الأبراج
وحياة الناس
استطلاع نعيمة الزيداني
naima-zidani@hotmail.fr
يقبل الكثير من الناس على قراءة ما تقوله الأبراج في الصحف والمجلات أو متابعة البرامج التلفزيونية أو الإذاعية التي يتم فيها استضافة بعض المتخصصين في هذا الميدان ليطلعوا الناس على ما ينتظرهم من سعادة أو تعاسة ، وربح أو خسارة حسب برج كل منهم.
من الناس من يعتبر الأمر مجرد تسلية، ومنهم من يؤمن إيمانا مطلقا بما تقوله الأبراج ويبني علاقاته مع الآخرين على هذا الأساس، فيما هناك فئة ثالثة ترفض الاطلاع على هذه التوقعات المستقبلية وتدخلها في خانة الشرك لما فيها من تكهن بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله.
في استطلاعنا لهذا العدد من فرح، سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال طرح مجموعة من التساؤلات:
ما سر هذا الاهتمام بصفحة الأبراج؟ لماذا تعتبر ركنا ضروريا في العديد من الصحف والمجلات؟
كيف يفسر علم النفس الهوس بمعرفة التوقعات المستقبلية؟ ما موقف الدين ممن يؤمن بما تقوله الأبراج؟
وهل يمكن أن يصل الاعتقاد بتوافق أو تنافر الأبراج بالفرد إلى درجة الاحتكام إليها قبل الإقدام على الارتباط عاطفيا أو الزواج ؟
والبداية من مصر، مع هاني" 25 سنة موظف" الذي أجاب على بعض تساؤلاتنا قائلا:
من الناس من يمسك الصحيفة ليبدأ صباحه بالاطلاع على فقرة "حظك اليوم" أو" شوف برجك" ، ويغادر بعد ذلك منزله وهو ينتظر أن تصادفه مشكلة في الطريق أو في مقر العمل لأن فقرة الأبراج تنبأت له بيوم مليء بالمشاكل، أو ينطلق متفائلا لأنها أخبرته أنه سيتلقى علاوة أو ستصادفه أخبار سعيدة ...
وحتى إن حدث ذلك فعلا فالأمر مجرد صدفة"كذب المنجمون ولو صدفوا".
وحسب رأيي الشخصي فإن تهافت الناس على مثل هذه الأمور راجع للمشاكل الكثيرة التي يعانون منها كالبطالة والفقر والأزمات العاطفية وغيرها إضافة إلى الفراغ الروحي الناتج عن ضعف الإيمان مما يجعلهم يتعلقون بأي شيء ويبحثون عن أي متنفس أو أي مخدر يقدمه لهم باعة الوهم .
أما أن يصل الأمر بالإنسان إلى درجة أخذ قرار بالزواج أو عدمه بناء على توافق الأبراج أو تنافرها فتلك كارثة كبرى إذ كيف يعقل أن نعلق علاقات مصيرية في حياتنا على تكهنات المنجمين وتحليلاتهم؟
فمثلا نجد ضمن مواصفات برج الميزان" أنه عاطفي ورومانسي ويغضب لكنه سرعان ما يسامح الناس".
وشخصيا أتساءل"أي خصوصية يحملها هذا القول؟ إنها مواصفات عامة لها علاقة بالطبيعة الإنسانية، وقد تنطبق على العديد من البشر رغم اختلاف أبراجهم.
الارتباط بشخص يوافق برجك لا يعني بالضرورة حياة سعيدة خالية من المشاكل لأن الواقع بعيد عن التصورات ، و لا يمكننا التنبؤ بردة فعل الشريك أمام الاختبارات والمشاكل التي قد تواجهنا في كل مرحلة عمرية نمر بها.
من الناس أيضا من ينزعج عند رؤيته للعدد" 13" معتقدا أنه نذير شؤم، أو يتطير عند التقائه بشخص معين، وهذا أيضا حرام.
وفي النهاية، لا يجوز الإيمان بالأبراج فهي دجل و شرك بالله، وعلينا أن نعلم أن علم الغيب عند الله وحده لا شريك له.
محمد عبد الحافظ حسين 27 سنة من محافظة أسوان بمصر يقول:" أرفض أن أرتبط بشريكة حياتي اعتمادا على علمي أو معرفتي بما تقوله الأبراج، ولا أظن أن توافق برجي الزوجين يثمر بالضرورة زواجا سعيدا فمشروع الزواج هو المشروع الأكثر تعقيدا في الحياة ولا يرتبط بأعراف أو أبراج..."
ومن اليمن، الصحفي والناشط الحقوقي محمد مهدي الكوماني قال لفرح:
غالبا ما تكون هناك دوافع نفسية معينة تجعل بعض الناس مهتمين بمتابعة ما تقوله الأبراج، وهذا ما تستغله الصحف التي تهتم بتقديم هذه التوقعات لقرائها لأنها تعتبرها مفتاحا لجذب العديد من الناس بغض النظر عما إذ كانوا يقرؤون الصحيفة أو لا، المهم أن هناك جزءا من الصحيفة يجذبهم لأن ميول الناس يختلف:" سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي..."
أحيانا يكون من الممكن أن يقرأ الإنسان ما جاء في برجه دون أن يغير نمط حياته بما يتوافق مع ما هو مكتوب، وأحيانا أخرى يكون هناك تأثير سلبي للاعتقاد بتوقعات الأبراج على بعض الأشخاص فمثلا إذا قرأ احدهم "يومك تعيس وستقابل مشاكل مع الحبيب" نجده يهيئ نفسه لا شعوريا لذلك وتتغير نفسيته بطريقة لاإرادية مما يجعله مستعدا لافتعال المشاكل مع الطرف الآخر.
وعموما أرى أن الإدمان على تتبع الأبراج يوميا مسألة نفسية بحتة تكمن خطورتها فيما قد يكون لها من تأثير على طباع الناس وعلاقاتهم ومثابرتهم في عملهم أو في دراستهم أو في حياتهم بشكل عام.
منير التاجي 35 سنة من تونس اعترف لفرح بأنه يصدق ما تنبئه به الأبراج عن الحظ و العمل والمال، ويتذكر أنه تراجع قبل شهر عن إبرام إحدى الصفقات التجارية لأن الأبراج حذرته من خسارة وشيكة، كما أنه اهتم قبل زواجه بمعرفة مدى تطابق برجه مع برج زوجته عندما التقيا لأول مرة رغم أن ذلك لم يكن سيغير من قراره بالارتباط بها لأنه وقع في حبها من أول نظرة.
وعبر منير عن استغرابه ممن يعتبرون علم الأبراج شركا قائلا"إنه علم يقوم على حقائق علمية يعرفها الفلكيون، وهو بعيد عن الدجل والشعوذة شأنه في ذلك شأن الأرصاد الجوية التي تنبئنا بموعد المطر أو تحذرنا من العواصف المحتملة بعد يوم أو يومين.
ومن جهتها قالت ليلى الرملي طالبة من البيضاء بالمغرب:"حين قرأت الصفات الشخصية لمواليد برج الحوت الذي أنتمي إليه وجدتها تتطابق مع صفاتي لدرجة لا تصدق، أما التوقعات اليومية فهي غالبا كاذبة ولا تمت لحياتي بصلة إلا أني لا أنكر أني أقراها يوميا أو أسبوعيا من باب التسلية، وأتفاءل بالتوقعات السارة .
أما أن أرتبط بإنسان يتنافر برجه مع برجي ففي ذلك شيء من المغامرة لأن صفاتنا الشخصية ستكون متناقضة حتما فمثلا أختي من برج الحمل وزوجها من برج القوس وهما متفاهمان لأقصى حد ويعيشان حياة سعيدة، وحين اطلعت على توافق الأبراج بينهما وجدت فعلا أن برجيهما منسجمان.
وبصراحة حاليا أصبحت الفتيات يقصدن مواقع الزواج على النت بحثا عن زوج المستقبل، وطبعا قبل الموافقة على تبادل المعلومات الشخصية مع أي شاب، يكون بإمكان الفتاة أولا الاطلاع على العديد من المعلومات المتعلقة به وأهمها وظيفته ومستواه الثقافي وبرجه أيضا مما يجعل الفرصة متاحة أمامها لاختيار زوج تنسجم مواصفاته الشخصية مع مواصفاتها وهكذا يكون نجاح العلاقة مضمونا بنسبة مرتفعة.
وبالمقابل لا تتفق سوسن "طالبة جامعية من نفس المدينةّّ" مع زميلتها ليلى حيث قالت لفرح:
يستحيل أن أرفض الارتباط بشخص معين لمجرد أن برجه وبرجي متنافران، وحتى إن افترضنا أن هناك بعض الاختلافات بيننا في الطباع فبالإمكان أن يحاول كل منا الاقتراب أكثر من الأخر واكتشاف مفاتيح شخصيته ، وطبعا مع العشرة تتوطد المشاعر وتصبح هناك ألفة ومودة، وفي النهاية يبقى الحب هو الأساس والاحترام المتبادل هو سر نجاح الحياة الزوجية.
ومن المغرب أيضا،غيتة أيت همو "ربة بيت من أغادير "أجابت على تساؤلاتنا قائلة: "قراءة الأبراج دجل وشعوذة وتكهن بالمستقبل و شرك بالله واستهتار بالثوابت التي تقوم عليها عقيدتنا الإسلامية لذا لا أسمح لنفسي بالاطلاع عليها ولو لمجرد التسلية لأني لا أريد أن أكون ممن اتخذوا دينهم لهوا ولعبا والعياذ بالله.
و بخصوص مسألة الزواج فعلى كل غافلة تبحث عن زوج من برج يوافق برجها المزعوم أن تتذكر أن رسولنا الكريم قال:"إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وتلك هي المعايير الثابتة لاختيار الزوج"الدين و الخلق "وليس توافق الأبراج.
و أنصح أي أخت مترددة أو حائرة باستخارة الله عز وجل حين يتقدم لخطبتها شاب مسلم ، وعدم الاستعجال في الموافقة لتتمكن من التأكد من مدى تدين الخاطب وحسن خلقه شريطة أن يتم التعارف بينهما بصورة شرعية أي باجتناب الخلوة وعدم التدلل في الكلام.
مجلة فرح حاولت أيضا رصد مدى اهتمام الشباب العربي بعالم الأبراج من خلال الموقع الاجتماعي الفيس بوك حيث تتواجد مجموعات كثيرة تهتم بإطلاع أعضائها على كل ما تحمله الأبراج من توقعات بصفة يومية من بينها مجموعة "عالم الأبراج وحظك اليوم" والتي بلغ عدد أعضائها 227005 ، ومجموعة "الأبراج اليومية" التي انضم إليها أكثر من مليون و مئتي ألف شخص ، ومجموعة "اعرف درجة الحب بينك وبين شريكك بالأبراج "والتي يؤكد مؤسسها أن الأبراج الفلكية تساعدنا على معرفة مدى إمكانية نجاح العلاقة بين الرجل و المرأة من خلال التأكد من مدى التوافق بين برجيهما .
المعالجة النفسية سهى صادق لفرح:
" هناك أولويات في الحياة الزوجية أهم بكثير من التوافق بين برجي الزوجين"
ومن لبنان، المعالجة النفسانية سهى صادق قالت لفرح:
التطلع لمعرفة ما يخبئه لنا القدر يجعل الانسان يتعلق بأي مصدر يمكن أن يخفف من قلقه على مصيره أو يزرع في قلبه التفاؤل والأمل ،وهذا ما تفعله الأبراج وعالمها الكبير.
والغريب أن فئة كبيرة من الناس تترقب الأبراج بشكل يومي، وتتأثر بها لدرجة كبيرة.
ولكن الأبراج عددها 12 أي أن ملايين البشر ينتمون لنفس البرج ...هل من المعقول أن يطابق حدث واحد لبرج واحد ملايين البشر؟
في حياتنا يجب أن نخضع أي قرار لأحكام العقل لاسيما القرارات المصيرية كالزواج. ومن المعروف أن هناك أولويات في الحياة الزوجية أهم بكثير من التوافق البرجي بين الزوجين،من بينها الاحترام والثقة على سبيل المثال لا الحصر.
و رغم أن علم الأبراج يدرس في الجامعات إلا أني اعتقد أن كل التنبؤات تدخل في إطار علم الغيب الذي لا يدركه سوى ربنا القدير.
و ليس توافق الأبراج هو من يقرر مصير علاقة الزواج، بل تتدخل في ذلك الكثير من المعطيات.
وطبعا فترة الخطوبة وجدت ليتمكن كل من العروسين من دراسة أخلاق وتصرفات الطرف الأخر،وبالحب يستطيع الإنسان أن يغير نفسه إرضاء للشريك.
المدرب على الحياة محمد خالد عزوز لفرح:
"أحيانا يكون البرج هو الشماعة التي يعلق عليها الناس فشل علاقاتهم "
( السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد و اللعب)
بهذا البيت الشعري افتتح المدرب السعودي محمد خالد عزوز حديثه لمجلة فرح قائلا:
هذا البيت الشعري هو مطلع لقصيدة قالها أبو تمام بمناسبة انتصار الخليفة المعتصم و فتح عموريه رغم تنبؤات المنجمين له بالهزيمة في المعركة.
من هنا نجد أن الاستشهاد بالأبراج غير موثوق به إضافة إلى أنه محرم شرعا لقول الرسول صلى الله عليه و سلم (من أتى عرافا و سأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين يوما).
و يمكن تلخيص الموضوع في النقط التالية:
1- بالنسبة لتأثير الأبراج على الإنسان و شخصيته فهذا أمر صحيح و لكن بصفة عامة، مثلا قد يكون من صفات برج من الأبراج أن يكون الشخص رومانسيا ومع ذلك من الممكن أن ينطبق هذا على بعض الأشخاص و لا ينطبق على البعض الآخر ، و يرجع ذلك إلى عوامل أخرى تلعب دورا كبير في تكوين الشخصية ، و يكون لها تأثير أكبر من تأثير الأبراج مثل الحالة ألاقتصادية و نوع البيئة التي نشأ فيها الإنسان...
2- بالنسبة للتوافق العاطفي بين الأبراج، من الممكن أن نجد شخصين من برجين متنافرين ، ومع ذلك يعيشان حياة سعيدة... والعكس قد يحصل حيث من الممكن أن تنتهي علاقة بين شخصين من برجين متوافقين بالفشل ، و السبب في ذلك يرجع إلى درجة البلوغ العقلي لكل طرف منهما و مدى قدرته على تحمل المسؤولية و تفهم الطرف الأخر.
3- أحيانا يكون البرج هو الشماعة التي يعلق عليها بعض الناس أخطاءهم و فشل علاقاتهم رغم أن الأبراج ليس لها أي يد في هذا، إنما هي تعطي تخيلا و تصورا عاما لشخصية أناس ولدوا في فترة محددة و كما قلنا سابقا ليس بالضرورة أن تنطبق عليهم جميع الصفات الشخصية الخاصة ببرجهم.
4- في بعض الأحيان قد يصل الموضوع للشرك حيث يعتقد الشخص أن الأبراج تتحكم في قدره ومصيره، و هذا غير صحيح فالله وحده هو المتحكم في كل شيء و بيده مقادير كل شيء سبحانه و تعالى.
الأستاذ و المفكر أيمن هاروش :
"قراءة الأبراج إثم وتصديقها كفر"
ولمعرفة موقف الدين من هذا الموضوع ،اتجهنا إلى الأستاذ الدكتور أيمن هاروش الذي قال لفرح:
علم الغيب من خصائص الإلوهية ، قال تعالى: ((قل لايعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)) ((وعنده مفاتح الغيب لا يعلمه إلا هو)) فالغيب وهو ما سيكون في المستقبل لا يعلمه إلا الله وليس لبشر علمه ولو كان نبيا ((قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)). ومن صور ادعاء علم الغيب الأبراج التي يدعون فيها معرفة ما سيكون مع الإنسان في المستقبل، فتصديق هؤلاء كفر وشرك مخرج من الملة لأنه إثبات علم الغيب لغير الله، قال عليه الصلاة والسلام: (من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) ) فقراءة الأبراج إثم وتصديقها كفر فليحذر الذين يتعلقون بها من هذا الخطر العظيم وليلتجئوا إلى الدعاء ليختار الله لهم الخير.