مصعب الهلالي:
بدأت ملامح واقع سياسي جديد تبرز على السطح رويدا رويدا في منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بالعلاقة الأمريكية العربية والعربية الإسرائيلية وهو ما قد يقلب العديد من الطاولات ويخلط الأوراق من جديد ولو إلى حين.
وقد برزت ملامح هذا الواقع الجديد بعد اتضاح (نُــذُرْ) التقارب الأمريكي الإيراني على ضوء إحساس إدارة أوباما أن لا حراك وحل سياسي يؤمن الاستقرار في العراق بعد إنسحابها المرتقب سوى عبر ترطيب الأجواء مع الجانب الفارسي ..... ولاشك ان هذا التقارب والتهدئة بينهما سيثير قلق بعض عرب الجوار في جانب ما يتعلق بعوامل عدم الثقة تجاه نوايا إيران الحقيقية في منطقة الخليج العربي برمتها بما في ذلك استقرار وأمن العراق الجديد وتكريس احتلالها لبعض الجزر العربية (طنب الصغرى) و (طنب الكبرى) التابعة لدولة الإمارات العربية .. ويثير كذلك قلق الدولة العبرية في عهد نتنياهو الذي يدرك أن أجندته وبرامجه التي حملته إلى رئاسة الوزراء لن يكتب لها التحقيق والنجاح إلا بتحييد إيران تماما في جنوب لبنان وقطاع غــزة ......
باتت اللعبة بالفعل في غاية التعقيد بالنسبة للساسة رغم أنها قد تكون مسلية للمتفرجين والمعلقين وعامة الجمهور الأوروبي والعالمي ......
كان التكتيك العربي المعتدل حتى أول أمس يراهن على أنه الوحيد الذي تسمح له السياسة الأمريكية في المنطقة بمجالستها وتقبيلها ومضاجعتها .. وعلى هذا المفهوم بنى واستغرق في اتخاذ وتشييد كافة مواقفه وتصريحاته وتوجهاته وتحالفاته الإقليمية .....
كان من ضمن مسلمات التكتل العربي المعتدل ان الولايات المتحدة لن تستمع ولن تجلس إلى حماس أو إيران وبطبيعة الحال (حزب الله) بالتبعية نهائيا ...... ولكن اتضح امس بعد تصريحات ابو مشعل ان هناك طبخة سرية ما كانت تعد في الخفاء مع الولايات المتحدة وإسرائيل التزمت خلالها حماس بوقف اطلاق الصواريخ ومنع إطلاقها كذلك توطئة لجلسات استماع ومفاوضات مباشرة سرية او علنية (لا يضير) مع الولايات المتحدة أو حتى إسرائيل .....
وعلى ضوء ذلك فمن هو المستفيد من كل هذه الربكة التي لابد أنها ستعيد ترتيب الأوراق العربية من جديد في المنطقة ؟؟
لاشك ان المستفيد دائما وكما اعتدناه ولمسناه عبر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ..... لاشك ان المستفيد النهائي سيكون ليس إسرائيل وحدها هذه المرة بل والولايات المتحدة كذلك .....
ستستفيد إسرائيل مباشرة بان تجبر المعتدل العربي على المزيد من التنازلات في صيغة المبادرة العربية التي طرحها خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله حفظه الله ..... من واقع انها ورقة الضغط السياسي والنفسي الوحيدة التي بات يمتلكها العرب الان في هذا الصراع العربي الإسرائيلي وتحظى بدعم وقبول المجتمع الدولي برمته ...... ولكن وحيث لم تستطع إسرائيل أن تطيح بهذه المبادرة بأكملها فلا أقل من أن تجبر المعتدل العربي على القبول بتعديل بعض بنودها الأساسية المتمثل أهمها في (حق العودة) التي يرفضها الإسرائيلي ولا تمانع مصر منذ زمن بعيد في حذفه من صيغة المبادرة العربية على اعتبار أنه تحصيل حاصل ولا يمثل سوى جانب نفسي بالنسبة للفلسطيني الذي استقر في الشتات منذ عام 1948م وانقطعت مصالحه الحياتية وأكل عيشه عن أرضه الأم.
اما الولايات المتحدة فإنها بتقاربها مع إيران ستضمن لنفسها الهدوء إلى حد كبير ولأطول فترة ممكنة في غرب افغانستان وجنوب العراق على أقل تقدير .
قد تكون إسرائيل متضررة في جانب استمرار التهديد النووي الإيراني ومنعها من توجيه ضربة عسكرية استباقية لهذه المنشآت النووية الإيرانية .... لكن لو اتفقنا أن النوايا الإيرانية الماثلة والمبيتة تجاه إسرائيل شيء وإمكانية استخدام السلاح النووي ضد إسرائيل شيء آخر لخرجنا بقناعة مفادها أن إسرائيل دائما الكاسبة في هذا الروليت .
ويبقى الرهان مفتوحا على من سيكون الكسبان في الصراع العربي الفارسي ؟؟
التعليقات (0)