هل الكون بلا خالق؟؟.
ينفي عالم الفيزياء الإنجليزي الشهير " ستيفن هوكينغ " في كتابه المرتقب " المشروع العظيم " فكرة الخالق. و هو بذلك يتحدى الضمير الإيماني، ويفتح ساحة جديدة للمواجهة بين العلم و الدين. لذلك كان من الطبيعي جدا أن تلقى نظرية هوكينغ الجديدة اهتماما واسعا. و يبدو أنها ستثير نقاشا محموما عندما يصدر الكتاب في الأيام القليلة المقبلة.
عندما يتحدث هوكينغ عن النظام الكوني كما تفهمه النظريات الفيزيائية الحديثة، فإنه ينسجم مع قوانين العلم الموضوعي الذي لا يعترف بالتفسيرات الميتافيزيقية للعالم. وقد كانت هذه القاعدة دافعا مهما لتطور العلم و نجاحه في الإجابة عن كثير من أسئلة الكون الغامضة. ذلك أن الإيمان الديني كان دائما يشكل عائقا أمام تحقيق معرفة إنسانية دقيقة بأمور الكون. وهذا ما يفسر الطفرة الكبيرة التي حدثت بعد سقوط وصاية الكنيسة في أوربا، حيث تحرر العقل من سلاسل الرقابة الدينية التي كانت تعتبر أمور الكون خطوطا حمراء لا ينبغي المساس فيها بقدسية التصور الديني الذي ظل يمثل الحقيقة المطلقة لمدة طويلة. و هكذا نجح العقل البشري في اختراق مجاهل الكون، وتوصل من خلال النظريات الفيزيائية إلى فهم كثير من قوانين و أنظمة الحياة في هذا العالم الواسع. لكن أسئلة كثيرة مازالت في حاجة إلى أجوبة قد لا يكون بإمكان المنهج العلمي الوصول إليها. وهنا تكمن نقطة الضعف في الفكرة التي يدافع عنها " هوكينغ".
العالم إذن من وجهة نظر " هوكينغ " يمكن أن يخلق من عدم. و لا يوجد أي دور لله في نظريات تكون الكون. فالقوانين الفيزيائية هي التي تفسر كيفية نشوئه. هذه الفكرة تجد سندا لها في النظريات العلمية المشهورة و خصوصا في " البيغ بانغ" و "الجاذبية" و " الإصطفاء الطبيعي". لكن العلم في هذه النماذج النظرية يكتفي بالبحث عن القوانين التي تفسر هذه النظريات. أما فعل الخلق فلا يتوقف عند تلك القوانين بل يتعداها إلى باعثها و مدبرها. و هنا ينبغي استحضار مفهوم السببية كعنصر يفرض نفسه بقوة في هذا النقاش. و إذا كانت مهمة العلم هي التعامل مع السببية في مستواها الفيزيقي فحسب، فإن تعقيد الكون و نظامه العجيب يفرضان على العقل التحليق في آفاق أخرى لا علاقة لها بالعلم لكنها مقبولة من الناحية المنطقية على الأقل. و هنا ستنتهي سلسلة البحث في الأسباب حتما إلى سبب أول يتجلى في فكرة الله أو المحرك الأول كما كان يسميه أرسطو. و هي الفكرة التي يستبعدها هوكينغ، ويجعل العقل البشري حائرا في الإختيار بين الله و القوانين الفيزيائية. و هو بذلك يفصل تماما بينهما. و قد قرأت بهذا الشأن تعليقا في صحيفة " الدايلي ميل " البريطانية للبروفيسور" جون لينوكس " أستاذ الرياضيات في جامعة أكسفورد و الباحث في الإبستيمولوجيا. حيث يرى أن " هوكينغ " مخطئ في نظريته، واعتبر أن تخييرنا بين الله و القوانين الفيزيائية يشبه الدعوة إلى الإختيار بين مهندس الطيران " فرانك وايتل" و القوانين الفيزيائية التي تشرح نظام محرك الطائرة النفاثة. إذ لا يمكن الحديث عن هذه القوانين بدون ذكر هذا المهندس الذي صاغها. و هذا يعني أن القوانين الفيزيائية لم تأت من فراغ و لم تنشأ لذاتها بل لابد لها من مدبر أول بثها في نظام الكون.
و سواء تحدثنا عن الجاذبية عند نيوتن أو النشوء و الإرتقاء عند داروين مثلا فإن التفسيرين لا يلغيان فكرة الله لأنهما يشرحان النظام الكوني من خلال قوانين تنتمي إلى الطبيعة، لكن المسكوت عنه هو مصدر تلك القوانين. أي أن قوة ميتافيزيقية هي التي بثت تلك القوانين الفيزيائية التي أصبحت بعد ذلك من نسيج الطبيعة ذاتها. و تلك القوة هي ما ننتهي إليه عندما نبحث في أصل الكون حيث يعجز العلم عن الصمود أمام سلسلة الأسئلة. و إذا كان هوكينغ يتحدث بخصوص " الإنفجار العظيم " عن حدث فيزيائي ذاتي فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو : ما مصدر العناصر الفيزيائية التي أحدثت ذلك الإنفجار؟ و من خلق تلك العناصر.؟ و من المؤكد أن فكرة الله توجد في قلب الإجابة عن مثل هذه الأسئلة. محمد مغوتي.06/09/2010.
التعليقات (0)