الوزارات العربية مشغولة بكل شيء ، مهتمة بكل مهم أو غير مهم إلا المواطن العربي المسكين ، فهو في آخر سلم أولوياتها ، فالبرامج التنموية ذات الأهداف الطموحة الآنية والمستقبلية ، التي ترقى بالمواطن العربي البسيط في الأرياف والقرى وجيوب الفقر ، ومناطق الاكتظاظ ، والأماكن البعيدة عن المدن والتي يمكن أن تغير من نمط حياته إلى الأفضل بصورة جدية وفعالة ودائمة معدومة على الإطلاق .
وتقف بنوك تنمية المدن والقرى موقف المتفرج العاجز قليل الحيلة عديم الوسيلة لا حول لها ولا قوة ، إلا أن تصرف رواتب موظفيها ضمن ما يسمى البطالة المقنعة أو المقنعة .
بعض الخطط التي تنفذها الحكومات العربية والموجهة إلى الطبقة الكادحة والدنيا من أبناء المجتمع العربي وكما يسمونهم الأقل حظا لا تعدو أن تكون عملية إعلامية .. خير مثال عليها مشروع حنفية الماء التي تعطلت بعد الافتتاح المهيب في فيلم دريد لحام ( التقرير ) فالمشاريع التي تنفذ تنفذ بلا تخطيط وبلا دراسة وهي مجرد هبة أو نخوة تصيب احد المخلصين .. فما أن يبادر للعمل حتى يصطدم بالواقع المر والروتين والبيروقراطية والمحسوبية والشللية فيسقط المشروع من بدايته ..
لماذا لم نرى قرية تنموية ذات أهداف تنموية مستدامة ؟ لماذا لا نرى مشاريع اقتصادية تنموية تحسن من مستوى دخل الفرد وبالتالي رفع مستوى الرفاه الاجتماعي للفرد العربي المطحون تحت وطأة لقمة العيش التي قلما تجد مواطنا عربيا لا يصفها بأنها مرة كالعلقم .
لماذا نجد الكيان الصهيوني يتقدم علينا في المجالات كافة ، وهو يعيش في بيئة مثل بيئتنا تماما ، من حيث الموارد ومصادر الثروة الطبيعية بل أقل بكثير ، فحجم الموارد الطبيعية في فلسطين الخاضعة للكيان المحتل اقل بكثير مما هي عليه في الكثير الكثير من البلدان العربية .. ولكننا نجد القرى والأرياف والمستوطنات الخاضعة للكيان الغاصب كأنها جنة في الأرض .. حدائق ...مسابح .. طرق .. بنية تحتية متينة مدروسة ..مستوى دخل يفوق مستوى دخل المواطن العربي في أكثر الدول العربية دخلا واستثمارا .. بل نجد الجندي عندهم يتمتع بميزات تتفوق على اعتى جنود العالم .. مع الأخذ في الاعتبار أنهم كيان عسكري بامتياز ..
بل الأكثر من ذلك ، أن المناطق العربية المحاذية للكيان الصهيوني ..بينما ينغل فيها التخلف ، وتلفها الكآبة ، ويغمرها الفقر ، نجد الضفة الأخرى تتميز عليها وتتفوق بكل أشكال التميز من الناحية الحضارية والاقتصادية ، بل سعت الدولة اليهودية عبر الحكومات المتعاقبة إلى بث روح الحماس والشعور بالولاء والانتماء لدولتهم أكثر بكثير جدا مما يشعر المواطن العربي حتى في أكثر البلاد العربية تربية عقائدية وحزبية ورفاه اجتماعيا واقتصاديا ..
فكانت فكرة الكيوبتسات ( المزارع الجماعية التي تمكنت اسرايئل من استخدامها بأروع صورة .. حيث عمدت إلى توطين اليهود الروس القادمين من روسيا بما يملكون من فكر تعاوني اشتراكي في بلدهم الأم ومهدت لهم السبل ليكونوا مجتمعا زراعيا جماعيا متعاونا ( التعاونيات الزراعية ) للتتطور من بعد وتتحول إلى قرى أو مدن كبيرة .. عبر تطور محكم مبرمج منظم . في الوقت الذي لم ينسى فيه الساسة برمجة المواطن في أن يكون مواطنا منتجا عاملا منتميا وفي الوقت ذاته جنديا مدربا مسلحا قادر على الدفاع عن نفسه بل ليس هذا وحسب بل قادر على الهجوم والمبادرة والضرب بقوة ..
وطبعا سيجد الحماية والدعم من حكومته التي لن تصفه بأي حال من الأحوال بالإرهاب أو العمالة أو تخريب البلد أو العمل على زعزعة الأمن وإثارة الفوضى والفتن ..وبالطبع لن تصفه وتصنفه إلى جانب جمعيات أو أحزاب أو قواعد خارج حدود الكيان . هو مواطن مدعوم وليس مدعوس بكل ما تحمل الكلمة من معنى .
اسمع كثيرا عن ميزانيات البلديات والمجالس القروية .. وارى المبلغ عظيما عظيما جدا بالمقياس المحلي ... ولكني لا أجد أي تنمية أو استثمار أو تطوير في المدينة أو القرية .. فهي على حالها منذ أن تأسست ولم يتغير فيها شيء ..إلا التراجع في مستوى الخدمات المقدمة للمواطن الذي يتحمل العبء الأكبر من تكاليفها المقدمة له من ما وكهرباء وهاتف وطرق ونظافة وصرف صحي غالبا ما يفيض ويجري في الشوارع حيثما اتجهت ليشكل مكرهة صحية ..
هل ناقشت الحكومات العربية وضع البلديات ..هل ناقشت إمكانية تجميل المدن العربية بما تيسر من إمكانيات بدل هذا البؤس الظاهر .. حتى أصبحنا فرجة للعالم .. يأتون إلينا ويتفرجون على تخلفنا ونحن نعيش كأننا في العصور الوسطى .. يأخذون الصور التذكارية وهم يتندرون على حالنا وما صار إليه مآلنا ..
إن التنمية العربية في شتى المجالات ليس في مجال البنية التحتية للبلديات والقرى بل على مختلف المستويات بنظرة الناقد المحب وليس الناقد الحاقد إنما تسير من سيء إلى أسوء للأسف الشديد .. فماذا لو عمدت البلديات إلى التمنية الذاتية ولاستغناء عن الدعم الحكومي من خلال الاستثمارات في البلديات والمجالس القروية .. من خلا بناء الأسواق والمجمعات التجارية ... والاستغناء عن الكثير ممن يسجلون للعمل في البلديات في أعمال ليس لها ضرورة على الإطلاق ..
فمثلا عندنا في مدينتنا المئات من عمال مراقبي الأسواق الذي لا يعملون بالفعل ولا يراقبون الاسوق بالفعل ، وهم عالة على البلدية ، وحمل زائد ولا فائدة ترجى منهم بالإضافة إلى خلفية تعينهم القائمة على أسس المحسوبية والشللية والواسطة والخوف منهم حيث أن غالبيتهم من خلفية ذات سجل امني غير نظيف .. وترى ذلك في سحناتهم وأجسادهم وتصرفاتهم من آثار الطعنات والضربات القديمة وآثار الوشم البادي على كل ما ظاهر من أجسادهم ..
وبعد أي زائر لبد عربي ، وقد أتيحت لي الفرصة أن أتجول في أكثر من بلد عربي ، أي زائر سجد النط المتخلف نفسه .. وكأنه نسخة مكررة ، حتى في البلدان التي تعتبر وجهة سياحية من الطراز الأول . شيء ما يصيبك بالغثيان والرغبة بالاستفراغ حالما تقف على الحدود .. فهي غالبا ما تنبي عما يأتي .. أو كما يقولون المكتوب بنعرف من عنوانه .
التعليقات (0)