كنت أمارس حماقاتي الذهنية فأقفز بعشوائية بين الممكن والمستحيل وبين الماضي والحاضر حتى بلغت ذات الطريق الخالية دوما في مثل هذا الوقت المتأخر نسبيا،فأنا أقطن بمدينة صغيرة تنام فيها الحياة في فصول الشتاء مبكرا جدا. أعبر من تلك الطريق كلما مررت من هناك وكنت حقا أستعذب الصمت والظلام الذي تدكه أعمدة ضوء خفيف ، من جهة السيار سور يحيط بمركب ترفيهي ومن جهة اليمين سور اخر أكثر علوا يلف بناية فخمة مترامية.وليس ذلك باللأمر الهام،فقد كنت أسير كما فعلت مرارا، مطأطأ الرأس صامتا غائب الفكر في شارع شاحب أضواءه خافتة تنكسر في حدود الزوايا الضيقة التي تحيط بأعمدتها، وحين تنعكس على ربوع الشارع تبعث القليل من السكينة في النفوس وقد استعذبت المشهد وكنت كمن يتوق إلى المفاجأة لما أقنعت نفسي أن ما أراه حقيقة وليس هلوسة ، عفوا ، كان علي للأمانة أن أقول "من" رأيته فقد كان ذلك أشبه بشخص وليس محض هلوسة بصرية، وحتى تلك اللحظة لم أكن قد قرأت كثيرا عن قصص الأشباح ولم تغرني قط تلك الأفلام التي يعتقد مخرجوها في ما هو خارق لقدرة العقل البشري على الفهم، من عساه يكون فأنا إلى حدود اللحظة قانوني جد ا، أسير على يمين الشارع لا أسب أحدا ولا أغتاب أحدا ، و حتى السياسة لفظتني لأني لم أستهويها كثيرا.عندما رفعت بصري كان القادم مثلي تماما أو على الأقل ذلك ما أراد أن يظهره لي، يسير جهة اليمين خطوة خطوة..
فمن المخطئ إن لم أكن أنا ولم تكن هي، وهل أخطأ الزمن حين رمانا في ذات الطريق دون أن يمكننا من أن نلتقي؟
اخر ما سمعته منها من كلمات كانت أشياء من هذا القبيل )
- كنت أجد نفسي مضطرة للإعتذار عن أخطاء لم أقم بها مطلقا
( - كنا متعصبين جدا الواحد منا لا يجيد شيئا غير تحميل الخطايا للاخر.
عندما رفعت بصري، حتى دون أن أستيقظ من تأملاتي، لمحت الشبح مطأطأ الرأس يمشي الهوينى على يمين الطريق..، وفي الواقع ما ظنه كلانا أنه الصواب، كان يبعدنا أكثر مما يقربنا. ما الداعي لعدم التنازل ؟وكيف نرضى ببتر شخوص هم منا كاللحم والدم إرضاء لكبرياء كالسوط نستعذب جلد أنفسنا بها.والنتيجة أننا نفقدهم، والأمر اننا نراهم،تماما مثلما يروننا، نتساقط و يتساقطون كأوراق الخريف.../الكبرياء.
عندما استحال الشبح وجها أليفا جدا على كياني،والتقت العيون بعد طول انتظار، كان اخر ما نطقت به )
-"مع الأسف..لم نلتق.."
-كنت أسير على اليمين ولم أكن قط مخطئة...
-أنا أيضا..صديقيني، كنت أتمشى على اليمين مثلما أعتقد تماما أنه الأمر الصواب.
ولم نتنازل ..وامتطينا معا صهوة العناد، حتى أن الخل أنكر خله..)
عندما استيقظت من تأملاتي ونظرت إلى عينيها اخر مرة قرأت : لم نخلق أصلا لكي نلتقي..
وعندما نظرت هي إلى عيني ستكون لا محالة قد قرأت : فليكن، وأبدا لن نلتقي..
ومضت، ومضيت، وكان العناد والشك الحيرة، ثم النسيان..و كان الشارع طويلا والأمل كنجمة ابتلعها الليل البهيم.
التعليقات (0)