هل المقاربة الأمنية كافية للقضاء على الإرهاب؟.
منذ أحداث 11 شتنبر 2001 وما تلاها من تداعيات، أصبح موضوع الإرهاب يستأثر باهتمام خاص ضمن الأجندات السياسية في كل دول العالم. ولأن العالم الإسلامي يعتبر المعني الرئيسي بالمسألة، فقد كانت المقاربة الأمنية عنوانا أساسيا في سياق الحرب المعلنة على الإرهاب في مختلف الدول الإسلامية.
لقد نجحت استراتيجية استعمال القوة إلى حد بعيد في تراجع غول الإرهاب. و تمكنت القوى الأمنية في تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية في عدد من الدول الإسلامية. و الواقع أن المجهودات التي بذلت في هذا الإطار تستحق التقدير، خصوصا و أنها جاءت في سياق مجهود دولي مشترك لاستئصال هذا الورم الخبيث. لكن هذا لا يعني أن الإرهاب مجرد سحابة عابرة. فهو سيبقى دائما هاجسا يؤرق الجميع في كل مناطق العالم. لذلك فإن حملة الإعتقالات المنظمة و النجاح في تفكيك الشبكات الإرهابية تبدو غير كافية على الرغم من نجاعتها على المستوى المرحلي. ولن تستطيع كل سجون " غوانتانامو " في العالم أن تقضي على الظاهرة. و الخطر الحقيقي الذي يمثله الإرهاب يقع على المسلمين أكثر من غيرهم. طبعا هذا لا يعني أن الإرهاب منتوج إسلامي صرف، لكن كل المآسي التي خلفتها العمليات الإٍهابية خلال العقد الأخير كانت ترافقها أصوات التكبير و التهليل، مما جعل الإسلام في قلب عاصفة الإرهاب. و خلف ذلك فكرة نمطية لدى الغرب يصعب تصحيحها، تنظر إلى هذا الدين كمرادف للقتل و العنف. و هذا الربط المباشر بين الدين و الإرهاب له ما يبرره استنادا إلى طبيعة المرجعية الدينية " للفكر الجهادي ". و عندما يتعدى الموضوع مستوى التصرف الفردي أو الجماعي المحدود، و يصبح متعلقا بخلفية فكرية تضع في اعتبارها أفقا سياسيا محددا تحاول بلوغه، يصبح الأمر في حاجة ماسة إلى ما هو أعمق من المقاربة الأمنية.
إن محاربة الإرهاب تقتضي القضاء على جذوره الحقيقية التي تتجلى في " تفكير التكفير " الذي يلقي بظلاله على الواقع الإسلامي. إننا في حاجة إلى مقاربة تربوية راشدة تستثمر في العنصر البشري و تراهن على المناهج التعليمية و وسائل الإعلام لتكوين جيل يعتز بانتمائه الديني و يدافع عن قيم التسامح و التعايش و الاحترام و الحق في الاختلاف. و تلك رسالة إنسانية كبرى تتطلب جهودا كبيرة و تضحيات جسيمة و إرادة جماعية. لذلك ينبغي التعامل مع المسألة في بعدها التربوي بالدرجة الأولى. و الإرهاب بهذا المعنى يمثل تجليا واقعيا لثقافة تغلغلت بشكل كبير في المجتمع، واستثمرت طبيعة العلاقات الإجتماعية السائدة، بالإضافة إلى المناخ الدولي الذي لا يعرف الإستقرار. وتلك ظروف ساهمت في تنامي الحقد و الكراهية و الإحساس بالغبن لدى فئات متعددة من المسلمين. وأصبح العنف وسيلة للفت الأنظار و بث الرعب في النفوس و تهديد الأمن العام.
إن إعادة النظر في طبيعة المناهج الدراسية، و التركيز على الخطاب الإعتدالي في التربية، و بث روح المبادرة الخلاقة و محاربة الفكر المتطرف بكل أشكاله، و احترام الكرامة الإنسانية، و تنظيم الشأن الديني و مراقبة فوضى الفتاوى، و الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام... تمثل تدابير عملية تشترك فيها مؤسسات الدولة و أفراد المجتمع من أجل تفويت الفرصة على الخطاب التكفيري الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من ظلال الظلامية الحالكة. محمد مغوتي.26/07/2010.
التعليقات (0)