قتل المتظاهرين بدم بارد. 
   إن الذين ينتقدون الغرب، عليهم أولا أن يتعلموا ثقافته في احترام حقوق الإنسان حتى في أحلك الظروف التي تتعرض فيها ممتلكات و أرواح المواطنين للخطر. و من حق المواطن المغلوب على أمره في " بلاد العرب " أن يثور و ينتفض حينما يكتشف أن إنسانيته لا تساوي مثقال ذرة في ميزان الحكام.
    محمد مغوتي.12/08/2011.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !