مواضيع اليوم

هل "العم سام" يجبلنا على كرهه وبغضه؟

إدريس ولد القابلة

2012-09-26 22:22:21

0

 

 

ليس جديدا أن يتجلى كره وبغض الولايات المتحدة الأمريكية على امتداد العالم العربي والإسلامي، لأنه منذ ردح من الزمن بات هذا الشعور شبه متمكّن من المسلمين في جميع بقع الكرة الأرضية.

إن آخر محطة لبروز كره "العم سام" وبغضه، تسريب لقطات من الفيلم الأمريكي "براءة المسلمين" إلى شبكة "الويب" (موقع "يوتوب"). وقد تجلى هذا الكره المستطير بحدّة ، أكثر من أي وقت مضى، عبر استهداف التمثيليات الدبلوماسية الأمريكية والهجوم عليها في جملة من البلدان الإسلامية، وذلك بعد نازلة انفجار القنصلية الأمريكية بمدينة بنغازي ، والتي ذهب ضحيتها  4 دبلوماسيين أمريكيين على رأسهم سفير واشنطن بالديار الليبية.

كما يبدو أن كره "العم سام" وبغضه على امتداد العالم العربي والإسلامي أضحى يشكل "حصان طروادة" بالنسبة لبعض السياسيين الذين يبحثون عن دعم جماهيري، ولو لحين.

فهل "العم سام"، بمواقفه وتصرفاته وصمته وتجاهله أحيانا يجبلنا على كرهه وبغضه؟

 

بروز تمظهرات جديدة لكره "العم سام" وبغضه

من المعلوم أن هذا الكره المنتشر في صفوف المسلمين عبر العالم ظل كامنا في الأعماق منذ عقود، لكن تجلياته وتمظهراته أضحت تتخذ أشكالا مختلفة منذ حرب الخليج الأولى (الحرب الحضارية الأولى حسب تعبير الدكتور المهدي المنجرة)، والتي انفجرت بعد احتلال صدام حسين لدولة الكويت. سيما وأن هذه الحرب أفضت إلى اغتيال – مع الترصد وسبق الإسرار- الشرعية الدولية وتجاوز كل مقتضيات القانون الدولي وفحوى ميثاق الأمم المتحدة، وذلك باحتلال العراق والقذف به في غياهب المجهول والدوس على كرامة الشعب العراقي وفرض عليه غزو عسكري تحكم في كل شيء.

وتلا هذه "الحرب الحضارية الأولى" ما حدث بعد 11 شتنبر 2001 وكشف الجرائم التي اقترفها الأمريكيون بمباركة دولتهم وحكومتهم ومؤسساتها، ومنها أهوال سجن "بوغريب" ثم معتقل "غوانتانامو". علما أن القضية الفلسطينية ظلت أحد الأسباب الرئيسية "المستدامة" لحضور كره "العام سام" . وقد تصاعد هذا الشعور ضد الولايات المتحدة الأمريكية رغم أن الرئيس "أوباما" سبق وأن صرّح في خطابه بالقاهرة  في يونيو 2009 أنه جاء إلى مصر سعيا وراء تحقيق انطلاقة جديدة للعلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين، كما تعهد بحل الدولتين في فلسطين وتوقيف المستوطنات الاسرائيلية. إلا أن فحوى هذا الخطاب مجرد كلام "ساخن" سرعان ما تبخر في الهواء، إذ إلى حدود اليوم لم يحصل أدنى تحسن في تلك العلاقات، بل ازدادت سوء عن السابق.

من التمظهرات الخطيرة للتعبير عن كره "العم سام" وبغضه اقتراف عمليات تفجيرية عصفت بأرواح أبرياء وخلّفت خسائر مادية مهمة، إذ أسفرت على مقتل أكثر من ثلاثين شخصا خلال أسبوع واحد فقط من الاحتجاجات والمظاهرات والوقفات في البلدان العربية والإسلامية. وقد كشفت مصادر أمريكية أن تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، دعت أعضاءها والمتعاطفين معها إلى أخذ القدوة من الليبيين الذين استهدفوا القنصلية الأمريكية ببنغازي بليبيا والقيام بمثل ما قدموا عليه. كما اعتبرت سقوط السفير الأمريكي بليبيا بمثابة أحسن هدية قُدّمت للمسلمين بمناسبة ذكرى 11 شتنبر 2001 ، ودعت إلى التخطيط لهجومات على السفارات الأمريكية بالمغرب وتونس والجزائر وموريطانيا واغتيال سفراء واشنطن بها.

عموما لا أحد في العالم العربي والإسلامي يمكن أن يقبل رواية العنف الأمريكي الوحشي في العراق وفي أفغانستان، والقتل والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية للسجناء في غوانتانامو وقبله في بوغريب. إن الإفراط الأمريكي في استخدام القوة العسكرية واعتبارها للمناهضين لهيمنتها على العالم خارجون على القانون وأشرار، كما إن محاولة فرض العملقة القائمة على منطق القوة وليس على قوة المنطق من خلال جر العالم إلى منازعات ساخنة لإخفاء المشكلات الحقيقية التي خلقها نظام الجشع الرأسمالي الذي تمت ترجمته كنظام عالمي جديد لن يكون قادراً على ضمان عملقة أمريكا لأن العالم سوف يحاربها بدون هوادة وبكل الطرق، ومنها أنواع الاعتداءات المدانة.

إن "العم سام" الذي أعلن الحرب على العالم وتحول إلى دولة احتلال في أكثر من مكان منه، يدفع اليوم ثمن سياساته وتخبطاته وعدوانه عجرفته.

 

نوازل أخرى محطات لبروز كره "العم سام"

علاوة على الفيلم المسيء لنبينا خاتم المرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، هناك أكثر من محطة برز فيها كره الولايات المتحدة الأمريكية وبغضها على امتداد العالم العربي والإسلامي، نسوق منها النوازل التالية:

رسوم الصحيفة الساخرة "شارلي إيبدو" الفرنسية

رغم أن الاحتجاجات العارمة ضد الفيلم المسيء للرسول (صلع) كانت في أوجها، قدمت الصحيفة الساخرة الفرنسية "شارلي إيبدو" على نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة لنبينا المصطفى وتستهزئ بمشاعر المسلمين، وذلك يوم 19 شتنبر 2012. وجاءت هذه الرسوم لتضيف الزيت في النار الملتهبة، علما أن الديار الفرنسية تحتضن جزءا مهما من مسلمي أوروبا الذين يفوق عددهم خمسة (5) مليون نسمة.

وللإشارة، إن  صحيفة "شارلي إيبدو" سبق لها أن نشرت رسوما كاريكاتورية مسيئة للرسول (ص) سنة 2011.

رسوم الصحيفة الدانماركية

 

من نوازل بروز التمظهرات الجديدة لكره "العم سام" وبغضه، قدوم إحدى الصحف الدانماركية، سنة 2005، على نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول (ص).

في 30 سبتمبر 2005 قامت صحيفة يولاندس بوستن الدانمركية بنشر 12 صورة كاريكاتيرية للرسول محمد (ص) وبعد أقل من أسبوعين وفي 10 يناير 2006 قامت الصحيفة النرويجية Magazinet والصحيفة الألمانية ذي "فيلت" والصحيفة الفرنسية " France Soir" وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر الصور الكاريكاتيرية. نشر هذه الصور جرح مشاعر الغالبية العظمى من المسلمين وقوبل نشر هذه الصور الكاريكاتيرية بموجة عارمة على الصعيدين الشعبي والسياسي في العالم الإسلامي وتم على إثر هذه الاحتجاجات إقالة كبير محرري جريدة " France Soir" الفرنسية . وأخذت الاحتجاجات طابعا عنيفا في دمشق حيث أضرمتالنيران في المبنى الذي يضم سفارتي الدانمرك  النرويج في 4 فبراير 2006 وتم إحراق القنصلية الدانماركية في بيروت في5 فبراير2006.

حرق كتاب الله

ومن تلك الأحداث أيضا حرق المصحف الشريف من طرف القس الأمريكي "تيري جونز" في مارس من سنة 2010، احتجاجا على اعتقال رجل الدين المسيحي يوسف نادرخاني في إيران، منذ 2009 بتهمة الردَّة، ومواجهته حكم بالإعدام، وهي نازلة خلقت جوا من البغض المستطير تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا، ولم تحصل عملية حرق المصحف على تغطية إعلامية تذكر في الولايات المتحدة، وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد ناشدت "جونز" التفكير بعواقب تصرفه .

ورفضت الكنيسة الإنجيلية قيام هذا التصرف، مستنكرة ما قام به القس، وأكدت أنه لا يعبر سوى عن ذاته فقط. وقد سبق أن أعرب مجلس الكنائس العالمي، عن قلقه وإدانته الشديدة لمبادرة حرق المصحف الشريف في ذكرى حادث 11 سبتمبر من قبل نفس القس المتطرف.

 

رواية "آيات شيطانية"

كان صدور رواية "آيات شيطانية" للمؤلف سلمان رشدي إحدى المحطات التي ساهمت في بروز كره "العم سام" وبغضه في صفوف المسلمين عبر العالم. آنذاك بدأت مظاهر الكره والبغض تتخذ أشكالا جديدة لم تكن معتادة من قبل.

لقد عرفت هذه الرواية رواجا كبيرا بفعل قوّة وحدة الاحتجاج الذي أثارته، حينها قام آية الله الخميني – الأب الروحي للثورة الإيرانية – بهذر دم مؤلفها سلمان رشدي.

 

موقع الدين في خريطة كره "العم سام" وبغضه

 

يعتبر أغلب المحللين أن مختلف المؤشرات تفيد أن عنصر الدين ليس مبعثا في ذاته لتفعيل كره الولايات المتحدة الأمريكية وبغضها. إذ من المعروف أن أمريكا الشمالية ظلت فضاء لحرية الاعتقاد والتي تعتبر في عرفها من المبادئ الدستورية الأمريكية. هذا، رغم أن المتطرفين من المسلمين – وعلى رأسهم تنظيم القاعدة- يقرّون أن هذا الشعور بالكره والبغض يرتكز أوّلا وقبل كل شيء على أساس ديني عقائدي، علما أن أمريكا تحتضن بين ظهرانيها عدد متزايد من المسلمين.

إلا أن أصحاب أطروحة "الحروب الحضارية" يعتبرون أن عنصر الدين حاضر في بروز هذا الكره بشكل أو بآخر، لأن الحروب من هذا القبيل تستهدف بالأساس نصرة مقومات حضارة معينة على كافة الحضارات الأخرى، سيما الحضارة الإسلامية، ولا يخفى على أحد أن الحضارة الإسلامية قوامها ديني، كما أن من الدوافع  – غير المعلنة- للحرب الحضارية الأولى، دوافع مساقة من الحضارة المسيحية اليهودية.

ومهما يكن من أمر، فلا يمكن إبعاد دور الدين، أو تجاهله، في تنامي كره "العم سام" وبغضه في صفوف الكثير من المسلمين عبر العالم. ومن بين المؤشرات على ذلك، أن حدثا قد يبدو بسيطا أو عاديا جدا في بلد غربي، إلا أنه يكون سببا في تهييج لهيب الشعور بالكره والبغض تجاه الغرب في البلدان العربية أو الإسلامية، لأن شعوب هذه البلدان تشعر أنها مقهورة ماديا بفعل ممارسات وتصرفات الغرب وعلى اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي حاليا القوة المسيطرة أو المهيمنة
على العالم سياسياً و اقتصادياً و عسكرياً ، لكن لن تسمح بأن تُقهر روحيا ودينيا أيضا.

قضية فلسطين مبعث كره "مستدام"

إن دعم الولايات المتحدة الأمريكية الدائم غير المشروط لإسرائيل وللصهيونية والصهاينة ظل يشكل مبعثا "مستداما" لكره "العم سام" وبغضه من طرف المسلمين عبر العالم. وهي القضية التي ساهمت في بروز تمظهرات جديدة للتعبير عن هذا الكره ببلادنا التي ظلت تنهج نخبها السياسية التقليدية نهج الاعتدال – المغالي فيه أحيانا- في التعاطي والتعامل مع القضية الفلسطينية. ولا يخفى على أحد أن واشنطن ظلت تعتبر المغرب حليفا منذ حصوله على الاستقلال. وصُنّفت بلادنا بوضوح وعلانيا من منتصف خمسينات الفرن الماضي ضمن البلدان الموالية لأمريكا.

 وقد ساهم الربيع العربي ، في فرز أشكال أكثر وضوحا وحدة في التعبير عن هذا الكره بعض التخلص من الديكتاتوريين الذين كانوا يحولون دون هذا الظهور باستعمال القمع والتنكيل والترهيب.

إن قضية فلسطين من القضايا التي برهنت بجلاء أن "العم سام" استغل قوّته وهيمنته هذه القوة استغلالاً سيئا، وأحيانا كثيرة استعملهما استعمالا بشعاً ، و هذا كافي وزيادة لبُغضه و كُرهه على وجه الإطلاق و العموم.

إن الذاكرة الشعبية والسياسية والإعلامية العربية والإسلامية تختزن أكثر من 60 فيتو ضد الحقوق العربية والفلسطينية تحديداً، وصور ومشاهد الجسور الجوية  لنقل الأسلحة الموجهة إلى العدو الصهيوني، خلال الحروب العدوانية الإسرائيلية ضد العرب عامة والفلسطينيين خاصة، كما تختزن المواقف المنحازة إلى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ أكثر من 60 سنة. يبدو أن القيادات الأمريكية لا شيء عندها أفضل من التعبير عن الانحياز إلى العدوانية الصهيونية لتتبارى فيه، سياسياً وإعلامياً. 

هناك حالة عنيفة من الاحتقان والغضب مخزونة في الذاكرة الشعبية العربية والإسلامية ضد السياسة الأمريكية، لذلك بمجرد أن تجد لها سبباً مباشراً أو غير مباشر تثور وقد تنفلت إلى الدرجة العنيفة غير المسبوقة والمؤسفة كما نعاين حاليا.

 

المطالبة بقانون دولي يمنع إساءة الأديان

باعتبار أن مهام الأمم المتحدة الجوهرية رعاية السلام بالعالم وصونه، يرى الكثيرون الآن أنه أضحى من الضروري بلورة قانون دولي يمنع إساءة الأديان، سيما وأن التهجم على دين معين أو إساءته يمكن أن تنتج عنه الحرب.

وقد طالبت فعلا أكثر من جهة  بالضغط على الأمم المتحدة لاستصدار قانون دولي يجرم الإساءة للأديان أو ازدراءها.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات