مواضيع اليوم

هل بدأت الثورة على حزب العُمال الكُردستاني؟

حسين جلبي

2012-09-02 07:46:30

0

 مسكينٌ هو المجلس الوطني الكُردي السوري، لقد خدمته الثورة كثيراً، و خدمت الظروف أحزابه و شخصياته بشكلٍ كبير، بحيث أنهم لو كانوا قد قضوا عقود الإنشقاق الماضية بمحطاتها المفصلية في التحضير لإنشائه، لما توصلوا إلى ما وصلوا إليه منذ ذلك الحين، فلقد إنهالت عليهم منذ ذلك الوقت الفرص (و أشياء أخرى) لإثبات وجودهم داخلياً و إقليمياً و دولياً أيضاً.
لكنه ـ أي المجلس ـ أثبت يوماً بعد آخر أنه لا يستطيع العيش في بيئة تحتاج من الإنسان أن يستعمل جميع حواسه، و أن يشمر عن ساعديه للعمل البناء، فتعامل مع الأمور و كأنه يعيش في جمهورية الفردوس، حيث لا يحتاج المرء فيها سوى لتحريك لسانه، أو لمجرد التفكير في المعضلات حتى يجدها و قد أصبحت في طريقها إلى الحل، عن بعد.
و هكذا لم يسعى المجلس المُدلل إلى مد جذوره بين الناس، لأنه لم يجد ضرورة لذلك، و بقي يعيش في بروج عاجية و يتعامل بفوقية مع قضاياهم، كان يعقد الندوات هنا و هناك و يتحدث عن أشياء موجودة في الأصل يدعي قيامه بها و يجيرها لنفسه، أو عن قصورٍ سيبنيها على الرمال بعد أن تتوقف عن الحركة، بإختصار لم يستطع المجلس قيادة الناس لأن عصر تخدير الجماهير و تأجيل حل مشاكلهم قد ولى إلى الأبد، لذلك تجاوزه.
يريد الناس اليوم الحصول على الحد الأدنى، يريدون الحصول على الخبز و الماء و الغاز و الكهرباء، و يريدون الحصول على الأمان، و لكتهم يتعطشون إلى الحرية قبل كل شئ، يريدون حرية التعبير عن الرأي دون خوفٍ من العواقب، لا يريد الناس إسقاط دكتاتور و تحطيم تماثيله و حرق صوره، و من ثم إعادة إنتاج آخر بجثته المحنطة و صوره الضخمة و تماثيله المرتفعة، و حفظ حكمه و أقواله بطولاته و تدريسها، فهل إستطاع المجلس تأمين الحد الأدنى من رغبات الناس؟ الإجابة بكل تأكيد لا، كل ما أفلح فيه المجلس هو لعب دور الجبهة الوطنية التقدمية السورية في تخدير الناس، و محاولة إعطائهم صورة عن أن الأمور بخير، إذ لا وجود لقتال الأخوة و هو الأهم، أما التأسيس لهذا القتال و المظاهر التي ترافقه فلا بد من الأمل بإمكان حدوث معجزة ما في يومٍ من الأيام تغير الأمور، و لا بد من الصبر على ما إبتلينا به (حتى يقضي ربكم أمراً كان مفعولا).
و هكذا أسقط المجلس الوطني الكُردي نفسه من العقول و القلوب بعد أن سقط في الشارع، لكن الذي إشترك معه في كشف ضعفه و هشاشته و بالتالي إسقاطه بالضربة القاضية كان حزب العمال الكردستاني، الذي لا تعرف مسيرته معادلة القسمة على إثنين.
دخل حزب العمال الكُردستاني، و هو الذي يفضل أساساً العمل في المناطق الفارغة، دخل على أنقاض المجلس الكُردي، لكنه كان له طريقته الخاصة في الأداء، فقد كان كالفتوة الذي يخشاه الجميع، فما لديه من أرصدة عنفية كفيلةٌ بجعل الناس إما يلجأون إلى السكوت خوفاً من بطشه، أو الإنضمام خوفاً و نفاقاً و مصلحةً إليه، و أخذ يقوم بتقديم خدمات محددة مقابل مبالغ معلومة، و أصبح شريكاً للجميع في أرزاقهم، و رفع أسعار المحروقات و النقل و غيرها لتصب الزيادة في جيبه و جيوب شركائه و عرابيه من رجالات المخابرات، و أدار قطاعات خدمية واسعة لمصلحة هؤلاء مقابل عمولات صغيرة، و من ثم أخذ يشتري ولاء البعض و سكوتهم بالترهيب و الترغيب.
في هذه الأجواء أخذ الناس يشعرون بفداحة الخطر الذي يترصدهم، المجلس الوطني الكُردي في موقفٍ مُحير لا يُحسد عليه، فهو بحاجة لمن يعينه، و كل ما يمتلكه هو المطالبة ليل نهار بتطبيق إعلان هولير حتى مل الناس من تلك الأسطوانة، لأن الطرف الآخر الذي جعل المجلس قناعاً له، يقوم بإجراءات على الأرض أصبح معها إعادة الوضع إلى ما قبل إتفاق هولير مستحيلاً، فهو يقضم المنطقة يوماً بعد آخر، و يقضم معها حتى الوجود الإعتباري للمجلس.
ما حصل في عامودة اليوم أزال الغشاوة من على عيون بعض من لم يكن يرى بعد التململ الذي بدأ يسيطر على الأوساط الشعبية نتيجة إقامة الحواجز، و إهانة الناس عليها، و فرض الأتاوات عليهم، فتجميد مجلس عامودة المحلي للمجلس الوطني الكُردي لعضويته في الهيئة العليا التي يشاركه بها حزب العمال الكردستاني قد كشف الحقيقة التي حاول المجلس الكُردي طويلاً تجنب الإعتراف بها لنفسه، و هي أن التحالف في حقيقته ثلاثي الأضلاع يلعب فيه المجلس فيه دور الواجهة المجانية، في حين يقوم العمال الكردستاني بدور جباية الغنائم مقابل عمولة، و ذلك لمصلحة الطرف الثالث ألا و هو مخابرات النظام، و لذلك غضب الطرفين الأخيرين على هذا الإجراء من قبل مجلس عامودة، غضبةً تُرجمت في إقتحام المدينة من قبل لجان حزب العمال الكردستاني الشعبية، بمؤازرة مخابرات النظام و دعمها، و إعتقال الناشطين و منهم الناشط صالح يوسف، متناسين وسط ذلك أو ربما واضعين في الحسبان أن عامودة هي أول مدينة كُردية ثارت على النظام، و أول مدينة حطمت تماثيل الأسد الأب.
الثورة الكُردية قادمة لا محالة، فالشعب الكُردي بدأ يعيد النظر في المفاضلة التي أقامها، و التي رجح خلالها السكوت على عصابات النظام و شبيحته على ترك نفسه عرضةً لدبابات و طائراته، و هذه الثورة ستجرف في طريقها المجلس الوطني الكُردي أيضاً، و إذا أراد هذا المجلس تجنب ذلك، و الحفاظ على ماء وجهه، فما عليه سوى الإنسحاب من طريقها، و الإكتفاء من الغنيمة بسلامة العودة، و هي لعمري إنجازٌ سيحفظ له، لأن الإفلات من البراثن التي أوقع نفسه بنفسه فيها، يعتبر في هذا الوقت بالذات عملاً بطولياً كبيراً.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !