لماذا خرج أبناء غزة إلى الشارع فور الإعلان عن انتهاء إطلاق النار وانتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع؟. هل خرجوا حقا للاحتفال بالنصر أم نزلوا ابتهاجا بنهاية جحيم عاشوه خلال خمسين يوما؟... طبعا، لا يسع كل من يمتلك ضميرا حيا إلا أن يهنئ أهالي غزة بدخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ، فهذا الشعب يستحق الحياة، ومن حقه أن يعيش ككل الشعوب الحرة في فرح وأمن بعد كل المعاناة والخسائر التي تكبدها نتيجة العدوان الإسرائيلي الوحشي. لكن تداعيات حرب غزة ونتائجها ينبغي أن نفهمها بعين العقل وليس استنادا للعاطفة الجياشة التي دفعت قادة حماس إلى التغني بما أسموه "انتصارا" على إسرائيل.
إذا اتفقنا على أن إسرائيل لم تنتصر في حربها على غزة، لأنها لم تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة من عمليتها العسكرية، وغزة لم تنكسر لأن أبناءها استطاعوا الصمود والمقاومة بالرغم من همجية وقساوة الآلة الحربية الإسرائيلية، فإن المؤكد أن ضريبة هذه المقاومة كانت فادحة، فقد أسفرت عملية " الجرف الصامد" ( كما سماها الإسرائيليون) عن آلاف القتلى والجرحى من الفلسطينيين الأبرياء، وخلفت دمارا هائلا تحتاج معه غزة إلى وقت طويل وأموال طائلة لإعادة الإعمار من جديد. ثم إن الضربات العسكرية أضعفت البنية الدفاعية للمقاومة بشكل كبير بالرغم من استمرار حماس في إطلاق بعض الصواريخ على ضرب مواقع إسرائيلية إلى حدود الساعات الأخيرة للحرب. ومن الصعب في ظل الحصار المضروب على غزة أن تتمكن حماس وباقي الفصائل الفلسطينية التي تتبنى خيار المقاومة من تسليح نفسها بالشكل الكافي لمواجهة أي عدوان إسرائيلي جديد قد يحدث في المستقبل. فهل بعد كل هذا يمكن الحديث عن انتصار حماس وانهزام إسرائيل ؟.
إن خطابات النصر الخادعة التي تتردد على مسامعنا بعد كل جولة من جولات القتل والتشريد التي تخلفها آلة الحرب الإسرائيلية، ليست إلا كلاما عاطفيا لا يعبر عن حقيقة الواقع. فقد تعودت إسرائيل في كل مناسبة تتاح لها على مدار تاريخها الملطخ بالدماء أن تنكل بالفلسطينيين وتمعن في قتل الأطفال وتشريد الأسر. غير أن الحروب الإسرائيلية على غزة في السنوات الأخيرة كان بالإمكان تجنبها لولا أخطاء حماس، فالمقاومة حق طبيعي لكل المستضعفين والمظلومين في كل مكان. والمقاومة الفلسطينية بهذا المعنى هي رد للعدوان والإحتلال الإسرائيلي، لكن الشروط الذاتية والموضوعية لا تسمح بمقاومة حقيقية للمحتل في ظل الإنقسام الفلسطيني والتخاذل " العربي". وبما أن حماس تدرك جيدا بأن العدوان الإسرائيلي يكون قاسيا وهمجيا في كل مرة فإنه كان حريا بها أن تجنب الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة على الأقل جحيم النيران، وتوفر لهم أسباب العيش الكريم بدل اعتقال أكثر من مليون مواطن في علبة سردين محاصرة من الداخل والخارج. لقد كان جديرا بحماس أن تعمل مع كل الفرقاء الفلسطينيين على رص الصف الفلسطيني بدل المقامرة بالأبرياء العزل في حروب خاسرة.
إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي اعتبرته حماس نصرا لها، يمنح لإسرائيل مبررا واضحا لفرض حرب مستقبلية على أبناء غزة، ولا يبدو أن الفلسطينيين سيستفيدون ( ولو من باب رب ضارة نافعة) كثيرا من نتائج الحرب الأخيرة،إذ يكفي أن نلقي نظرة على البنود الأساسية في الإتفاق لنستنتج أن إسرائيل مازالت تمسك بزمام الأمور بالرغم من بعض التنازلات التي قدمتها، والتي ليست في العمق إلا جزءا من اتفاقيات سابقة في إطار مسار السلام مازالت الدولة العبرية تتملص من تنفيدها. فقد نص الإتفاق على مجموعة من النقط الفورية المجملة في مايلي :
- توافق حركة "حماس" وباقي الفصائل في غزة على وقف إطلاق كل الصواريخ على إسرائيل.
- توقف إسرائيل كل العمليات العسكرية بما في ذلك الضربات الجوية والعمليات البرية.
- توافق إسرائيل على فتح المزيد من معابرها الحدودية مع غزة للسماح بتدفق أيسر للبضائع بما في ذلك المعونة الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع.
- في إطار اتفاق ثنائي منفصل توافق مصر على فتح معبر رفح على حدودها مع غزة.
- يتوقع من السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس تسلم المسؤولية عن إدارة حدود غزة من " حماس".
- تتولى السلطة الفلسطينية قيادة جهود إعادة الإعمار في غزة مع المانحين الدوليين بما في ذلك الإتحاد الأوربي.
- ينتظر من إسرائيل أن تضيق المنطقة الأمنية العازلة داخل حدود قطاع غزة من 300 إلى 100 متر إذا صمدت الهدنة.
- توسع إسرائيل نطاق الصيد البحري قبالة ساحل غزة إلى 6 أميال بدلا من 3 أميال، مع احتمال توسيعه تدريجيا إذا صمدت الهدنة.
هذه النقط الفورية إذن يبدو أنها متوقفة على الشرط الأول في الإتفاقية، وهذا يعني أن معايير المقاومة التي تنتهجها "حماس" هي نفسها التي ستمنح إسرائيل مبررا جديدا لعدوان محتمل عاجلا أم آجلا، لأن أن إطلاق أي صاروخ من غزة في اتجاه إسرائيل يعني العودة إلى المربع الأول. وبالتالي إبقاء الوضع على ماهو عليه. أما المطالب الفلسطينية الأخرى المتعلقة بالأسرى والميناء والمطار وغيرها فمازالت تراوح مكانها. فعن أي نصر تتحدث حماس؟.
محمد مغوتي. 28 – 08 – 2014
التعليقات (0)