مواضيع اليوم

هل انتهى رأس الشر؟

علي مسعاد

2009-08-21 15:48:33

0

كنت أبحث في محرك "كوكل" عن كلمة "شر" وعن السياق الثقافي والسياسي والتاريخي والديني لهذه الكلمة/ المصطلح/ المفهوم، وسبب استقصاء لهذي الكلمة هو التبين عن مصطلح محور الشر الذي وظفته الإدارة الأمريكية السابقة على عهد بوش الابن، والذي كانت تقصد به ثلاث دول منها ثنثان إسلاميتان مضافا إليهما كوريا الشمالية، فوجدت أن هذا المصطلح عند الأمريكان أصله ديني إنجيلي مسح عنه الغبار وتم تحيينه وإقحامه في السياسة الدولية على عهد المسيحيين الأصوليين الموالين للكيان الصهيوني ضد الحقوق المشروعة لأمننا القومي ... هذي ليست معلومة جديدة وددت أن أكتب عنها مخصصا لها مقالا، بل ما أردت أن أشير إليه هو أني وجدت عنوانا مثيرا سبق أن قرأته في حينه بجريدة "الشرق الأوسط" بتاريخ 09-06-2006 بعنوان " العراق: نهاية رأس الشر" ورأس الشر في العراق الذي عنونت به الجريدة المقال الإخباري المذكورهو مقتل أبو مصعب الزرقاوي في العراق على يد القوات الأمريكية، فالمقال لم يكن مهنيا تماما، وهذا ليس دفاعا عن الزرقاوي طبعا، فالرجل في ذمة الله وهو وحده سبحانه وتعالى الكفيل بحسابه، ولكن المقال كان منحازا لجهة معينة وحطبا في حبل الاحتلال الأمريكي ولا شك، لا سيما أن الخبر تزامن مع تدني شعبية الرئيس بوش حينذاك، علاوة على أن الخبر لم يفرح إلا حكام العراق الجدد من الطائفيين الذين قدموا على ظهر الدبابات الأمريكية، أما جمهور الأمة لم يبال بالخبر إن لم نقل: إن البعض ساءه سماع الخبر، ولا زلت أتذكر أني كنت حينذاك مسافرا ما بين مدينتي العروي والناظور وكنت أرى وجوما على وجوه الناس في الشارع ومحطات الحافلات، فكنت ألحظ حتى الحشاشين في المقاهي يناقشون الخبر والغضب يتطاير من عيونهم غير مبالين بنتائج مباريات كأس العالم التي كانت تحتضنها ألمانيا عام 2006!!

قلت بأن الخبر لم يكن مهنيا من حيث أعراف الصحافة المتعارف عليها عالميا، فلم توضع كلمة الشر بين مزدوجتين أو بين قوسين، ما يوحي أن الجريدة لم تضع مسافة حيادية بينها وبين الخبر، بل تبنت هذا الحكم القيمي وأمثاله التي حبل به المقال المذكور، وأما مضمون المقال فكله معطيات ومعلومات ملفقة باستثناء خبر القتل، فالمعطيات التي بني عليها المقال كلها مصطلحات مغروفة من معاهد ومراكز البحث المعادية للمجال التداولي العربي والإسلامي، ليس هنا مأزق الخطاب الإعلامي الذي تتبناه جريدة الشرق الأوسط، ولكن الأمر أكثر من ذلك فقد حصلت على معلومة حكاها لي أحد الزملاء وهو صحافي في هيئة التحرير كان حاضرا آنئذ في مقر الجريدة في لندن يوم اغتيال الزرقاوي، فقد حكى لي هذا الزميل أن الأمير فيصل بن سلمان رئيس مجلس الإدارة ومالك أغلبية أسهم الصحيفة سمع بخبر مقتل الزرقاوي ودخل إلى مقر الجريدة ووجهه يشع فرحا وزف خبر قتل الزرقاوي لطاقم الجريدة وذهب عند الصحفي المصري محمد الشافعي المسؤول عن صفحة "الإرهاب" وبشره بالخبر وقال له شامتا: البركة فيكم... ما يعني أن هناك تماه مفضوح بين الخطاب الرسمي العربي وبين الاحتلال الأمريكي والصهيوني !!

لا أريد أن أستطرد في نقاش الخط التحريري لجريدة الشرق الأوسط، ولا أسعى إلى نقاش المقال وتقييمه من حيث المهنية ومضمونه "الفكراني" الذي نختلف معه في إطار سنة المتافنة والمدافعة التي تحض عليها قيمنا الأخلاقية والروحية وتقرها الفطرة الإنسانية السوية كما في الدول الديمقراطية التي تعطي شأنا لسنة الاختلاف فعاشت في كنف الاستقرار والسلم الاجتماعي حين اعترفت بقيمة الوطن وبدور المواطن في الذود عن كيانه الذي يحيا فيه، ونالت احترام الأجنبي لما تصالحت مع ذاتها. ناهيك على أن موقفي المبدئي أن الزرقاوي أضر كثيرا بالمقاومة المشروعة في العراق، وهذا لم تذكره الجريدة لأنها ضد أي شيء يمت بصلة للمقاومة سواء كانت مقاومة مسلحة كما في العراق أم في فلسطين أم في أفغانستان أم لبنان.. فهذا كله إرهاب في إرهاب، وقد اتضح هذا المنحى التحريري( من الخط التحريري طبعا) جليا في الحرب على غزة في بداية هذا العام، ثم أن الجريدة ضد المقاومة المدنية التي تخوضها الجمعيات الحقوقية وقوى المجتمع المدني من أجل المطالبة بحقوق المواطنة غير المغشوشة!!

ما يهمني ، هنا والآن، هو أن أسترشد بالسؤالين التاليين: لقد مرت أكثر من ثلاث سنوات على مقتل أبو مصعب الزرقاوي في غرب العراقي في قرية مهيب مع زوجتيه وزعيمه الروحي المدعو عبد الرحمن...فهل انتهى الشر فعلا؟ أكيد أن الشر لا زال مستمرا، ما يعني أن الزرقاوي اذا سايرنا "منطق" الجريدة هو فرع الشجرة وليس جذرها الرئيس... فما يكون أصل الشر يا ترى؟؟

صحيح أن الزرقاوي تحول إلى أسطورة منذ احتلال العراق، كانوا يتحدثون عنه وينسبون له أفعالا تقشعر منها الأبدان، ثم يعودون فيشككون في وجوده أصلا إلى أن ظهر في شريط يتجول في صحراء بعقوبة ووصل به الغرور أن كشف عن نفسه متحديا الاحتلال وأذنابه في المنطقة، غير أن سبب تحوله إلى أسطورة هو الاحتلال الأمريكي للعراق الذي استنسخ منه أعدادا غير معلومة من القنابل البشرية الموقوتة. إننا حين نعتبر الزرقاوي رأس الشر فكأننا نحاسب بطل الفيلم ونعفي المنتج والمخرج من المسؤولية، لذلك إني أزعم أن الزرقاوي هو من إنتاج الاحتلال الأميركي، وحين نجعله رمزا للشر فإننا ندين النتيجة ونصرف النظر عن السبب.. فهل الاحتلال بشكل عام والأمريكي في العراق على وجه الخصوص أصل الإرهاب أم لا؟؟ ... هذا هو السؤال، وهذه هي الحقيقة الأولى.

كما أني أري أن الاحتلال الأمريكي والصهيوني أيضا ليسا وحدهما هما من أنتجا الإرهاب بتعبير الإعلام الرسمي، ولكن الإرهاب هو نتاج الاستبداد الداخلي الذي خنق الحريات وضيق على عيش المواطن، فأضحينا نعيش ثنائية جد خطيرة تسم واقعنا العربي هي: الحاكم المعصوم والمواطن المحروم، فالمواطن العربي هو محروم في حقه أن يحيا حياة كريمة كما أخيه في بلاد أفريقية حتى لا نقول أوربا، في مقابل حاكم معصوم مستول على الحكم والثروة بحد السيف، لا فرق بين هذا النظام وذاك النظام في عصر الجملكيات العربية، فليس هناك أنموذج عربي يمكننا أن نفاخر به، لا فرق بين من تبنى الخيار العلماني الفاشستي وبين من تقنع بالإسلام الأموي، فباسم القومية العربية تمت مبايعة ابن معاوية من جديد في الشام ضدا على الدستور، وفي بلاد أم الدنيا تخلص فرعون من تحنيطه وعاد من البحر "يتحدى" موسى ليحكم مصر لتتحول البلاد من أم الدنيا إلى جدة الدنيا، وفي بلادنا تحولت جموع غفيرة من المواطنين بفعل ماكينة الإقصاء المخزني إلى جاليات مغربية بالمغرب، وسارعت حركات إلى قتل عقبة بن نافع على الحدود الشرقية ووقفت مدافعة عن كسيلة "الشهيد" بعبارات معجم أنصار التجزئة، والبعض منا لزم خلس بيته ووضع أصابعه في أذانه واستغشى ثيابه وكان من الخوالف...الخ.

إن التجزئة والصهينة والتطبيع والاستبداد السافر والتبعية السياسية والطائفية المقيتة وتبدير أموال الأمة وثرواتها والتخلي عن حقوقنا المشروعة في التحرر والانعتاق من ربق الاحتلال الخارجي والاختلال الداخلي هي سبب كل الشرور والتشوهات الاجتماعية ولا شك. فحين لا يجد المواطن حزبا يعبر عن قناعاته وأهوائه السياسية، وجمعية ثقافية ليتعلم في أجوائها قيم المواطنة الحقة، ومسجدا يوجه سلوكياته ويعزز أخلاقه، وإعلاما يثقفه ويسليه، ومدرسة تلبي حاجياته التي يتطلبها العصر، ومجتمعا مدنيا قويا يدافع عنه من أجل نيل حقوقه المدنية ضد شطط السلطة... فماذا يمكن أن ينتج هذا المجتمع سوى الشرور وليس شرا واحدا، فالشر هو نتيجة لمقدمات، وإفراز طبيعي لواقع اجتماعي موبوء، وهو فرع عن أصل، والأصل هو الاحتلال الخارجي والاختلال الداخلي، وهذي هي الحقيقة الثانية.

وحين تتحرر الأمة من الاحتلال الخارجي المباشر وغير المباشر وتستطيع أن تؤسس إجماعا وطنيا حول القضايا الرئيسة وكيفية مواجهتها دون وصاية من الخارج ولا إقصاء لطرف في الداخل سواء كان أمير أو أجيرا... هنا يحق لنا أن نقول : إنها نهاية الشر في بلادنا !!

أليـس كذلــــــك؟؟

ختمــــــــة وجمــــــــة :

مما لا شك فيه أننا نعيش في عصر "الدولة ضد الأمة" بتعبير المفكر برهان غليون ..... قرارها لا ينبع من مجالس شورية ودستورية، ولا من بيت الله والحرمين كما صدعوا رؤؤسنا، بل من ذلك البيت.... البيت الأبيض أقصد... وهاكم مثالين :

1- يذكر الصحفي المصري الصديق حسام تمام المختص في الحركات الإسلامية، أنه لما سمع بخبر مقتل الزرقاوي دخل عند رئيس تحرير جريدة يسارية في القاهرة وأخبره بنهاية الزرقاوي، فكان رد فعل هذا الصحفي اليساري أن كتم وجهه بين يديه واستسلم للبكاء...!!

2-لا زلت أتذكر حلقة في برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة بعد اغتيال الزرقاوي حضرها الدكتور نوري المرادي عن الحزب الشيوعي العراقي، فكان الرجل يترحم على الزرقاوي وجعله من الشهداء، بل أكثر من هذا كان يبرر كل أفعاله باستثناء الاختلاف معه حول الإيديولوجية وحسب!!

قد يبدو الأمر غريبا بالنسبة لبعض القراء... و هذي هي الحقيقة الثالثة والأخيرة !!

خارج السيــــــاق :

تذكرت واحدا من الشرور الذي يعصف بالإنسانية خلال هذه الأيام وهو أنفلونزا الخنازير، وهو مرض إرهابي ولا شك وشر عجز الطب عن وجود نهاية له، وتساءلت مع نفسي :هل ستمنع السلطات في أوطان العرب والمسلمين صلاة التراويح في المساجد بمناسبة شهر رمضان الكريم خوفا من المرض الإرهابي أنفلونزا الخنازير، حتى لا نقول أن المساجد أضحت عند البعض "منا" مؤسسة تفرخ الإرهاب؟!!

النسبة لي هذا مجرد تخمين ...ولكنه السؤال " الهادف" لنحرص على " عزالدين"على طريقة "نيشان كي المنجل" الذي يعتدي على مفهوم العلمانية ويطوح بهذا المفهوم الفلسفي إلى أسفل دركات ما تحت ما بين الفخذين وفي مقرات "ثقافة" السفاهة والتفاهة .....قال بأنه مثقف علماني ...علماني يخاطبنا ويعظنا من على منبر "ظهر الفيل" أي من فوق صندوق الروج متكأ على عصاه حتى لا ترتطم "جبهته" على الأرض ويتهموه بالصلاة تقية......قال بأنه مثقف، نعم مثقف علماني .........بشاااااااخ!!

رمضان كريم أهله الله عليكم بالسعادة والطمأنينة .......%

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !