راجت في الأوساط المهتمة بالقضايا العسكرية والدراسات الاستراتيجية إخبار مفادها أن البانتاغون سحبت بعض آلياتها من المغرب دون توضيح أسباب ذلك. هذا في وقت دأبت فيه الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز قدراتها "الاتصالية" بالمنطقة منذ الوهلة الأولى من ظهور علامات التوتر في شمال مالي. وقد أكد أكثر من مصدر مهتم بالمنطقة أن واشنطن اعتمدت نهج جديد عملاتي أكثر مما مضى في كل دول المغرب العربي.
ويأتي هذا التغيير، حسب المتتبعين، في إطار ما سبق وأن تحدد إبان التغييرات القيادية الأمريكية المتمثلة في الإدارة الأمريكية الحالية التي غيرت من النظرة تجاه أفريقيا، وغيرت من حدود التوقعات بشأنها، وهدمت الكثير من أنماط التفكير التقليدية المتعلقة بالقارة، وأظهرت الحاجة إلى التطور في السياسات المرتبط بالنتائج المطلوبة من العلاقة مع القارة الإفريقية. وهو التغيير في النظرة إلى أفريقيا الذي حمل في طياته الحاجة إلى سياسات جديدية، وتطوير في البرامج والمهارات البشرية والاعتمادات المالية لمواكبة التغيير في التفكير الاستراتيجي تجاه المنطقة، وذلك استعدادا إلى تغيرات أساسية تحتاج الولايات المتحدة إلى التصدي لها في المجالات الأمنية، وتحديات حفظ السلام في تلك المنطقة. إن القارة الإفريقية تجمع 300 مليون مسلم، وهناك حاجة هامة إلى التواصل معهم من الناحية الأمنية لتقليل المخاطر الإرهابية من الكيانات الممزقة داخل القارة.
راجت هذه الأخبار في وقت تسربت أخبار بخصوص إجراء مشاورات تهم تأجيل الكونغرس مناقشة الصفقة المتعلقة بدبابات "أبرامز أي وان". وفي ذات الوقت أثارت بعض وسائل الإعلام، على حين غرة،إشكالية عدم ثقة اليابان في الطائرات الهجينة من طراز "أوسبري" التي سبق وأن سقطت إحداها في مناورات طانطان بجنوب المغرب، مع التشكيك في نجاعة وجدوى السلاح الأمريكي.
ومن المعلوم وكالة التعاون الدفاعي و الأمني سبق لها أن أطلعت مؤخرا الكونغرس الأمريكي عن صفقة بيع 200 دبابة أمريكية من نوع "Abrams M1A1" بقيمة 1.015 مليار دولار للمملكة المغربية، وفق بيان نشرته على موقعها الالكتروني .
وقد أشار هذا البيان إلى أن العقد شمل تجديد و تحديث 200 دبابة مع الأجزاء المرتبطة بها من معدات و آليات تدريب و دعم لوجيستي. كما شملت الصفقة كذلك 150 جهاز راديو من نوع "AN/VRC -87E" و 50 من نوع "AN/VRC -89E" . وستكون الدبابات الـ 200 موضوع الصفقة مزودة بـ 200 رشاش بقاعدة طراز "Chrysler" و 400 مدفع رشاش عيار 7.62 ميلمتر من نوع "M240".
كما شملت الصفقة ما مجموعه 12.049.842 قذيفة و رصاصة بما في ذلك 1400 قذيفة طراز "C785" عيار 120 ملم، و1800 قذيفة طراز "CA31 HEAT" الشديدة الانفجار والمضادة للدبابات عيار 12 ملم، بالإضافة إلى 5400 طلقة خطاطة ضد الدروع الخفيفة ذات النعل المنفصل "AA38 SLAP-T" من عيار 12.7 ملم، و200 قاذف للقنابل الدخانية من نوع "M250" .
وقد أكد البيان المذكور على أن الصفقة مندرجة ضمن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في تدعيم حليفها المغرب الذي يلعب دورا هاما في الحفاظ على الاستقرار السياسي و التقدم الاقتصادي في أفريقيا، معتبرا الصفقة غير مؤثرة على التوازن العسكري في المنطقة.
إلا أن تنفيذ هذا البرنامج العسكري الضخم سيتطلب خمس سنوات من الزيارات الحكومية للمسؤولين الأمريكيين، قدرها المختصون بـ 64 زيارة لممثلين عن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، و 13 زيارة لممثلين عن المقاولات الأمريكية للقيام بعمليات التدريب الميداني و النشر لهذا البرنامج، لينضم بذلك المغرب إلى قائمة الدول العربية التي عززت سلاحها بهذه الآلية.
وقد لعبت الدبابة الأميريكة "Abrams M1A1" دورا قتاليا حاسما في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، فيما عرف آنذاك بعملية عاصفة الصحراء سنة 1991، و التي جاء في بيان عسكري أمريكي حولها أن العملية كانت معززة بدبابات أبراهام و التي تعرضت لوابل من الطلقات من الدبابات العراقية T72 دون أن تصاب أي واحدة من الـ 7 دبابات المستهدفة بعطل نظرا لكفاءة تدريعها. و يعود إنتاج أول دبابة من نوع M1A1 إلى سنة 1985 ، كما سبق لمصر أن وقعت اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية تخول لها صناعة 40 بالمائة من الدبابة الأمريكية لتتم الولايات المتحدة الباقي، لتعاد بعد ذلك إلى مصر فيما مجموعه 880 دبابة للتجميع النهائي. و تعتبر مصر الدولة العربية الأكثر حيازة لهذا السلاح بما يتجاوز ألف دبابة متبوعة بالسعودية بحوالي 400 دبابة ثم الكويت و العراق.
كما سبق لشركة "ريثيون" لتصنيع أنظمة الدفاع الجوي أنها أبرمت صفقة مع الجيش المغربي لتزويده بصواريخ جو جو AIM-9X والتي تم تطويرها لتركب على المقاتلات ف 16. وتعتبر هذه الصواريخ غاية في الدقة ،والأكثر إسقاطا للطائرات،وتعتمد صواريخ "سايدويندر AIM-9X على الأشعة ما تحت الحمراء لتحديد الأجسام الحرارية وأتت فكرتها من الطبيعة الحرارية للأفعى القرناء ومنها تستمد إسمها. ويتواجد هذا السلاح لدى العديد من الدول منها السعودية وبولونيا وتركيا ،وتجدر الإشارة أن الولايات المتحدة لم تفصح عن العدد الذي ستزود به المغرب،مع العلم أن الجيش المغربي قد تكيف مع هذا السلاح لأنه سبق وأن أبرم في السنين الماضية صفقة للحصول على نسخة أخرى من هذه الصواريخ كانت قد زودت بهما كذلك الكويت والأردن بتشجيع من قائد المجموعة 328 في نظام التسليح التابع للقوات الأمريكية مايكل اندرسن. وحسب المتخصصين إن تركيب هذه الصواريخ على فـ 16 سيحقق توازن الردع الجوي مع مقاتلات السوخوي 30/35 التي تتواجد بمنطقة شمال إفريقيا.
وتأتي هذه التداعيات في وقت مطالبة فيه بلادنا بإعداد المخطط الأمني 2013ـ2017،في ظل تحديات كبرى وفي ظل الحديث عن موارد طاقية ،و تحت ضغط جبار قد يتطلب الحسم في ملف الصحراء،والتقرير في إستراتيجية إستحصال سبتة ومليلية و الجزر ، والحسم في إقتراب الصراع حول الدرع الصاروخي من أجوائنا، والذي وجب أن يضطلع به المجلس الاعلى للأمن. هذا المجلس الذي تنتظره العديد من المهام وعلى رأسها: القطع مع الفساد داخل الأجهزة الأمنية والدفاعية المغربية والحسم معه بشكل جدي باعتباره العدو الأول الذي ينخرنا من الداخل وهو عدو للأمن القومي المغربي ورد الإعتبار والهيبة للأمن القومي، والتفكير في إنشاء صناعة وطنية عسكرية و في مشروع للطاقة النووية للأغراض السلمية وفق ضوابط المنظمات الدولية المعنية. وتظل مهمته الحيوية المساهمة الفعالة في العمل على حسم ملف الوحدة الترابية بكافة السبل. علما أن الفصل 54 من الدستور الحالي يشير إلى أنه يُحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. أما رئاسته فهناك تنصيص على ما يلي: يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد. أما عضوية المجلس يشير الفصل 54 من الدستور الجديد إلى التركيبة التالية: يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية، والخارجية، والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يُعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره.
للإشارة إن الحادثة التي استغلها المشككون في نجاعة الطائرات الهجينة من طراز "أوسبري" تعود إلى الربيع الفارط ، إذ أن مروحية أمريكية على مثنها عدد من الجنود الأمريكيين سقطت بضواحي إقليم طانطان جنوب المغرب بعد إقلاعها من منطقة "رأس درعة . وقد ولم يتم التأكد من الأسباب التي وقفت وراء هذا الحادث الذي تزامن وقتئذ مع الاستعداد للمناورات العسكرية المغربية -الأمريكية "الأسد الإفريقي 2012" التي تنظم سنويا بالمنطقة والتي أُجريت في عضون شهر أبريل الماضي. وهي مناورات عسكرية مغربية أمريكية مشتركة تجري كل سنة و بانتظام منذ سنة 2005 تحت عنوان "الأسد الإفريقي" والتي ترعاها القيادة الإفريقية "أفريكوم". و جرت هتلك المناورات في وقت دقيق و حساس تميز بحدوث الانقلاب العسكري في مالي قد ألقى بضلاله على دول ساحل الصحراء وكانت له تداعيات وخيمة على الأمن بالمنطقة.
التعليقات (0)