مواضيع اليوم

هل الحكام العرب هم السبب؟؟

نزار يوسف

2009-04-26 20:10:09

0

من الأعراف السادة اليوم لدى الشارع العربي و على لسان المواطن العربي ، فيما يختص بعالم السياسة و ما يستجد من أوضاع سياسية و أحداث تدور في فلكها أو تمثل نتاج منبثق عنها .. عُرف التوجه باللوم إلى الحاكم العربي و اعتباره يمثل كل مآسي العصر الحالي الذي تمر به الأمة العربية و يعيشه المواطن العربي . و بموجب هذا العرف السائد ، فقد أصبح الحكام العرب هم السبب في كل ما يحصل في الأمة و العربية ، من مشرقها إلى مغربها و من محيطها إلى خليجها . و بشكل أساس ، يشارك في هذه المعمعة ( بغض النظر عن صحتها و موضوعيتها و مبرراتها العقلانية ، من عدمها ) خط المعارضة العربية على اختلاف مشاربه و اتجاهاته ، و على منسدح الساحة العربية كلها . يتابعهم على ذلك العامة من الجمهور العربي بما يشتمل عليه من بعض المثقفين و ذوو الاتجاهات و الميول السياسية الأخرى .


و قد وصلت قضية الهجوم على الحكام العرب مآلاً بليغاً حينما تحولت على ما يبدو إلى شيء من العرف الأخلاقي أو السياسي المتداول بانتظام و في منعطف و كل هنة و حديث سياسي عربي حتى و لو لم يكن من الضرر بمكان للعرب . فما أن يقترب موعد حدث معين كعقد قمة عربية أو اجتماع عربي ناتج عن قضية معينة أو مناسبة لذكرى حرب أو حدث آخر ، حتى تنبري الانتقادات كلها للحاكم العرب و تبرز صورة سوداوية قاتمة مكفهرة للحاكم العربي بحيث تسلط الأضواء كلها عليه بوضعية متماهية مع وضعية الممثل المسرحي فيما يعرف بمسرح المونودراما . و لكن هنا بدل أن يتكلم الممثل عن نفسه و يعبر عن ذواته المتعددة للنظارة ، يتم الحديث عنه و الإشارة إليه و تناوله من قبل الجمهور نفسه .

إننا لا نريد أن ندخل في جدل أو إشكالية مسؤولية الحاكم العربي بشكل من الأشكال ، عن الحال المزري للأمة العربية ، فنكون مع أو ضد . و لا نريد التطرق للأخطاء أو التصرفات التي تعزى للحكام العرب ، بعضهم أو جلهم لجهة المناقشة أو لجهة التبرئة و الاتهام . و لكن نريد من ناحية تحليلية حيادية بحثية أن نناقش الوضع العربي و عقلية الإنسان العربي كحالة ارتباط ، و ذلك من منطلق أبستمولوجي و لو كان مختصراً قليلاً ، ِلتعذُرْ الإسهاب فيه في مقالة كهذه . و الكلام ما هو كلام تبرئة .
إننا نتساءل .. هل الحاكم العربي هو المسؤول الوحيد الأوحد عما يحصل الآن في الساحة العربية ؟؟؟ و هل الوضع العربي الآن و ما يحصل من أحداث ، هو حالة منفردة مستقلة عن تاريخ الأمة العربية ، من الماضي السياسي الممتد من حضارة بلاد الرافدين و مصر القديمة و بلاد فارس و اليونان و الرومان مروراً بوقائع و أحداث القرون الوسطى وصولاً إلى القرن العشرين فالواحد و العشرين ؟؟؟ .


إن الأحداث و الوقائع العربية الحاصلة في الساحة العربية ما استجد منها و ما نما فاستفحل متحولاً لأمر واقع ، و التي يتعرض لها الإنسان العربي كواقع فعلي مادي أو كمشهد إعلامي صوتي مرئي ، حتى و إن بدت كأنها ظاهرة مستقلة عما سواها من أحداث ، هي مرتبطة بشكل أو بآخر بما سبقها من أحداث و وقائع ، و التي هي بدورها أيضاً قد ارتبطت بما سبقها . و لا يمكن بحال من الأحوال أن نحمل الحاكم العربي المسؤولية مطلقة كاملة ( نقول مطلقة كاملة ) عما يحصل من وقائع حالية هي حتماً نتيجة تراكم أخطاء و خلاخل متوالية تصاعدية . و المعنى المراد إجلاءه هنا هو أن الصورة تظهر و كأنه في زمن ما قبل الحاكم العربي كان العرب يعيشون دولة قوية منيعة خالية من المشاكل و الاحتلال و الصدامات و الصراعات و لا تستطيع أكبر دولة في العالم أن تتدخل في الشأن العربي . فجاء الحاكم العربي و وضع حد لهذا الازدهار العربي و التقدم و القوة و المنعة . جاء الحاكم العربي و قد كان العرب موحدون بكيان واحد و دولة واحدة فرسم هذا الحاكم حدود سايكس بيكو طالباً من رئيس البلدية سايكس و رئيس المصالح العقارية بيكو ، أن يضعا المخطط العقاري التنظيمي للوطن العربي . و كان اليهود في العالم غافلون عن شيء اسمه إسرائيل ، فجاء الحاكم العربي و ذكرهم بعهدهم القديم و توراتهم و دعاهم إليها .


لماذا نحمل الحاكم العربي شيء لا علاقة له به و لا ناقة له فيه و لا جمل ؟؟ لماذا نضع وزر كل الخطايا و الآثام المرتكبة في حق العرب و عروبتهم و قوميتهم ، على كاهل الحاكم العربي ؟؟ لماذا نتهم الحاكم العربي وحده فقط ، بالتآمر و الخيانة ، و ننأى بأنفسنا نحن عن كل خطيئة و أثم مرتكب ؟؟


بمنظور المحاكاة التحليلية السياسية و منظور الدراية التاريخية التراكمية لمسار الأحداث و الوقائع العربية بدءاً من عصر الانحطاط العربي الناشئ في أواخر العصر العباسي ، و حتى يومنا هذا . يتبدّا للعيان ، منطق المقارنة بين خطأ الحاكم العربي المرتكب بحق شعبه و دولته ، وبين ضعف هذا الحاكم . بمعنى هل أن القضية هي قضية حاكم عربي متملك للقدرات المادية المانعة لانهيار أمته ( أي كلي القدرة السياسية ) ولكنه عاجز فكرياً إلى درجة ارتكاب الأخطاء الفادحة الجسيمة المدمرة . أم هي قضية حاكم عربي ضعيف لا يمتلك أدنى مقومات السيطرة و التحكم بمجريات الأحداث السياسية الحاصلة من حوله ؟؟


من خلال منطق المقارنة و المحاكاة المذكورين آنفاً ، سيطغى افتراض ضعف الحاكم العربي ، بل و شلله ، حتماً . و ربما قد لا يعلم الكثير أنه في بداية عصر الانحطاط قد تنبهت بعض النخب من العرب للضعف الذي ينتاب الأمة العربية و من هؤلاء كان الشعراء و الكتاب و المفكرين ، و منهم على سبيل المثال لا الحصر المتنبي ، حيث يقول في قصيدة له :

و إنما الناس بالملوك و ما        تفلح عرب ملوكها عجم .

و منهم أيضاً أبو العتاهية الشاعر حيث يقول :

سأضرب أمثالاً لمن كان عاقلاً         يسير بها مني روي مبيت
و ما زال من قومي خطيب و شاعر   و حاكم عدل فاصل مثبت
و حية أرض ليس يرجى سليمها      تراها إلى أعداءها تنفلت


و أما الشاعر عبيد الله بن قيس ( شاعر من العصر الأموي ) فيقول :


حبذا العيش حين قومي جميع       لم تفرق أمورها الأهواء .


و هذا الشاعر العباسي ابن المعتز يقول محذراً و قد رأى موقع الخلافة العباسية يتقاذفه الأعاجم :

من مبلغ قومي على قربهم         و بعد أسماع الواعظين
إني أرى الأعداء قد رسخوا        دواهياً أنتم لها حافرون
سلوا قباب الملك عن معشر        كانوا لها من قبل مبتنين
تخبركم عن زمن لم يزل           يجد بالقوم و هم يلعبون
عانقتكم الأحلام في مضجع        سينبت الشوك لكم بعد حين


و ابن المعتز هذا ، هو عبيد الله بن محمد المعتز بالله ابن الخليفة المتوكل العباسي ابن الرشيد . و في أيامه آلت الخلافة إلى المقتدر العباسي ، فكان أن استصغره قواد الجيش و أمراؤه فقاموا بخلعه ( بلا معنى ) و أقبلوا عليه فبايعوه ، و لكنه لم يقم سوى يوم و ليلة حيث وثب عليه غلمان المقتدر المخلوع ، فخلعوه ( أيضاً بلا معنى ) ، فعاد المقتدر بالله و قبض عليه و سلمه إلى أحد خصيه و هو مؤنس الخادم فقام بخنقه ، ولم يطل العهد بخصينا هذا حتى وثب على الخليفة نفسه و قتله .


و يقول الشاعر أبو فراس الحمداني متحدثاُ بحزن عن العرب :

ما لعصا قومي قد شقها          تفارط منهم و تضييع
بني أبي فرق ما بينكم            واش على الشحناء مطبوع
عودوا إلى أحسن ما كنتم        فأنتم الغر المرابيع .

و يقول أيضاً محذراً و قد تدهور الوضع العربي لأبلغ حالة مزرية :


أبلغ لديك بني العباس مأكلة         لا تدعو ملكها ملاكها العجم
أي المفاخر أمست في منابركم       و غيركم أمرهم فيهن محتكم
بنو علي رعايا في ديارهم           والأمر تملكه النسوان و الخدم .


و قبله في الجاهلية قال الشاعر طرفة بن العبد ملمحاً :


أسلمني قومي و لم يغضبوا         لسوأة حلت بهم فادحة .


ما يمكن الاستدلال عليه من سياق ما سبق من شعر و قوافي ، هو أن الضعف العربي الذي نراه الآن عياناً ، قد وجد من قبل و بأفدح صوره و تجلياته ، و كان هناك من يراه ببصيرته الثاقبة و يحذر منه صراحة و دونما مواربة ، لا بل كان أسوأ مما يحصل الآن بكثير ، و النقد له واضح و صريح كما هو الآن . انظر إلى الشاعر عرقلة الكلبي الذي كان معاصراً للناصر صلاح الدين الأيوبي ، إذ يقول :

يا بني الأعراب إن الترك          قد جارت بنوها
عقربوا الأصداغ حيناً            و لحيني قد ثعبنوها
.


و هذا أبو العلاء المعري يقول :


أعاذل إن ظلمتنا الملوك         فنحن على ضعفنا أظلم
تسامت قريش إلى ما علمت     و استأثر الترك و الديلم .

بعد ذلك نأتي لنحمل الحاكم العربي وحده مطلقاً ، وزر كل ما حصل و يحصل ؟؟ و إذ كان لا محيص من ذلك ، أفلا تشترك الطبقة الدينية في تحمل عناء المسؤولية و تجشمها ؟؟ لماذا يقع اللوم كله على رجل السياسة و لا يتحمل رجل الدين المسؤولية ؟؟ لا بل لا يقترب منه أحد و كأنه ليس من جنس البشر بل من جنس الملائكة ؟؟ أليس هو راع لشريحة من الناس قد تكبر إلى حد الملايين بل عشراتها و مئاتها من الأنفار ، تماماً كالحاكم . ألا يتحمل المواطن العربي الطائفي أو العشائري أو المتعصب إلى حد العمى المطلق ، لآيديولوجية معينة مهما كانت سياسية أم دينية ، ألا يتحمل نصيباً من المسؤولية ؟؟ هل ما يحصل في العراق الآن هو خطأ حاكم عربي ؟؟ أم هو خطأ رجل دين أم مواطن عربي ؟؟ .
لا نريد أن نعفي الحاكم بالمطلق ، ولكن بالوقت عينه لن نحمله بالمطلق .
نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !