واستنادا لذلك فان هذا الادراك وما انتجه يعتبر في كل الاحوال ادراكا اقرب الى الحقيقه من يقية الوجودات المدركه من قبل الكائنات الاخرى ..وهي تمثل نفس درجة رقيه عنها والرقي هنا هو استيعاب حركة كل ما هو موضوعي من اجل بقاء النوع ((ان الاشتراكيه هي نزوع النوع للبقاء )) لهذا فأن الاشتراكيه لا يمكن ان تنظر الى انجازات الانسان الفكريه الناتجه من كل ذلك ولا تقيمهها من منظور دوني ولا تنتقده الا من خلال فهم على انه نشاط واعي واقعي ارتبط في مرحله معينه وفي وقت معين ويمثل جزء من واحد في حركة تطور الانسان فللدين خصوصيته وللاساطير خصوصيتها ..وهي تمثل نتاجات فكريه اجابات على تناقضات ومعاضل خلفها التطور الادراكي للوجود الانساني ككل ... وبهذا لايمكن ابدا الاستهانه بها ..لكن من الواجب البحث عن اختفاء وبقاء اصولها التي سببت ادراكها وتقع في نفس سياق حركة وعي الوجود الخماسي الذي يحكم الانسان ..وهذا المبدأ يمثل لدينا مرتكز من مرتكزات نقدنا ..ويميزنا عن بقية الاشتراكين اللذين يعتبرون ان ما هو تقدمي في مرحله ما يكون بالضروره رجعيا في مرحله لاحقه ..بينما نعتقد ان ما هو تقدمي لا يمكن ان يتحول الى رجعي بالكامل وهو في مرحله معينه يقف وسط بين هاتين الصفتين ... وان الامر يتوقف ايضا على قدرة ربطه الشامله وليست المجزءه لموضوعته مع الواقع الموضوعي ككل ... وعلى الصعيد الاجتماعي فان انبثاق الجديد عن طريق نسف القديم بشكل كامل وشامل لا يعني ابدا حركه تطوريه تقدميه ...بل ان الجديد ينبثق من نفي دور القديم والاندفاع به الى الامام وربما قسرا (ثوريا ) ..لكن بالتاكيد ليس على شكل خط مستقيم ..بل على شكل حركه خاصه ليس لها محدد ثابت ... والا فأننا نجد انفسنا في الحاله الاولى نؤمن بأن الوجود يعني ((الانبثاق )) من العدم وهذا كما نعلم مفهوم ميتافيزيقي ..بينما في الحاله الثانيه نفسر الوجود على انه ذلك الشيء (الملقى) هنا او هناك والمنبثق من شكل الحركه التي هي لحد الان وحسب ما استطعنا ان ندركه هي صفة كل ما هو مادي موضوعي ... صفة الوجود ... والتطور هو ترابط مجمل اشكال الحركه للموجودات وتمظهرها في نسق جديد بينما التقدم هو ذلك التغيير الناتج عن الحركه الجديده في وجوده في ذاته وجوهره ..اي تغيير في ((الكيفيه )) الناجم عن التغيير المتراكم ((اكمي)) ...وبينما يكون هذا القانون العام المجرد الاساس في انتقال الاشياء (الماده ) من شيء الى اخر والذي تحكمه الضروره اي(طبيعة وجوهر الاشياء المنفصله ...فأن هذا القانون يعتمد على الصعيد الاجتماعي وبحكم تطوريته الخاصه واستنادها الى دور الوعي الوجودي لوحدته او مفردته وهي الانسان لذلك فنحن لسنا مع من يقول بان الاشتراكيه ليست نسخه ارادويه ذهنيه لافراد معينين ..وان لها وجود موضوعي مستقل فحسب ..انهم بذلك لا يقومون الا بوصف الوجود التطوري ((الحتميه الاشتراكيه)) وهذا الوصف لا يخرج عن كونه جهدا فلسفيا عقيما لايمكن الا ان يوصم بالقدريه التي تجعل الزمن مهما طال هو المتحكم الوحيد في بروز وتحقق هذه الظاهره ... بينما ربط الاشتراكيه ربطا مباشرا وثيق بادراك الوجود الانساني ووعيه لهذا الوجود ..اي اعطاء الاشتراكيه بعدا وجوديا ذاتيا ارادويا مستندا الى ذلك التناقض بين دور الانسان العضو الاجتماعي وبين وجوده كفرد نوع ...يجعل من مفهوم الاشتراكيه مفهوما ايجابيا تقدميا ((وتكف عن ان تكون نخله باسقه يدركها حتى الاعمى ...لكنها نخله عقيمه بلا ثمار ...)) ان الكون مثلا يتطور في كل ثانيه وببعد زمني نعرفه عن طريق حركه عشوائيه عمياء تتمثل في اكثر ظواهرها تلك الانفجارات والنشاطات النوويه التي تشكل انبثاق موجودات كنجوم وكواكب وتركيب مجرات واضمحلال اخرى عن طريق انشطارات نوويه تسببها في النتيجه اقتحام وتسلط سيول الكترونيه ((سالبه) في وسط (متوازن) ويؤدي ذلك الى انقسامات لا حدود لها في المكون المركز (النواة ) ... لكن النواة تبقى نواة والالكترون يبقى الكترون ..يبقى ما هو سالب ..وما هو جاذب ...وما ...هو ..متوازن .... في كل شيء جديد كما هو في الشيء القديم ... لكن ليس الجديد هو نفسه القديم ...اما في المجتمع فان هذا القانون لا يمكن ان يتم بهذه الطريقه القدريه الحتميه ..بل يتحول المؤثر الاول الذي هو الاراده الانسانيه الفكريه ورغبتها كبديل عن سيل الالكترون ..ووجود عوامل لنظام اجتماعي معين ..لا يعني الا وجود موضوعي مجرد لا يمكن ادراكه الا من خلال ترابطه و(تماهي) حركته مع رغبة وارادة الانسان الفرد اولا واخرا ..والاشتراكيه بالتاي لا تعني سوى نزوع الانسان لتحقيق وجوده المستقل المرتبط بعلاقات الوجود الاعم والاشمل ..ولهذا فأننا نفهم النضال من اجل الاشتراكيه هو نضال الاشتراكيه الان وليس ذلك النضال المؤجل الذي يتجاوز بثماره ذات الانسان ويحاول ان يجعله كائنا مثالي ملائكي ..يفرط بكل جهوده ومعاناته الى اجل غير مسمى .. ان الاشتراكي وفق مفهومنا يحقق ذاته في اللحظه التي يتبنى مفاهيمه وافكاره ويغذي روحيته ويوازن مع ثنائيته البايلوجيه والسايكلوجيه ..وهو يعي بان مهمته وسر وجوده ليس معنيا باقامة عالم العدل والمساواة والرخاء الابدي الخالد ..بل انه يدرك بان سر سعادته (اكتمال وجوده ) يكمن في انتزاع حقوقه هو على مدى حياته الزمنيه المحدده ..فيأخذ بذلك ما له ويترك للزمن والخلود والابديه ما لها .
التعليقات (0)