تخوفي على مصير سوريه ليس جديدا بل كتبته قبل عدة اشهر , في 28/6/2011 تحت عنوان " الخوف ان تنزلق سوريا الى اخطر السيناريوهات " , وقبل هذا التاريخ بشهرين في 28/4/2011 , كتبت مقالة بعنوان " ما يجري في سوريه هدم لابرز مبادئ البعث " , وعندما اعلن النظام عن اصلاحات جديدة , كتبت مقالة بعنوان " الاصلاحات في سوريه غير مقنعة مع هدير الدبابات " , لان الاصلاح يحتاج الى قدر من الهدؤ والامان , وقد انحزت ـ حسب معتقدي ـ الى جانب الشعب في مطالبه العادلة التي ضمنتها الرسالات السماوية والقوانين الوضعية , وفي مقدمتها الحرية والعدالة والمساواة , وهذه المبادئ السامية نادى بها حزب البعث العربي الاشتراكي في دستورة 1947 وفي منطلقاته النظرية 1963 , كما انني انحاز الى سوريه الشعب والتاريخ ووحدة الارض والهوية واخاف عليها من المصير الذي أل اليه العراق في ظل الاحتلال الامريكي والاحتلال الصفوي من خلال المليشيات المسلحة الارهابية.
كان عجبي كيف لم يبادر الرئيس السوري وقيادة الحزب الى تطبيق مبادئ البعث ووضعها حيز التنفيذ العملي قبل الانتفاضات العربية التي بدأت منذ بداية العام الذي شارف على الانتهاء؟ .وزاد عجبي كيف لم يبادر الاسد وقيادة الحزب الى استباق الاحداث في درعا وتطويقها يوم كانت المطالب طبيعية لا تتعدى الاصلاحات السياسية في نيل الحرية والسماح للاحزاب بالعمل والمشاركة في الحكم , ولم يطالب حينها احد باسقاط النظام ؟.
لقد اشهر النظام في سوريه منذ الايام الاولى فزاعة المؤامرة الخارجية التي تعمل من اجل اسقاط النظام " التقدمي الممانع " , وقلت في اكثر من مقال ان المؤامرات على الامة العربية لم تنقطع على مر العصور سواء من الشرق أومن الغرب , وان الغرب لن يكون معنا ولا مع الانتفاضات التي تشهدها الاقطار العربية , وما تأييده لها الا من اجل الالتفاف عليها واختراقها لضمان مصالحه المتمثلة في تدفق النفط , وضمان أمن اسرائيل , ومحاربة الارهاب في ديارنا قبل ان يصل الى ديارهم .
هذه الحقيقة لم تعد خافية على احد من المواطنين العرب , فكيف الحال بالحكام العرب الذين مضى على حكمهم عشرات السنين ؟ .اضف الى ذلك ان الغرب كما استغل الاسلام السياسي لمحاربة الاتحاد السوفيتي السابق في افغانستان , فانه اليوم يركب الموجة ويتهادن مع الاسلام السياسي ليمهد الطريق امامه لتسلم الحكم . والمسئولون الغربيون يعلمون من خلال اتصالهم بقيادات هذه الاحزاب الذين هاجروا الى بلادهم جراء اضطهاد انظمة الحكم العربية لهم وحرمانهم من حق التعبير والقول والانتماء . الهدف معروف للجميع هو ايصال جماعات الاسلاميين الى سدة الحكم , ليفرغوا كل عقدهم الذاتية على ابناء الشعب , بفرض الطقوس والشكليات في اطالة اللحى وتقصير الدشاديش , واستخدام السواك , تخمير المرأة وحجزها في البيت لاغراض المتعة والانجاب ,والدعوة الى فصل الاناث عن الذكور في الدوائر الحكومية , هذه الشكليات التي يصر عليها السلفيون , وقد بدأت بوادر هذه العقلية في تونس ومصر قبل ان يتسلم الاسلاميون الحكم رسميا , حيث تم اقتحام حرم الجامعات التونسية لمطاردة الطالبات السافرات وشتمهن بألفاظ تخدش الحياء , ان هذه العقلية سوف تعود على تجربة الحركات الاسلامية بنتائج سلبية تنفر المواطنين منهم ومن حكمهم .
الكل يعرف ان المخطط الغربي والصهيوني يقضي باعادة تقسيم الاقطار العربية على اساس ديني وقومي وطائفي , وقد بدأ المخطط مع بدايات الحرب اللبنانية عام 1975 . وتوالت عروض المخططات لالغاء فكرة الوطن العربي و الامة العربية من قاموس المصطلحات السياسية , تارة بطرح فكرة الشرق الاوسط الكبير , وتارة الشرق الاوسط الجديد , اضافة الى المخططات الاقليمية , تارة من تركيا الجديدة صاحبة المشروع ( الاردغاني ), وتارة من ايران الطائفية صاحبة مشروع ( ولاية الفقيه ) . كل هذه المخططات تقع ضمن المؤامرة الخارجية , وقد درسها البعثيون في مدارس الاعداد الحزبي , ومن خلال النشرات الحزبية , وصارت فكرة المؤامرة من الدروس السهلة في الامتحان . فكيف لم يدركها الاسد ولا القيادات الحزبية ولايعملون على درئها ؟ .
اني اسلم مع الاعلام السوري بأن مؤامرة تحاك ضد سوريا , ولهذه المؤامرة اسبابها التي تعود الى النظام نفسه , لانه لم يسد النوافذ امامها .ولو تصالح النظام مع ابناء الشعب من زمن بعيد لما خرجت المظاهرات ضده , ولما طالبت باسقاطه . ولكن الاسد استجاب للنفعيين وارباب المصالح الاقتصادية , واصحاب الطموح السياسي , وزرعوا في ذهنه فكرة العناد والمطاولة في عمليات كبح جماح الشعب واسكاته بالعنف وقوة السلاح , فحصلت عمليات القتل بدم بارد لكل من يطالب بالحرية والعدالة وصارت هذه المطالب في خانة العمالة وتنفيذ اجندات خارجية .
النظام يقول انه يحارب عصابات مسلحة , ونسأل هل كانت هذه العصابات موجودة منذ بداية الانتفاضة ؟ فمن الطبيعي ان تتدخل كل الاجندات الخارجية اما لتصفية حسابات قديمة , او لنيل مكاسب على حساب الشعب السوري , فازداد عدد المسلحين , وزاد عدد الجنود الذين تمردوا على الجيش السوري , وشكلوا ما بات يعرف ب "الجيش السوري الحر" , وسيجد هذا الجيش على قلة عدده قياسا بالجيش السوري النظامي من يمده بالسلاح والعتاد والدعم المالي والاعلامي وسيغري اخرين للتمرد والانظمام اليه , وسيجد المال السياسي طريقه الى ذوي النفوس الضعيفة لاغرائهم بالتمرد على النظام والانضمام الى المعارضة المتعددة الاطياف والعقائد .
اما عن تخلي الانظمة العربية وبالذات الخليجية منها عن النظام في دمشق , فيجب ان يدرك النظام السوري هذا الامر قبل هذا الوقت , فالعلاقات في ظل الحالة القطرية التي فرضها الغرب منذ ( سايكس ـ بيكو ) تحكمها المصالح , وارتباط هذه الانظمة بالقوى الغربية صاحبة مشروع تقسيم الاقطار العربية حسب الاديان والاقوام والطوائف , وبعد مدة لن يكتفي الغرب والصهاينة بهذا التقسيم , بل سيكون التقسيم حسب العشائر والحارات والمدن كما كان الحال في العهد اليوناني .
كما وقف النظام مع دول الخليج ودول التحالف في حفر الباطن 1991 ضد العراق , فاليوم تقف هذه الانظمة ضده , لان الاجندة الغربية اليوم تقضي باسقاط الانظمة واحداث الفوضى , وقد اختمرت فكرة التقسيم وحان تنفيذها في سوريه .
يبدو انه فات الوقت للمراجعة في ضؤ تعنت الطرفين . النظام والمعارضة ,فالطرفان يميلان الى الحل العسكري , النظام يعتمد على قواته العسكرية التي لايستهان بها , والمعارضة ممثلة في المجلس الوطني ليس امامها الا الاستعانة بصديق وصارت اطراف فيه تلهث وراء الاسناد الغربي .وها هي عجلة التدخل تدخل مراحل متقدمة , ونشرت وسائل الاعلام العديد من سيناريوهات هذا التدخل , بدأ السيناريو بادانة اعمال القمع التي تمارسها قوى الامن السورية ضد المتظاهرين , من قبل الانظمة العربية الرسمية والمنظمات والشعبية ومن ثم جامعة الدول العربية , وتوالت الادانات الاقليمية والدولية , , و انتقل من الادانات السياسية والاعلامية الى العقوبات السياسية والاقتصادية , الى طرح افكار فرض خطوط أمنة لحماية المدنيين , وخاصة في المناطق الشمالية من سوريه , ومن ثم ادانة مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة , ورفع تقرير الادانة الى مجلس الامن لبحث اجراءات عقابية جديدة على النظام السوري , رغم احتماء النظام بكل من روسيا والصين المؤمل ان يستخدما حق النقض ( الفيتو ) ضد اي قرار قد يتخذه مجلس الامن .
الجامعة العربية التي اصابها مرض النعاس طيلة العقود الماضية استفاقت من سباتها , وصارت بقدرة قادر صاحبة قرار مسموع , وكان من المؤمل ان يدرك النظام السوري سر هذه الاستفاقة منذ قرارها الخاص بليبيا , ويعمل على درء الخطر الذي يحاك في السر والعلن ضد سوريه . ومن الواضح ان الجامعة التي تضطلع دول الخليج العربي بمهمة قيادتها وتسيير عملها , تمهد الطريق امام الاجندات الغربية للتنفيذ , لتمزيق الاقطار العربية اكثر مما هي عليه الان من تمزيق وتشتت .
ارجعتني استفاقة الجامعة العربية الى مؤتمر القمة العربية في القاهرة يوم 8/8/ 1990 الذي دعا اليه المخلوع حسني مبارك , وفرض على الرؤساء العرب قرار الادارة الامريكية محاصرة العراق والتمهيد للعدوان الثلاثين عليه , ولم يسمح مباركوالدول الخليجية لذوي النوايا الحسنة بالعمل لتطويق الازمة الناشئة بين العراق والكويت انذاك . واليوم تعيد الجامعة العربية ذات السيناريو ولكن بزعامة خليجية هذه المرة . وكما حصل العدوان الثلاثيني الذي شارك فيه الجيش السوري , سيحصل العدوان على سوريه بزعامة تركية وربما مشاركة عربية كما حصل في ليبيا , ومساندة غربية فنية وتكتيكية , حتى لا تنفجر المنطقة كلها . وفي هذا الخضم من الروايات حول التدخل في الشأن السوري , يصدر عن المسئولين السوريين ووسائل الاعلام الرسمية تصريحات اقرب الى العنتريات منها الى معالجة الازمة . ندرك ان هذه التصريحات هي لاعجاب الرئيس وقيادة الحزب , ولكنها تضر بمستقبل سوريه ارضا وشعبا . نعرف ان النظام يملك ترسانة عسكرية كبيرة , ولكن على المسئول ان يفكر الف مرة قبل ان يدخل في " اللعبة الصفرية " لان النهاية ستكون فاجعة على الشعب وليس على القيادة السوريه .
قد يقول الدعاة الرسميون من اتباع النظام ان هذا الرأي يعبر عن خوف الكاتب , ولكن التجربة علمتني ان الحكمة تقضي بالتنازل من اجل الشعب خير من العناد الذي يقود الى الانتحار, كما ان التجارب القريبة علمتني ان الذي يموت قد لايجد من يدافع عنه الا قلة قليلة من الاوفياء , وسيتنكرله الاكثرية ممن كانوا يصفقون له وقت القوة والجبروت .
اعود واقول ان التنازل من اجل الشعب فيه عزة لا مذلة , ولكن الانهزام والمصير البائس امام الحاقدين هو الذل بحد ذاته , ولنا في مصير الزعماء الذين قضواـ من قبل ـ عبرة وعظه , كيف اهينوا في اخر حياتهم , لانهم لم يحترموا شعبهم ولن يتنازلوا من اجله , وكأن التنازل من اجل الشعب فيه مذلة ؟ .
قد يقول النظام ان العقوبات لن تؤثر عليه وهذا حق لان الحدود السوريه مفتوحة مع لبنان والعراق والاردن اضافة الى البحر , ولكن العقوبات مع الزمن ستؤثر على المواطنيين , وسيدفعهم الجوع والفقر وارتفاع الاسعار الى مزيد من الانحلال , وسيدفع بكثير من المسئوليين الى فساد ينضاف الى الفساد المتفشي حاليا في المؤسسات الرسمية وخاصة الامنية منها ,وهذا الوضع سيقود الى مزيد من الانشقاقات في صفوف الجيش والامن , وسيعمل المال السياسي فعله من اجل هذا الغرض .
وقد يقول النظام ان بامكاننا ان نفجر المنطقة كلها , وهذا جائز , لان فعل الشر اسهل من فعل الخير , ولكن بالمحصلة ستكون العواقب وخيمة على الشعب السوري وعلى ابناء الامة العربية . واذا كان المنطق " علي وعلى اعدائي " فهذا هو الطوفان ولن تذكره الاجيال المقبلة بالجميل او الثناء .وبالتالي ستكون نهاية النظام بابشع صور الانتقام . مازال لدى النظام فرصة للانقاذ بقبول المبادرة العربية , وقبول المراقبين بشروط الجامعة العربية , حتى لو كانت ظالمة , فقبول الظلم الان خير من قبول الذل لاحقا من الحاقدين والاعداء . وبالختام اقول قلبي على سوريه , وبالامكان انقاذها اذا تم استخدام العقل والضمير والحس بالمسؤلية التاريخية من النظام والمعارضة على حد سواء , لان مصير سوريه ومصلحة الشعب السوري فوق الجميع .
التعليقات (0)