هكذا عاش صديقي أحمد...
هذه قصة صديق لي لا أستطيع أن أضيف وصفا له لأن النعوت ستخونني، ازداد صديقي أحمد في قرية صغيرة، يعتمد معظم سكانها على الفلاحة لعيشهم.
سمة أهل هذه القرية التكبر والخيلاء والتفاخر بينهم ولكن صديقي معروف بتواضعه واحترامه للكل وكرمه وسخائه رغم مستوى عيشه البسيط.
لم يقضي أحمد صغره كباقي الأطفال بل كان دائما لا يعيش مرحلته، فحين يلعب الأطفال تراه يساعد أباه في الزراعة وتربية الغنم والمعز أو منشغلا في مساعدة أمه فهو الرجل الثاني في البيت لأن كل إخوته أصغر منه.
دخل أحمد أخيرا إلى المدرسة في سن السابعة وكانت خطوة متميزة يمكن أن تحسسه بطفولته وتمكنه من أن يعيش مرحلته، بالفعل كانت أسعد أيام حياته فقد كان متفوقا في دراسته في السنة الأولى والثانية رغم أنه لم ينشغل عن مساعدة والديه.
أما السنة الثالثة في تعليمه الابتدائي فقد كانت مختلفة، حيث غيرت مسار حياته في إتجاه آخر لم يكن في الحسبان.
كانت تلك السنة سنة جفاف مما اضطر أبو أحمد إلى السفر نحو قرية أكبر من قريتهم ليشتغل في البناء أو أي عمل آخر ليوفر لعائلته المال الكافي لعيشهم.
استمر هذا الوضع لعدة شهور، الأب يرسل المال والإبن يتحمل مسؤولية تدبير أمور البيت، أختين وأخ وأمه القاسية، كانت أمه فاطمة قاسية في التعامل معه فقط لأنها تحب إخوته الصغار أكثر منه. لكن هذا لم يكن يأثر فيه فقد كان صبورا مبتسما وكان يشعر بمسؤوليته نحو أسرته.
كان صديقي أحمد مؤمنا حقا لا يغفل عن صلاته في المسجد أبدا...
مرت هذه السنة بصعوباتها وعقباتها وقد رسب أحمد في دراسته، لكنه لازال بعزيمه القوية يرغب في الاستمرار في دراسته.
وها هي المفاجأة الكبرى في السنة الموالية، بعد أن بدأ الموسم الدراسي وأصبح الوضع مستقرا، أحمد يدرس ويتكفل بأسرته بكل صبر وقلبه منشرح، ولا يفكر في أن يمارس حقه في اللعب أو اللهو؛ يأتي الخبر من أبيه بل من أصدقاء أبيه في القرية الأخرى بأن أبو أحمد طريح الفراش... لم يستطع أحمد الصبر على الخبر فهم للسفر إلى أبيه ويا له من سفر... لم يكن أحمد يملك أية دابة ليسافر بها، فقد كان الناس أنذاك ينتقلون بالدواب فقط، أما الحافلة فتمر بعيدا عن القرية مرة كل أسبوع.
لكن حب أحمد لأبيه لم يدعه ينتظر بل سافر إلى أبيه مشيا على الأقدام، وقد لقي من سفره هذا إداية كبيرة، فبعد أن قطع ثلث المسافة بالليل حل الصباح واشتد الحر فهو في صحراء خالية وقد نفذ منه الماء، وفي الزوال حيث انتصفت الشمس، إشتد عطش أحمد فبدأ يبحث عن الماء في تلك الأرض الخالية...لكن لا أعرف هل لحسن حظه أم لسوء حظه المهم أنه قدره، فقد وجد ماء آسن ومتسخ لكن العطش بلغ مبلغه، شرب أحمد وأكمل الطريق إلى والده.
وصل أحمد إلى القرية التي يعمل بها والده، فسأل أهل القرية عنه فدلوه على مكانه.
دخل أحمد على أبيه فكانت أول نظرة بينهما بعد فراق طويل ولكن لم تكن نظرة فرح بل حزن على طول غياب، لم يستطع أحمد أن يمسك دمعته فقد كان وجه أبيه شاحبا مصفرا جراء المرض، لكن أحمد حمد الله على رأيته لوالده مرة أخرى.
قضى أحمد يوما مع أبيه، وفي اليوم الثاني إشتد المرض على أبي أحمد فمات أمام عينيه...مات أبو أحمد، فحزن كل اهل القرية فقد عرفوه رجلا صادقا مؤمنا مخلصا في عمله...أما حزن أحمد فأعمق فقد كان جرحه لا يوصف، بعد سنة من البعد عن أبيه يراه مريضا ثم يفارقه إلى الأبد.
دفن أبو أحمد في تلك القرية وكان أحمد الوحيد من عائلته الذي حضر جنازته.
بعد يومين على دفن أبيه قرر أحمد العودة إلى بيته، لكنه لا يريد السفر مشيا ويعيد الكرة.
لكن أهل تلك القرية كانوا كرماء مع أحمد فقد أعطوه حمارا ومؤونة وواسوه في مصيبته.
عاد صديقي أحمد إلى قريته، حاملا حزن أبيه في قلبه، والخبر المفجع إلى أسرته.
التعليقات (0)