اعتقال آية الله محمد تقي خلجي:
هل بدأ الصراع بين طهران و"قم المقدسة"؟
ممدوح الشيخ
لا يشكل اعتقال رجل الدين الإيراني البارز آية الله محمد تقي خلجي (61 سنة) مجرد خرق لمعايير حقوق الإنسان التي كفلتها الأديان السماوية قبل المواثيق الدولية، بل قد يعد - دون مبالغة - علامة على طريق صدام بات محتملا بين طهران وقم، فبعد سجن آية الله محسن كديور ثم خروجه إلى المنفى الاختياري بأميركا، والتداعيات المؤسفة التي أعقبت وفاة آية الله حسين متنظري، الرجل الذي ترك منصب نائب المرشد ليرسم طريقا لـ "قم المقدسة" يفترق عن طريق طهران.
الاعتقال تم في منزله بـ"قم" قبل منتصف يناير الجاري على يد عناصر من وزارة الاستخبارات، كما أخضع منزله لعملية تفتيش عنيفة تم فيها مصادرة ملفات شخصية وجهاز كومبيوتر شخصي وكتب وجوازات سفر عائلته كلها. كان آية الله خلجي وزوجته، وحفيدته، ابنة الباحث مهدي خلجي المقيم بأميركا، يستعدون للسفر للإمارات للحصول على تأشيرة لزيارة أميركا. وبعد ثلاث ليالٍ من اعتقاله هاجمت قوة أخرى منزل ابنة آية الله خلجي، وصادروا وثائق شخصية وأنذروا الأسرة بأنه سيتم القبض عليهم أيضاً إذا اتصلوا بوسائل الإعلام خارج إيران.
الخوف من شبح منظري
وجاءت عملية الاعتقال وسط حملات مداهمة واعتقال في "قم" أعقبت الاحتجاجات التي رافقت تشييع آية الله حسين علي منتظري، وكان خلجي من مؤيديه، كما ساهم في حفل تأبينه.
وما لفت النظر في اعتقال خلجي أنه دفع مراقبين عديدين لاسترجاع الفترة الأخيرة من حكم الشاه عندما تصاعدت حدة المواجهة بينه وبين عديد من مراجع قم الذين كانوا يناصرون الخميني، ومحمد تقي خلجي نفسه سبق اعتقاله في زمن الشاه 3 مرات لأنه كان من المحرّضين على الثورة.
وهذا الإجراء يعني من ناحية أخرى أن الثورة في عهد خامنئي لا تواجه خصومها بل تأكل أبناءها. والصراع الذي تشهده الأوساط الدينية في إيران تؤكد عجز المرشد الأعلى للثورة الإسلامية عن بناء علاقة سوية مع أقرانه من المراجع - ليس فقط بسبب توجهاته السياسية المتطرفة منذ تحالف مع المحافظين - بل بسبب التواضع الملحوظ لتأثيره الديني ووزنه النسبي بين مراجع المدينة التي كانت السند الرئيس لثورة الخميني فإذا بها تصبح خصما لخليفته.
صانع الثورة في سجنها
ومن الحقائق الصادمة في مسار المرجع الديني المعتقل أنه في أعقاب ثورة 1979، استقبل آية الله خلجي الإمام الخميني عائداً إلى "قم"، نيابةً عن أهل المدينة. وفي الأشهر الأخيرة من عهد الشاه دعا آية الله خلجي لحل سلمي للنزاع بين النظام الإيراني وحركة الاحتجاج.
ففي شتاء بارد جداً عام 1979، عاد الخميني إلى "قُم" للمرة الأولى بعد منفاه الطويل. وخرج حشد ضخم لاستقباله، وبينما كان يسير للمنصة سقطت عباءته، وبعد أن استقر في كرسيه قال "أنا أشعر بالبرد"، وخلال ثوان "سقطت" عباءة أخرى على كتفيه وبعد أن التف بها بدأ يشعر بالدفء. وكانت تلك عباءة: محمد تقي خلجي.
وقد ولد آية الله محمد تقي خلجي بأصفهان في 1948 لأب مزارع، وفي عام 1969 انتقل إلى "قُم" وبدأ الدراسة في حوزتها العلمية. وكرجل دين شيعي شاب ذي تفكير ثوري، انضم لزمرة "قُم" الموالية للخميني وأثبت أنه خطيب ممتاز واستخدم مهاراته الخطابية لخدمة القضية الثورية وكان تلميذاً لآية الله مرتضى مطهري وقريباً من الآباء المؤسسين الآخرين للجمهورية الإسلامية.
محكمة رجال الدين
ومع انطلاق حركة الاحتجاج الإصلاحية ألقى محمد تقي خلجي خطابا في حسينية "دار الزهراء" شمال طهران، حيث كان يجتمع الإصلاحيون، وبينهم الرئيس السابق محمد خاتمي. وفي خطابه، قال إنه يود أن تستمر الجمهورية الإسلامية، وإذا كان الزعماء الإيرانيون يدعون بأنهم يقتدون بالإسلام ونبيه، وأئمته، فوفقاً للإسلام، يجب أن يحظوا بموافقة الشعب لكي يحكموا البلاد.
وفي خطابه الأخير، عشية ذكرى عاشوراء عندما كان في منزل آية الله يوسف ساني في "قُم"، طلب خلجي أن يقوم قادة إيران بطلب التوبة من الله على ما فعلوه بالمتظاهرين وقمعهم لرجال الدين الذين يؤيدون الجمهورية الإسلامية ممن ينتقدون سلوك القيادات الحالية وكان ذلك بعد أيام من وفاة آية الله منتظري. وفي محاولة من النظام لمنع وقوع المزيد من الاحتجاجات التي تؤكد تآكل شرعية النظام، قامت الحكومة الإيرانية بشن حملة ضد آية الله ساني وأغلقت مكاتبه في مدن مختلفة. وبعد أيام قليلة اعتقل خلجي!!.
وقد تفاعلت قضية اعتقال محمد تقي خلجي دوليا فأصدر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس هاورد بيرمان بيانا دان فيه الاعتقال، وطالب بإيقاف "التهديدات والسجن اللذين يمارسهما النظام بحق رجال الدين الذين يوجهون انتقادات للحكومة الحالية"!!!.
وفي تطور مثير للقلق قامت السلطات الإيرانية بنقل آية الله محمد تقي خلجي إلى سجن إيفين سيئ السمعة في طهران، وأودعه المسؤولون في المحكمة الخاصة برجال الدين في طهران الحبس الانفرادي في سجن إيفين، حيث يجري استجوابه. وأبلغت المحكمة عائلة آية الله خلجي ألا تتوقع السماح بأي اتصال معه حتى انتهاء التحقيق.
التعليقات (0)