هل بالأدعية والأوراد يصلح حال المسلمين؟؟. يمثل الدعاء في الإسلام شكلا من أشكال الإرتباط الروحي بين الإنسان وربه. ويعبر عن العلاقة الوجدانية التي يجعل من خلالها الإنسان المسلم كل أعماله وأفعاله خالصة لوجه الله. وبذلك يكون الدعاء في كل وقت وحين تعبيرا عن الحضور الدائم لله في كل ما يقوم به العبد الذي يمثل عنده هذا الدعاء عبادة في حد ذاته.
و من اللافت أن طلب العون الإلاهي عملة رائجة بين المسلمين في كل أمور الحياة، حتى أصبح الإنسان المسلم يدعو لنفسه و للمقربين إليه ولغيرهم من أبناء جلدته بكل عفوية في كل مناسبة وحين. غير أن اللافت أيضا هو هذا التهافت الجماعي على الأدعية دون أن يترافق ذلك مع أسباب القبول. فقد تعلمنا في مدرسة الإسلام أن الحياة عمل وعبادة، بل إن العمل هو أرقى أشكال العبادات. لكن الترجمة الفعلية لا تجد نصيبا لها على أرض الواقع. وهكذا يردد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها عبارات مكررة تطلب النصر والتوفيق والتمكين ودحر الأعداء وإصلاح أحوال الأمة، وكل ذلك لا يترافق مع الحقيقة القرآنية التي تعبر عنها الآية 13 من سورة الرعد: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ولأن المسلمين قد عطلوا العمل بهذه القاعدة ( تغيير أنفسهم )، فإنهم اختاروا الإستنجاد برب الخلائق ليفرج كربهم و يصلح شؤونهم التي لا تسر صديقا ولا عدوا. وطبعا لا يمكن أن يغير الله أحوالهم إلا إذا بدأوا بأنفسهم أولا. وتلك هي المعضلة. فالمسلمون اليوم يعيشون خارج النص تماما ومع ذلك يوغلون في التيه بلا حدود. ويستدعون العون الإلاهي دون كلل ولا ملل. لكن لا يأتيهم المدد أبدا.
أعجب حقا عندما أسمع في المساجد والمنتديات والفضائيات أدعية ترتفع إلى السماء وتتضرع إلى الله بإصلاح الأحوال و النصر على الأعداء. وهكذا بات الجميع يحفظ عن ظهر قلب متلازمات من الأدعية من قبيل: " اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين " ، " اللهم زلزل أقدامهم و جمد الدم في عروقهم " ، " اللهم يتم أبناءهم و رمل نساءهم و نكس راياتهم "... أدعية بكل لغات الحقد و الغضب التي ترتعش لسماعها الأبدان وترتجف لها القلوب. أي إيمان هذا الذي يطلب الهلاك للأعداء بهذا الشكل؟. و أي عون ننتظره في غياب أسباب الاستجابة؟. هل نحتاج إلى المعجزات لتدبير أمورنا؟. لقد ولى زمن المعجزات أيها المسلمون، وحتى عندما كان الله يرسل المساعدة لأنبيائه كان الأمر مرتبطا بعملهم و تعبهم وتضحياتهم كما نقرأ في قصص القرآن الكريم.
إن خطورة هذا الفهم الخاطئ لمعاني العون الإلاهي لا تتوقف عند حدود هذه الأدعية التي أصبحت شعارات يرددها المسلمون للتنفيس عن ضعفهم وسوء أحوالهم، بل إنها تمتد إلى أبعد من ذلك، لأنها تسيء إلى الدين نفسه، وتجعل حضوره في الحياة مجرد روتين يومي. وأصبحت بذلك الممارسة الدينية في الواقع أبعد ما تكون عن روح و جوهر الدين الحقيقي، وأسست هذه الممارسة لثقافة التواكل والكسل و اللامبالاة. وهكذا فوض المسلمون أمرهم إلى الله في كل مصائبهم وفي كل ما اقترفت أيديهم، لأنهم عاجزون عن الفعل والمبادرة ولا يمتلكون أسباب التغيير و لا الرغبة فيه. ويوجد بين المسلمين اليوم من يكرس هذه الحقيقة، ويجعلها أمرا ربانيا نافذا، ومازال بيننا من يعتبر تسلق الغرب لسلاليم التفوق والنجاح تسخيرا من الله لهم لخدمة المسلمين، فهم يتعبون ويشقون ونحن ننعم بما يصنعون.!!!. وبعد ذلك لا نمل من تكرار السؤال : لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟.
تلك هي ثقافة التيئيس التي نجحت في إبقاء الوضع على ماهو عليه برعاية سامية من فقهاء السلطان و مفتي الفضائيات الذين يخوضون في فتاوى آخر زمان. وما على الإنسان المسلم الخاشع لله تعالى إلا أن يرفع أكف الضراعة لرب العالمين بمزيد من الدعاء... آمين... محمد مغوتي.04/06/2010.
التعليقات (0)