مواضيع اليوم

هـل تنتهـي الحركـة الأمازيغيـة المغربيـة في أحضان اليهوديـة الصهيونيـة

شريف هزاع

2010-01-28 20:57:33

0


عبـد الفتـاح الفاتحـي

  يتشابه التكوين الأنتربولوجي لدول المغرب العربي وكذا التفاعل الاجتماعي والثقافي والسياسي لهذه الدول، وتسهم حركاتها الأمازيغية في الحراك السياسي عبر سيرورات تاريخية، وتراوحت نقاشاتها ومطالبها بين مد وجزر بحسب الظروف التاريخية لهذه الدول، لكن الانفتاح السياسي التي باتت تعيشه بلدانها أوجد أسيقة جديدة لتداول القضايا الأمازيغية الثقافية منها والسياسية والاجتماعية.
   وإن استطاع المغرب أن يكون أكثر تجاوبا مع مطالب الحركات الأمازيغية، فمكنه ذلك من تدبير هذه المطالب في إطار إجماعه الوطني حول المؤسسة الملكية، الراعية لوحدته واستقراره السياسي، فإن الجزائر اليوم لم تستوعب حراك حركاتها الأمازيغية، فاعتمدت القوة لكبح مطالبها بإقامة حكم ذاتي شرع المغرب في منحه لكل جهاته وأقاليمه طواعية.
    ولم تتوقف الحركة الأمازيغية الجزائرية في المطالبة تاريخيا بترقية الأمازيغية إلا أنها كانت تجابه برفض السلطات الجزائرية، غير أن هذه المطالب وبعد احتقان اجتماعي وثقافي ولد مطالبة أكثر حدة أربكت السلطات الجزائرية، حين طالب سكان منطقة القبائل بالاستقلال عن السلطة المركزية في الجزائر العاصمة، وكان آخر هذه التحركات للمطالبة بالاستقلال ما حدث الأسبوع الفائت حين خرج الآلاف من سكان منطقة القبائل إلى شوارع مدينة تيزي وزو بمناسبة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية للمطالبة بمنح المنطقة الحكم الذاتي، وهو ما ردت عليه قوات الأمن الجزائرية بعنف فأصابت عددا من المتظاهرين بجروح خطيرة واعتقلت آخرين، فيما لا يزال مصير عدد آخر مجهولا.
    وقال فرحات مهني زعيم حركة القبائل من أجل الحكم الذاتي من منفاه في باريس، إن المسيرة التي أراد لها منظموها أن تكون سلمية، شهدت تدخلا دمويا لقوات الأمن الجزائرية بكل من تيزي أوزو وفجايات.
    ومعلوم أن منطقة تيزي وزو عرفت حالات من الغليان منذ عدة سنوات تخللتها عدة مجازر نفذتها قوات الأمن الجزائرية وذهب ضحيتها مئات من القتلى خاصة خلال ما يعرف بـ "شهداء الربيع الأسود" لعام 2001.
   وعكس ما يحدث في الجزائر فإن المغرب يتأهب اليوم عبر توافق مجتمعي الشروع في تطبيق الجهوية الموسعة كخيارات استباقي لمطالب مكوناته المجتمعية بما فيها الأمازيغية، التي رعتها المبادرة الملكية بالمغرب على الدوام وتفاعلت معها إيجابا، مما ضمن للمغرب المحافظة على توازناته الاجتماعية والثقافية والسياسية، وتم توافق الجميع على أن معالجة المسألة الأمازيغية يجب أن تتم باعتماد مقاربة موضوعية تهدف إلى تعزيز اندماجية (المغاربة) لا إقصائية (عرب / أمازيغ)، وذلك باعتبار أن الخصوصية الثقافية والتميز المغربي وليد مسارين ثقافيين ولغويين متوازيين ومتمازجين.
   وهو الأمر الذي تجمع عليه مختلف الحركات الأمازيغية المغربية اليوم وتعتبر أن مبدأ تحقيق مطالبها يجب أن يمر عبر الإجماع الوطني المغربي، ترعاه المؤسسة الملكية، ويجمعون كباقي المغاربة على أن الإصلاحات الثقافية واللغوية والدستورية والسياسية لا يمكن أن تتم إلا عبر توافق وطني تشرف عليه المؤسسة الملكية حفاظا على وحدة المغرب وتلاحم شعبه.
   ولذلك عدت القضية الأمازيغية قضية مشروعة وعادلة وعليها إجماع وطني، تروم تحقيق إنصاف الثقافة الأمازيغية والنهوض بها في قطاعات الإعلام والتدريس والقضاء، وصولا إلى التنصيص عليها في ديباجة الدستور إلى جانب اللغة العربية، لكن مع الفصل بين هذه المطالب العادلة وبين الارتماء في أحضان الأجنبي والاستقواء بالخارج كخط أحمر، وبالأحرى الاستقواء بإسرائيل فهو جريمة.
   إلا أن المغرب وفي إطار المساحات الحقوقية والسياسية التي تشهدها المملكة كمكاسب حقوقية ثابتة للمواطنين، أوجدت قلة قليلة من نشطاء العمل الثقافي والسياسي الأمازيغي يطالبون عن مطالب شاذة عن الضمير الجمعي المغربي من قبيل تخليص الأمازيغ من الجنس العربي عبر دعم إسرائيلي لتحرير ما يسمى "بلاد تامزغا" باعتبارها حسب هذا التيار مستعمرة عربية إسلامية وجب دعم إسرائيل لتحريرها وغيرها من المواقف والتصريحات الإعلامية المتطرفة.
   وهكذا نحى قلة من الأمازيغ منحا متطرفا في الآونة الأخيرة، وهو ما اعتبر أن الغاية من تلك المواقف الشاذة هو الخروج بالأمازيغية إلى الساحة الدولية والعمل على تدويلها، ولذلك بادر عدد من متزعمي هذا التوجه إلى الارتماء في أحضان الأجنبي عبر نسج تحالفات شاذة مع جهات خارجية بما فيها بعض المنظمات الإسرائيلية، وهو ما لقي صدى مذويا لدى الرأي العام المغربي، الذي يحمل هذه النزعات اليوم على محمل الجد.
   وتلقى مثل هذه التصريحات على غرابتها عن الإجماع المغربي حيزا مهما في إعلامه الوطني، فتطفوا على السطح الإعلامي بين الفينة والأخرى، وكان آخر المواقف المتطرفة إقدام عشرون أستاذا أمازيغيا، للمشاركة في حلقة تكوينية حول (المحرقة اليهودية)، نظمها معهد "ياد فاشيم" الإسرائيلي، حيث تعد زيارتهم هذه الأولى من نوعها لوفد ينتمي إلى دولة إسلامية عربية، كما أن هذه الزيارة كانت الغاية منها تدريس موضوع المحرقة لسكان بلد عربي مسلم، حسب ما صرحت به مديرة المعهد "دوريت نوفاك" لوكالة الصحافة الفرنسية في القدس. كما أن مجلة الرابطة أشارت إلى أن جمعية سوس العالمة للصداقة الأمازيغية اليهودية، هي التي أشرفت على تنظيم هذه الزيارة.
    ويصر من وصفهم السواد الأعظم من الجمعيات الأمازيغية بـ "الأقلية العاجزة" التي لا تمثل الأمازيغ والقضية الأمازيغية إلا أن يروج لخطاب علماني يؤسس لتواجد شعبي لليهود واليهودية داخل المجتمع المغربي، الذي كان دائم التعايش مع كل الثقافات شعبيا ورسميا، إلا أن رؤية متزعمي هذا التيار ترى في اليهودية بديلا للدفع بمصالحها نحو مقامات ومجالات أوسع، عبر الإبقاء على استمرار لعبة شد الحبل بينه وبين السلطات المغربية التي يصفها بـ "العروبية" بالاستثمار في مغازلة العدو الأبدي للعروبة "إسرائيل".
    بل إنه يرى في التغزل بتل أبيب مدخلا لخلق جسر استراتيجي يمر عبره نحو الدعم السياسي والمالي للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، أو بالأحرى الاستقواء بالخارج لفرض توجهاته واختياراته ضدا على استقلالية قراره السياسي والاجتماعي للمغرب وعلى سيادته الوطنية.
والأكيد أن فشل هذا التيار بعد سنوات من العمل الداخلي من إحراز أي اختراق في الإجماع المغربي، هو الذي فرض عليه الارتماء في أحضان الخارج، كحائط قصير لتحقيق مكاسب دستورية، منها دسترة الأمازيغية وتطبيق الحكم الذاتي في المناطق الأمازيغية بصلاحيات أوسع...
    ومعلوم أن متزعمي هذا التيار المتطرف إلى إطلاق مبادرات عملية للتقارب مع إسرائيل، فأعلنوا سنة 2007 عن تأسيس كيان جمعوي أسموه "جمعية سوس للصداقة الأمازيغية اليهودية بمدينة أكادير جنوبي المغرب، ثم توالت محاولات تأسيس جمعيات أخرى كجمعية الذاكرة المشتركة بالريف، وجمعية أفراتي للصداقة والتعايش...
   وأكدوا أن من أهم أهداف هذه الجمعيات، ما اعتبروه لـ "توثيق الصلات التاريخية بين الأمازيغ واليهود الإسرائيليين الذين استوطنوا المناطق الأمازيغية بالمغرب وهاجروا إلى إسرائيل". ومكافحة اللاسامية والعنصرية، والاعتراف الدستوري والرسمي باللغتين الأمازيغية والعبرية بالشمال الأفريقي وبالعالم كله. بل وذهب البيان التأسيسي لـ"جمعية سوس للصداقة الأمازيغية اليهودية" إلى دعوة اليهود المغاربة الذين هاجروا إلى إسرائيل للعودة إلى المغرب في أي وقت يشاؤون".
   كما تقوم باق أهداف هذه الجمعية على المطالبة بتدريس تاريخ اليهود المغاربة في المدارس المغربية، وإدماج الثقافة اليهودية في وسائل الإعلام السمعي والمرئي، وإعادة الاعتبار للمكون اليهودي في الهوية المغربية...
   ويستقرئ في هذا التودد المبالغ فيه لإسرائيل بأنه مؤشر لمخطط استراتيجي طويل الأمد يتوخى تحييد الإسلام والثقافة العربية، لصالح منظور علماني أمازيغي في أفق التأسيس لما يسميه متزعمو هذا التيار "دولة تامزغا"، بعد تخليصها من ما يسمونه باستعمار العرب المسلمين. بل إن رهان متزعمي هذا التوجه صار يشكل غاية معلنة، وهو ما يعبر عنه أحد أقطاب هذا التيار المتطرف عن التوجه المغربي العام أحمد الدغرني – زعيم الحزب الديموقراطي الأمازيغي المنحل – في تصريحات صحفية: "بضرورة تحالف الأمازيغية مع اليهود، وأن الأمازيغية لن تنتصر أبدا بدون مساعدة اليهود، بل وذهب إلى ضرورة تحالف الأمازيغ مع العجم جميعا وليس اليهود وحدهم".
   وحتى وإن أردنا التماهي مع الطرح العجائبي للدغرني وبعض من أتباعه فإن الأمر لا يعدو أن يكون خدمة مجانية لفك الحصار المضروب على إسرائيل عبر صنع قدم للتطبيع الشعبي معها، والذي كانت تسعى إليه منذ زمن بعيد بعدما تأتى لها ذلك على المستوى الرسمي، بل هو عقد مصالحة معها دون جبر للضرر على ما اقترفته وتقترفه وستقترفه من جرائم في حق الإنسانية جمعاء.
   وذهب متزعمو هذا الاتجاه إلى تأسيس كيانات جمعوية مع اليهود، وذهبوا مؤكدين أن العلاقة بين الأمازيغ واليهود تعود إلى زمن بعيد؛ باعتبار أن الديانة اليهودية كانت أول ديانة سماوية اعتنقها الأمازيغ قبل المسيحية والإسلام.
   واستدل متزعمو هذا التيار بعدة نقط منها أن العرب أنفسهم ورغم صراعهم المرير مع إسرائيل في حروب كبرى: (حرب 1948، العدوان الثلاثي 1956، حرب الأيام الستة 1967، حرب 1973، حرب لبنان 1982)، إلا أن ذلك لم يقف عقبة في إقامة علاقات رفيعة المستوى بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، منها توقيع الرئيس المصري محمد أنور السادات لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في سبتمبر 1978، ولقاء الحسن الثاني مع شمعون بيريز سنة 1985 بقصر إفران، واتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية في أكتوبر 1994...
   كما أن مظاهر التطبيع المغربي مع إسرائيل على المستوى الشعبي بدت في تزايد كبير بعدما أظهر تقرير مركز الإحصاء الإسرائيلي، أن المغاربة يتصدرون لائحة السياح العرب إلى إسرائيل خلال سنوات 2006 و2007 و2008، حيث زار 28 ألف و419 مغربي في الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2008 الكيان الإسرائيلي.
   وتحدث هذه المواقف صدى مذويا في أوساط المجتمع المغربي على غرابتها عن الإجماع الوطني، الذي يستغرب اصطفاف أقلية أمازيغية لخلق محور أمازيغي إسرائيلي، بعدما لم يكن في زمن جد قريب حتى التفكير في أي تقارب مع إسرائيل لجعل المغاربة القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى.
   وعلى الرغم من ذلك فإن غالبية الجمعيات والمنظمات التي تنشط في الحقل الثقافي الأمازيغي أن الدعوة إلى تأسيس مثل هذه الجمعيات يعد تحللا في الهوية المغربية، لكون هذه المبادرة غريبة عن تقاليد وثقافة المجتمع المغربي المعروف بمواقفه التاريخية المشهودة في مناهضة الكيان الصهيوني. بل واتهمت متزعمي مثل هذا التوجه بأنهم مجموعة من المشبوهين المرتبطين بدوائر استخباراتية أجنبية أمريكية وصهيونية لم يجدوا أي مجال للاشتغال فيه سوى أن يصبحوا سماسرة للشيطان.
   وقد عبرت حركات أمازيغية وازنة في المشهد الأمازيغي عن شجبها لمثل هذه المبادرات لأنها تضر بالقضية الأمازيغية أكثر من أن تفيدها، وفي هذا الصدد أعلنت العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان عن "تنديدها الشديد لما وصفته بالزيارات المشبوهة التي يقوم بعض الأمازيغيين إلى إسرائيل، لأن هذه الزيارات المشؤومة على حد تعبيرها تمثل إساءة لباقي الأمازيغيين ومن تجريح لمشاعر إخواننا العرب المغاربة".
   ووصف البيان المبادرة بمحاولة للارتزاق على حساب القضايا المصيرية المشتركة بين العرب والأمازيغ، كان من ورائها من وصفهم البيان بـ "شرذمة أو قراصنة" محدودو العدد لا يمثلون أمازيغ المغرب.
    واستغربوا هذه المواقف الشاذة واعتبروها تزاوجا كاثوليكيا مرفوضا لدى عموم المغاربة عربا وأمازيغ، واعتبروا أن تأسيس جمعية بدعوة أمريكية للتطبيع مع إسرائيل، وتساءلوا باستغراب شديد عن طبيعة العلاقة بين الأمازيغية وهي لغة، واليهودية وهي حركة دينية.
   ويرى عدد من المتتبعين أن المغرب اليوم يبقى مستهدفا من أن تتعدد مثل هذه الأصوات الشاذة عن إجماعه الوطني، مما قد يكلفه فيما بعد متاعب كبيرة قد لا يكون بمستطاعه تدبيرها، وعليه فإن المغرب يبقى مستهدفا في وحدته بنقاشات تؤسس لصنع شروخات فكرية ومذهبية في بنيته المجتمعية لم تكن إلى حدود الأمس القريب بالقائمة، والحق أن مثيل حدة هذه السجالات التي باتت تمهد لفلسفة تقوم على الحقد والكراهية تستدعى التوقف عندها مليا للمعالجة أن يستفحل أمرها.
   إننا اليوم بحاجة إلى من يدعو إلى توحيد الجهود ولم الشمل بين الإخوة العرب والأمازيغ على رأي دين واحد وهو الإسلام مع احترام دين الأقليات يهود ومسيحيون، وتقوية الصف الداخلي المغرب لضمان استقراره الاجتماعي والسياسي بدل الاحتماء باليهود في إسرائيل.


Elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات