تقسيم السودان الذى تجرى وقائعه يعد آخر دليل مؤسف على غباء النظام السياسى فى مصر ذلك أن السودان لم يكن مجرد جار مهم لمصر فحسب بل كان وسيظل البلد الذى تربطنا به وشائج مائية متينة منذ تفجر نهر النيل فى الوادى العريق الأمر الذى يؤدى لا محالة إلى حدوث شروخ لا حصر لها عنما ينشطر هذا البلد الكبير إلى دولتين.
فإذا علمت أن إسرائيل كانت تخطط منذ عام 1959 إلى فصل الجنوب وتأسيس دولة هناك يكون ولاؤها إلى تل أبيب بالدرجة الأولى وإذا علمت كذلك أن ألف خبير إسرائلى فى كافة المجالات قد زاروا جنوب السودان فى الآونة الأخيرة وفقاً لما ذكرته وسائل أقول إذا علمت كل ذلك فلك أنت تخمن ماذا يكيد أولئك وهؤلاء لمصر؟
وماذا يدبر الخبثاء فى عالمنا المعاصر من أجل المزيد من تفتيت الأمة العربية أكثر وأكثر؟
أنت تعرف وأنا أعرف أن الرابطة المائية التاريخية بيننا وبين السودان بامتداد السنين قامت بتوطيد الأواصر بين الشعبين بصورة إيجابية من أول الصلات التجارية حتى علاقات الزواج والمصاهرة ولعلك تدرى أيضاً أن محمد على باشا حاكم مصر فى النصف الأول من القرن التاسع عشر هو أول من أوفد البعثات الأوروبية لاكتشاف المنابع الأولى للنيل ومن هنا تم اكتشاف أرض السودان التى كانت تعج بقبائل من كل جنس ولون لا تحكمها دولة سياسية موحدة كما أظنك تدرى أن الملك فاروق كان يلقب بملك مصر والسودان إذ ظل البلدان يمثلان وطناً واحداً منذ عصر الخديوى حتى سنة 1956 عندما اختار السودانيون الانفصال عن مصر فى استفتاء شهير.
فأذا كان الأمر كذلك فما الذى حدث لتصل الأوضاع إلى هذا المستوى البائس من الشروخ والتصدعات فى هذه العلاقة التاريخية؟
وكيف استطاعت إسرائيل أن تؤسس لها قاعدة فى جنوب السودان تلهب خيال الناس هناك وتشحنهم بشهوة الانفصال؟ ولماذا سكتة مصر طوال العقود الأخيرة وهى ترى إسرائيل فضلاً عن أفواه الدول الغربية تتلمظ على خيرات الجنوب السودانى خاصة البترول والمعادن؟
والسبب هو أن مصر وصلت إلى درجة غير مسبوقة من الغباء السياسي حيث افتقد هذا النظام أى رؤية سياسية شاملة تضع نصب أعينها مصالح الشعب المصرى فى المقام الأول حيث كان ومازال الهم الأول والرئيسى لهذا النظام هو تأمين بقائه فى الحكم لأطول فترة ممكنة فأحوال المصريين بلغت أوضاعاً مؤسفة طوال العقود الثلاثةالأخيرة وأحوال الناس تسير من سيء إلى أسوأ من سنة إلى أخرى ولعل العمل الإجرامى الذى شهدته كنيسة القديسيين فى الإسكندرية مطلع هذا العام يؤكد مدى التدهور الذى يعترينا نحن المصريين حيث أخفق النظام تماماً فى توفير مناخ ملائم يعمل فيه الناس مسلمون ومسيحيون بمودة ويتمتعون بحياة كريمة يمارسون فيها طقوسهم الدينية بحرية وهدوء. أقول للأسف فشل النظام فى إدارة شئون وطن كبير حتى أحرقت أكبادنا جرائم متخلفة كنا نظن أنها بعيدة عن فضائنا المصرى المتسامح.
أما ما يوجع القلب حقاً فيتمثل فى أن السودان يضم بين أضلاعه 200 مليون فدان صالحة للزراعة ولكن الجزء الذى يتم استثماره منها لا يتجاوز 5% فقط فى حين أن الأراضى المصرية الصالحة للزراعة لا تزيد عن ستة ملايين فدان. تخيل معى لو أن حكامنا هنا وهناك اهتموا بشعوبهم فكيف كان الحال لو تعاون فلاحو مصر العظام مع الأراضى الزراعية الشاسعة والمهجورة فى السودان بل كيف كان مستقبل أمتنا العربية كلها لو قدم المصريون والسودانيون نموذجاً ناصعاً لتبادل المنافع والمصالح؟
وها نحن اليوم مشغولين بالثورة وبأعادة ترتيب اوراقنا السياسية والدستورية والبرلمانية وانشغلت معنا وسائل الاعلام بكافة انواعها لكى تختتم الحلقات الاخيرة من مسلسل تقسيم السودان ويبدء مسلسل باقى الدول العربية دون اى (شوشرة اعلامية ) وهذا هو المخطط الغربى لاقامة ( شرق اوسط جديد) والذى كثيرا ما تحدثت عنه كودليزا رايس وزيرة الخاجية الأمريكية فى عهد بوش والذى ساهم فيه النظام المصرى بشكل غير مباشر .
التعليقات (0)