هل أتاك حديث المئذنة؟.
المئذنة في لسان العرب، اسم للآلة على وزن مفعلة. والآلة لا تعدو أن تكون أداة تؤدي وظيفة محددة. وقد كان دور المئذنة في بلاد الاسلام دائما هو الاعلان عن أوقات الصلاة. وارتفاعها يمكن أكبر عدد ممكن من المؤمنين من سماع الأذان وتلبية النداء. الا أن الأمر بدا مختلفا هذه الأيام. فالمئذنة أخذت مكانة رائدة دون سائر الأحداث حتى باتت تحجب الرؤية -لارتفاع شأنها الشاهق- عن سائر مصائب العرب والمسلمين التي لا تنتهي.
أجرى السويسريون استفتاء شعبيا حول بناء المآذن.وهي خطوة لا نجد مثيلا لها في قواميس أولي العزم عندنا حتى ولو تعلق الأمر بقرارات ترهن مصير البلاد والعباد. وكان اختيار الشعب شفافا وديموقراطيا. فما الذي يقلق المسلمين في هذا الاختيار.؟ وماذا تعني كل هذه الحملات المسعورة ضد بلد يصون حقوق المسلمين أفضل من الدول الاسلامية التي ينتمون اليها؟.
يبدو أن أمراء الافتاء الجدد و شيوخ القنوات الفضائية وكل من يسير في فلكهم يريدون أن يغيروا، بقدرة قادر، دولة سويسرا من بلاد الساعات الى بلاد المآذن. عجيب أمر هؤلاء، فبعد زوبعة الحجاب في فرنسا، وقضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في الدانمارك. هاهم يوجهون البوصلة نحو بلاد الفيفا. (والمثير في المسألة ليس رد الفعل في حد ذاته، بل هو طريقته وأسلوبه).وهم بذلك لا يخدمون الدين في شيء، بل يقدمون صورة مأساوية عن طبيعة التفكير الاسلامي من جهة، ويساهمون من جهة ثانية في مزيد من توجيه الرأي العام نحو الالتفات الى الخارج تصديقا لعقلية المؤامرة، بدلا من التفكير في المشاكل الداخلية وهموم حياة الناس اليومية.
هذه الظاهرة الصوتية التي تميز العرب خاصة، تستحق أن تكون موضوعا للبحث و الدراسة. ويبدو أنها متنفس حقيقي. اذ عندما يعجز العربي الضعيف أمام ارادة جلاديه من أبناء جلدته، يتجه الى تفريغ شحنة الغضب نحو الخارج. ولا يوجد ما هو أفضل من الدين كضمانة لتحقيق هذا الاجماع على الصراخ في وجه من ينظر اليهم كأعداء الدين. لذلك ليس مستبعدا أن يدخل تنظيم القاعدة على الخط فيضيف سويسرا الى قائمة المغضوب عليهم. والمضحك المبكي في مآذن سويسرا أن الضجة المفتعلة بسبب هذا الاستفتاء ليس لها ما يبررها أصلا. اذ يتعلق الأمر بشأن داخلي له علاقة بالعمران وبجمالية البناء ،حيث يرى السويسريون أن المآذن تنتصب كنشاز لا يستقيم مع الهندسة المعمارية التي يريدونها لمدنهم. ولا يمثل هذا القرار أي تأثير على حرية العبادة. ذلك أن منع المآذن لا يعني تضييقا على الممارسة الدينية. والسويسريون مثلنا يعرفون أن المئذنة ليست ركنا من أركان الاسلام. و من تم ليس في منع بنائها أي مساس بجوهر وروح الدين الاسلامي. فهي كما أسلفنا وسيلة للاعلام. ونحن نعيش عصرا لا يعدم فيه المسلم الوسيلة لمعرفة أوقات الصلاة.
ان حال المسلمين اليوم يبعث على الشفقة أكثر من أي شعور آخر. أمة تعيش خارج سياق التاريخ، وواقع مؤلم ومأساوي.و كل النقط السوداء في هذا العالم يرسمها عرب ومسلمون : العراق و فلسطين و اليمن والصومال والسودان وايران وأفغانستان... وقد بينت الحرب الاعلامية الأخيرة بين مصر والجزائر حقيقة هذه العقلية المتحجرة التي تتغذى بالعصبية الفارغة وتنهل شعاراتها من تراث " داحس والغبراء.". وفي الوقت الذي تعيش فيه " خير أمة أخرجت للناس " في أتون صراعات مذهبية وطائفية قاتلة، يصر المسلمون على تصدير مآذنهم نحو الخارج. وماذا تراهم يصدرون غير هذا؟؟؟.
التعليقات (0)