مواضيع اليوم

هل استقال الشباب أم الكبار ؟

إسماعيل دبارة

2008-05-25 16:40:42

0

هل استقال الشباب أم الكبار ؟

 

إسماعيل دبارة*

 

 

 

لا يمكن لأيّ كان أن ينكر أن دور الشباب في بناء المجتمع و الحفاظ على تماسكه هو دور محوري و أساسي لا تتم عملية البناء بدونه و لا تستوي بغياب هذه الفئة العمرية التي تضل مهما تواترت الدراسات من حولها و الحوارات معها فئة غامضة تأتي دوما بالجديد والغريب و الخطير.

 

شخصيا -وربما لأنني أنتمي لهذه الفئة العمرية- ، أقرّ أن أخطر ما يمكن أن يحس به الشاب هو إحساسه بأنه خارج اهتمام الكبار و تركيزهم.

هذا الشعور النفسي يبدو عاديا للبعض من ذوي التجربة و العمر المديد ، كونهم تعودوا على العبارات الجاهزة و القوالب المفرغة التي تفضي إلى الذهنية التقليدية التي تدعو إلى ترك الشباب يتحمل مسؤولياته كما تحملها آبائهم من قبل دون إسناد ودعم من أي كان.

لما كنت أزاول تعليمي الثانوي كثيرا ما رُددت من حولي تلك القوالب المسطحة: اعتمدي يا ابني على نفسك ... أنت رجل و الراجل يعمل على نفسو، اخدم روحك بروحك و اصنع روحك".

تخفي تلك العبارات ذهنية كاملة وثقافة متوارثة للأسف لا تحيل سوى إلى التقاعس في تحمل المسؤوليات و أخفاء جهل بغيض بأبسط أدبيات التنشئة و التربية و التعليم وليس إلا ثقافة الاعتماد على الذات و مواجهة الحياة بايجابياتها و سلبياتها دون خوف أو وجل.

يتطور الأمر و ربما يتغوّل ليصل إلى درجة لا تطاق ، ينفر الشاب ...ينسحب يتقزز من وضعه و يضلّ هائما على وجهه، فهو يريد لفت الانتباه بأية طريقة : البعض قد يعلن ثورة بيضاء أو حمراء  و البعض الآخر قد يهرب و لعل الهرب أخطر و أنكى من الثورة و الهيجان الشّبابي .

 

في تونس نستمع باستمرار إلى من يقول أن الشباب مستقيل من كل المناصب المدنية والسياسية الثقافية و الاقتصادية ، فلا يهتم بالشأن العام لا ينخرط في الأحزاب و لا يحاول الاطلاع حتى على برامجها ، لا يسمع عن أحزاب أو منظمات حقوقية أو إنسانية و حتى إن سمع بالمصادفة عن واحدة منها فالانطباع و الشعور اللذان  سيستخلصهما حتما هو الخوف و الخشية و بالتالي النكران و الغضب على السّاسة و السياسة و الحقوق و الواجبات .

وسائل الإعلام الوطنية لم تعد تقنع حتى من يشرف عليها ، صحف و راديو وتلفزيون ، كلها بلغة مسمارية عتيقة لا يفهمها الشاب التونسي ، طلاسم تتطّلب خبراء لفك شفرتها ،أما الشاب فلا يضيع وقته في ذلك لأنه إن كسر الشفرة لن يستفيد و إن لم يكسرها لن يخسر الكثير و ربما لن يخسر شيئا على الاطلاق فيلجأ إلى عالمه الخاص عبر الانترنت و الفضائيات و وسائل الاتصال الحديثة ليبحث عن معلومات تهم بلده من الخارج و بلغة يفهمها تسطّر بحروف عربية أو لاتينية تختلف عن المسامير التي تخزها باستمرار بلا طائل.

الثقة معدومة من منبتها ، من أصلها و جذورها ، و المؤسف أن مثقفو البلاد و مسئولوها لا يجتهدون أبدا للبحث في الأسباب الجذرية لاستقالة الشباب إن ثبتت الاستقالة بالفعل .

"الشباب هو الحل وليس المشكل "شعار فضفاض رفعته الحكومة التونسية قبل انطلاق الحوارات الشبابية التي لا أنكر أنها كانت في البداية فكرة طيبة للغاية ترغب في البحث عن مشاكل الشباب الحقيقية و الوقوف عندها ، لا أدري هل كانت هناك نية للمعالجة فيما بعد أم لا ، و لكنني أعلم أن آليات التنفيذ المتخشبة التي عمد إليها المسئولون على تلك الحوارات جعلت من الحوارات التي كانت ضرورية و في وقتها تتحول إلى ما يشبه حملة العلاقات العامة التي انحرفت بدورها لتتحول إلى دروس في الإشهار و في التسويق قبل أن تنحرف أكثر و أكثر لتصبح جوقة موسيقية ألفناها و سمعنا إيقاعاتها من قبل حتى صمت آذاننا.

شباب كثير شارك في الحوارات، يقول أنه تعرض للابتزاز ليقول ما ليس مقتنعا به ، و ان تشبث برأيه يقومون بتصويبه غصبا و البعض الآخر أشتم رائحة "العقلية الأمنية التي تتصيد الاعترافات والأخطاء لتمارس عملها فيما بعد  فلاذ بالفرار و ربما للأبد هذه المرة فالعيش المهمش و المحمل بالمشاكل أفضل بكثير من السجون و التتبعات.

 

 

الثابت أن الثقة مطلوبة في كل جلسة تضم عناصر شبابية، ربما لخصوصية العمر و ربما لأن العوامل النفسية للشباب تحضر قبل العقل و الحكمة.

 

و لما كانت الحكمة غائبة لدى الكبار طرحنا السؤال الإنكاري: هل استقال الشباب أم الكبار؟

 

بالنسبة لي لمّا يستقيل الكبار من تحمل مسؤولياتهم تجاه الشباب و البلاد لا لوم على الشباب بعد ذلك أبدا.

في تونس للأسف لم تتحمل كل الأطراف "العاقلة " مسؤولياتها لتشرك الشباب فيما يهمهم اليوم وغدا.

الحكم لا همّ له سوى إيجاد جواب أوحد وحيد عن سؤال أوحد وحيد أيضا : هل الشباب ضدنا أم معنا ، هل يزكيني أم يرفضني ؟ إن كان يرفض فالويل و الثبور و عظائم الأمور في انتظاره ، و إن كان معي و يزكيني فالشباب التونسي بخير فلم القلق ؟ و تلك هي مقولة الاحتواء  الجوفاء التي ترفض الحق في الاختلاف والتعبير عن الذات والخصوصية التي لا يمكن ان تتماهى بين فرد و آخر فما بالك بين نظام سياسي كامل و فئة عمرية تبلغ أكثر من نصف المجتمع.

أما المعارضة ومن يدير في فلكها، فحدّث و لا حرج، لا همّ لها سوى التنديد بسياسة الحكومة تجاه الشباب دون محاولة بذل أي مجهود يذكر لطرح بديل جدي يقبل عليه الشاب التونسي عن اقتناع.

قال لي زميل في الدراسة : أنا لا أخشى أعوان الأمن الذين يتزاحمون بالعشرات أمام مقرات أحزاب المعارضة و المنظمات الحقوقية المستقلة ، لأنني لم أخالف القانون ، إن أردت التردد على مقرات المعارضة فذلك حقي لكن السؤال لم أذهب و إن ذهبت و شاركت فلمن و لمصلحة من ؟ و ما الذي سأستفيده من المشاركة في ندوات تدور بين 4 جدران ؟"

 

هذا الكلام يوجه بالطبع إلى من يتذمر و يشكو من التضييقات و الحصار على نشاطه . زميلي أمتعني جدا لأنني ظننته غير مهتم بما يدور في وطنه لكنه كان على دراية بأمور كثيرا و هو نموذج جيّد للشاب المنتظر لمبادرة الكبار للخروج بالشباب من المأزق الحالي الذي يراوح مكانه.

 

ربما تحاصر السلطة بالفعل أحزاب المعارضة و ربما في الأمر مبالغة من نوع ما .و لكن لثابت أن شاب القرن الحادي والعشرين يعرف حقوقه جيدا و يرغب في ممارستها، إذن فالشكوى لم تعد تنفع هنا لان من يشكو التضييق عليه أن يكون مقنعا بشكل او بآخر ليفك التضييق من حوله، فهل أقنعت الأحزاب و الجمعيات الشباب بضرورة المشاركة في الشأن العام ؟ لا أظن ذلك.

 

 

شباب تونس لم يقدم استقالته بعد لأنه لم ينخرط فعليا في "العمل".و بالتالي فإن رسالته إلى مسئولي البلاد على اختلاف خياراتهم و انتمائهم هي أن بادروا يا قوم بالخروج بنا من حالة الفراغ و التهميش ، أشعرونا أنكم تهتموا بنا و لو قليلا ، ابذلوا جهودا فردية أو جماعية المهم أن تكون جادة و بأحرف مفهومة لا مسمارية .

اقتربوا أكثر منا لأننا نعقل و نتكلم و نتحاور، ربما ليس بالقدر الذي تحاورون به لكن مكتسباتنا و اقتداراتنا تفي بالغرض، كفانا احتواء ، لا نريد ان نكون مضمون صراع سياسي بين أطراف لا تُقنع و لا تقتنعُ.

 

فهل من مجيب؟

 

 

 

 

ismaildbara@yahoo.fr

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !