هل العربية لغة مقدسة؟؟.
هذا السؤال لا يبتغي اثارة العواطف، ولا يتأسس على أي تصور عنصري أو انتماء هوياتي ضيق. انه يستهدف فتح نقاش عقلاني هادئ ورزين، يتجاوز النقاشات التبسيطية الى مستوى الخطاب الثقافي المتعالي عن الذاتية و الأنانية.
من الواضح أن صفة القداسة التي يمنحها الكثيرون " للغة العربية " تتخذ مشروعيتها من النص الديني الذي يتجلى في القرآن الكريم. ونزول القرآن على رسول اله صلى الله عليه وسلم بلسان عربي، يمثل شرفا للغة العرب. وقد جاء في عدد من الآيات ما يشير الى هذا التشريف في مثل قوله تعالى: " انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " ( الزخرف:3 ). وقوله أيضا: " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " ( فصلت3 )....وهكذا يمنح القرآن اللغة العربية درجة رفيعة بين لغات العالم لأنها احتوت الكتاب المهيمن على ما قبله. وهذا جدير بأن يمنحها الهيمنة على كل اللغات الأخرى لأنها لغة خاتم الأنبياء والمرسلين. وانطلاقا من هذه الحقيقة تستحق اللغة العربية أن تكون لغة العالمين...
ان هذا الربط بين القرآن ومكانة اللغة العربية أمر لا مناص منه، فالذي منح العربية هذه المكانة هو الاسلام. غير أن نزول القرآن بلسان عربي كان أمرا عاديا جدا، مادام حامل رسالة الاسلام ينتمي الى أمة العرب، ويتكلم بلسانها. ومن الطبيعي أن يخاطب قومه ويدعوهم الى الدين الجديد بلسانهم، والا لن تكتمل الدعوة في غياب هذا السنن اللغوي المشترك. وهو ما ينطبق أيضا على الفتوحات الاسلامية، اذ لم يكن بالامكان أن تصل التعاليم الاسلامية الى الأمم غير العربية التي فتحها المسلمون لو لم تتم مخاطبتهم بألسنتهم. وهذا لا يجادل فيه اثنان. لذلك فان محاولة اضفاء صبغة القداسة على اللسان العربي استنادا الى لغة القرآن أمر يحتاج الى اعادة نظر، لأن الارتباط هنا سبقه اصطفاء الله لنبي من العرب كخاتم للمرسلين. وهذا يجعل لغة القرآن عربية نسبة الى هذا الاختيار. لكن هذا الامتياز لا يرتفع الى مستوى القداسة. فالعربية لسان قوم كباقي اللغات الأخرى التي تحقق التواصل بين البشر. و في ما يرتبط بحفظ الله للقرآن في قوله : " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون "، نقرأ في التفاسير المعتمدة عند الطبري مثلا: ( انا للقرآن لحافظون من أن يراد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ماهو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه ). وعند ابن كثير:( وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل). وواضح أن المقصود بالحفظ هو مضمون الكتاب من أحكام وفرائض حتى لا يتعرض للتحريف والتبديل. ووجه القداسة في القرآن من هذا المنطلق يأتي من كونه كلاما الاهيا لا يتغير ولا يتبدل.
ان العربية لغة الفصاحة والبيان. وهذا أمر لا يمكن انكاره، لكن ذلك لا يعني أن تنفرد بالقداسة دون سائر لغات الدنيا. والمسلمون منتشرون في كل بقاع العالم. وهم في غالبيتهم لا يتكلمون لغة القرآن، ومع ذلك لا يمكن التنقيص من دينهم. وفهمهم للاسلام يتحقق أكثر بترجمة معاني القرآن الى لغاتهم. وهذا دليل آخر على أن مايحفظ في كتاب الله هو معانيه قبل ألفاظه. ذلك أن الترجمة تغير اللفظ لكنها لا تسيئ الى المعنى . وهذا هو المهم. لذلك يجب وضع الأمور في مستواها الصحيح، فاللغة العربية كانت وسيلة تواصلية لتبليغ رسالة الاسلام، ودورها ينتهي في هذا الاطار. ووضعها الاعتباري بسبب القرآن لا يجعل منها ركنا سادسا من أركان الاسلام.
محمد مغوتي.16/04/2010.
التعليقات (0)