تظهر العلاقة بين الانتصار وتوقّعه، أو الخوف من المستقبل واستعمال الدين ورموزه، طبيعية. بحكم أنّ الحظ وانتظار ما هو قادم واختلاط مشاعر الخوف بالأمل، يحضر فيها الاستعانة بالله وأنبيائه. وقد اشتهر الأفارقة في استخدام السّحر والرقية في جلْب الحظ في كرة القدم، كما أن أصل بعض الألعاب الرياضية ديني، فالأولمبياد هي ممارسات دينية إغريقية، في سفح جبل أمام الرب، وهي مسألة لا تعنينا هنا، بقدر ما نحاول فهم الانزلاقات الخطيرة في استخدام الرياضة عندنا في العالم العربي، سياسياً ودينياً.
كان رفع اليدين بالدّعاء، أو وضعها على الصدر في شكل صليب، مألوفاً منذ زمن، كما أنّ بعض الأناشيد الوطنية التي تُنشد قبل المقابلة تحمل بعضها أدعية دينية، غير أن المبالغة في جرّ الدين إلى الرياضة وتعمّد ذلك، واعتبار بعض الحركات الرمزية الدينية، سلوكاً على اللاعب أن يقوم به يحوّلها، أي هذه الرموز، إلى فتنة واستعمال بشع وانتهازي، لاستمالة المشاهد والتأثير عليه، سواء في حالة الانتصار أو الهزيمة، كون اعتبار ذلك قدراً من الله.
وقد لوحظ في الأشهر الأخيرة المزايدة في استعمال الدّين، سواء في الحرب أو الرياضة، فقد نشرت وكالات الأنباء العالمية، خبر الشركة التي تصنع الأسلحة للأمريكيين ويقاتلون بها في أفغانستان والعراق، محفور فيها رموز دينية وآيات من التوراة والإنجيل، ممّا يؤكد أنها في نظر بعض السّاسة والعسكريين حرب صليبية، وهذا يزيد من الضغينة والعداء بين المسيحيين والمسلمين، ويؤكد مقولة الصّدام الحضاري.
أما الفريق المصري، فيردّد المعلّق على المقابلة وصحفهم أن سرّ الانتصار الدعاء والسّجدة، وتحوّل السجود على أرضية ميدان اللّعب، إلى مشهد خاص بهم، وقد كان الاتفاق هذه المرّة مع كاميرات الجزيرة الرياضية، تصوير مشهدين بقصد واتفاق مُسبْق، حمل المصحف وتصوير ذلك بعد تسجيل الأهداف والاقتراب من المدرب وهو يرددّ حبيبي يا رسول الله، وقد انتُقد هذا المدرب سابقاً كونه يعمل على التحريض الديني بين المسلمين والأقباط المصريين.
في غمرة هذه المبالغة في استخدام الدين، تذكّرت مقولة العلم والإيمان، شعار السّادات الذي حمله قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ومزايدات السلطة المصرية في استخدام الدّين، لمواجهة التطرف الديني، لم يزد الجماعات إلا غيّاً وصداماً متواصلاً، وقد انبرى الأزهر في إصدار فتاوى في قضايا سياسية. هذا الهذيان والخلط بين الله والحياة السياسية والرياضية، يفسّر كذلك المأزق الحقيقي في بلداننا العربية، في انتشار الفساد وغياب الديمقراطية، وحاجة الأنظمة في توظيف، كلّ ما يمكن أن يُسيطر على شعور شعوبها، بسحرية متطورة في استمرار خلق وتكوين الشخصيات الكاريزمية الملهمة لتكون لها الشرعية الدينية والسياسية.
إن عودة الأمل في تمرير مسألة التوريث السياسي في مصر، بات واضحاً اليوم، في حالة فوز المصريين بالكأس الإفريقية. وقد علّق بعض المثقفين أنّ هذه النّشوة، قد يكون من نتيجتها نسيان حالة التدهور المعيشي والاستبداد السياسي في مصر، وأن الفوز الحقيقي كذلك، هو الانتصار على الفقر والفساد.
كما أنّ الشحن النفسي لعداء الآخرين واعتبارهم حاقدين على مصر، وصبّ وابل الشتائم والتشفي فيهم، يؤكّد السقوط الحقيقي، لبعض النخب الإعلامية والأدبية، وهي مزايدة جنونية في حبّ الوطن، الذي يختلط بالدّفاع عن أنظمة غير ديمقراطية واستبدادية، وهو ما أدّى كفرصة لإعادة السؤال بخبث عند بعض إعلاميينا وكتابنا في الجزائر عن عروبة الجزائر ولغتها العربية في يومية بالفرنسية؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات (0)