مواضيع اليوم

هــــذا الــــرجــــل الــــغــــريــــب

عوني قاسم

2012-01-23 12:38:29

0

لم أكن أعرف هذا الرجل صبيا ولا شابا ، وإنما عرفته كهلا قد تقدمت به السن ، كان طويلا غليظا عريض الكتفين تظهر شقوق يداه وكعباه بشكل ملفت للنظر ، كان كل من في القرية يعرفه وكأنه معلم من معالمها ، لا لسبب ولكن بسبب تصرفاته الحمقاء وأعماله التي كانت نتائجها دائما معكوسة وأقواله وتدخلاته التي سببت الكثير من ألأذى لنفسه وأهل بيته ، ففي صباه ـ حسب ما حكا اقرانه ـ لم يكن له هم إلا الصراع مع أبناء جيله ومحاولة صرعهم وغلبهم ليخرج في النهاية مهزوما وقد تمزق جلبابه ليلقى الغضب والتجريح من أبيه عند عودته للبيت ، وبعد إحدى المرات انتقم من أبيه غريبة ، فقد حضر لبيتهم مجموعة من وجوه وأعيان قرية مجاورة من أجل خطبة شقيقة له ، وعندما جلسوا في بيت الضيافة أحضر وعاء فيه رماد ونثره فوق رؤوسهم فخرجوا إلى خيولهم وذهبوا ولم يعودوا .
قيل عنه أنه كان يذهب لحراثة أرض أبيه وكان معه بقرتان فإذا غضب من إحداهما كم فاها ومنعها من ألأكل والرعي وربطها وأجبرها على جر المحراث بالضرب الشديد وهي جائعة مما تسبب في هزال البقرتين ومرضهما ، وكان يقول : تمرض البقرات أرتاح أنا ، كان يأخذ فرس أبيه للمرعى فيركبها ويقوم بالطراد عليها في سهل القرية معظم النهار فلا هي ترعى ولا هي ترتاح حتى مرضت وماتت ، كان لا يقبل النصيحة من أحد ويعتبر نفسه لأنه هو ألأذكى وألأفهم والأقوى ، كان نهما أكولا فقد قيل عنه أنه إذا دخل كرم تين في الصباح فلا يترك شيئا ناضجا تطوله يداه كان أحب شيء إلى نفسه ثمار التين والصبر وكم عانى من أكلة ثمار الصبر علي الريق ولكن لا يهم ألأهم هو أن يملأ معدته ، قيل أنه كان يعمل مع أبيه خمسة حصادين وقد أحضروا معهم زادا لغدائهم فجاء إليهم قبل الظهر وطلب من أبيه رغيفا من الخبز ، فدله أبوه على مكان الزاد فأكل وذهب ، وعندما راحوا للغداء وجدوا أنه قد أكل كل الزاد والذي يزيد عن عشرة أرغفة ووعاء من اللبن الرائب وحلة من الكوسا المحشي ولم يترك شيئا حتى وعاء الماء شرب معظمه . قيل عنه أنه مرت به وهو في البرية مجموعة من الخراف ففكر ماذا ينقص من هذا الخروف الكبير لو أنه قام بقص قطعة من إليته وشواها وأكلها وقد قام فعلا بتنفيذ ما فكر فيه وقص قطعة من إلية الخروف ليموت الخروف بعد قليل نتيجة لنزف دمه ، وقد قام أصحاب الخروف بتغريمه الثمن ، قيل عنه أنه تمنى يوما لو أن الجبل الذي يقابل القرية كومة من ألأرز واللحم وهو جالس فوقه يأكل منه حتى يفنيه ، قيل عنه أنه نظر يوما إلى العشب الذي ترعى منه بقراته وتمنى أنه ثور ويشارك البقر فيه حتى يشبع ، كان كل صيد عنده حلال ويأكل . كان يحاول دائما إظهار نفسه بين أقرانه يثيرونه للتندر والاستهزاء به ، فإذا حدثوا عن مغامراتهم الشبابية فإنه يختار أجمل فتيات القرية ويدعي أنها صاحبته وأنها ابتسمت له وغمزته وأسمعته جميل الكلام ويقول أنه سيطلب من أبيه أن يخطبها له فيضحكون منه ويقولون أنها لا تستحقه ولا تصلح أن تكون زوجة له فأين هي منه . وكان وإن حصل حريقا عرضيا في القرية واحترق بعض الشجر والزرع فإنه يفاخر ويدعي أنه هو الذي أشعل الحريق مما يتسبب بالحرج لأبيه ويقوم بدفع تعويض لأصحاب ألأرض المحروقة ، وكذلك إذا حدث أي أمر في القرى المجاورة فإنه كان يدعي أنه هو الفاعل ، ليقوم أصحاب ألأمر من هذه القرى بالحضور إلى بيت أبيه وطلب ردة الشرف والتعويضات عن ما لحق بهم من أذى .
كان لنا جار له أرضا زرع فيها من غريب الشجر وظل يعتني بشجرها حتى أصبحت بستانا وكان يحرسها ليلا ونهارا وخاصة في أيام الصيف حتى ينتهي موسم الثمر وفي الشتاء يتركها ويرجع إلى بيته في القرية ، وكان في البستان شجرة كرز يفتخر الجار أنه أحضر شتلتها من لبنان ولم يكن في القرية غيرها من نوعها ، وقد كان ساقها مستقيما بطول ذراعين ، تفقد الجار إلى بستانه في يوم شتاء ليجد أن أحدا قد اجتث الشجرة عن وجه ألأرض وقص الساق من أعلاه وأخذه وترك الفروع على ألأرض فأخذ يصيح فركضنا إليه ، لقد كان فعلا منظرا مؤثرا ، كانت الفروع الحمراء على ألأرض والرجل يتمرغ في الوحل وقد اختفت معالم وجهه إلا من عينيه . رجع الجار إلى القرية وجلس في الساحة وانتظر، فإذا صاحبنا قد حضر إلى الساحة وهو يحمل بيده عصا حمراء وأخذ يفتخر كعادته ويقول : أن هذه العصا من بلاد بره وأنه أحضرها الليلة ، فقام الجار بهدوء وطلب منه أن يريه العصا فامتنع ولكن الجار خطفها منه ونزل بها على كل أنحاء جسمه ولولا أن منعه الناس لقضى عليه ثم قاموا بتغريمه مبلغا من المال .
لقد كان غريبا في كل شيء حتى في سبب موته ، فقد قيل عنه أنه كان يقوم بتقليم بعض أشجار الزيتون الكبيرة على حافة واد عميق وكان يجلس على فرع كبير من جهة الوادي ووجهه إلى ساق الشجرة ويقوم بنشر الفرع فمرت عليه إحدى نساء القرية وحذرته أن الفرع سيسقط في الوادي وأنت عليه وسوف تؤذي نفسك ، فصاح بها أنها لا تفهم وأن ذلك لا يعنيها وأنه حر بما يفعل وأن تذهب عنه وتتركه بحاله وهو يستمر بنشر الفرع ولم يكمل كلامه فقد انكسر الفرع وسقط هو والفرع في الوادي فتكسرت عظامه واخترق حسب تقرير الطبيب أحد أضلاعه رئته فمات ولم يصل المستشفى .
كان بودي أن أنهي الحديث عن هذا الرجل إلى هذا الحد ولكني لاحظت شيئا عجيبا ، فبعد سنوات من موته ذهبت إلى المقبرة في جنازة أحد الناس ، كان هناك قبرا مبنيا على عادة أهل القرية في بناء قبور موتاهم، لاحظت أن أحد القبور قد مال من الجهة الغربية ـ جهة الرأس ـ وارتفعت الجهة الشرقية بشكل ملفت للنظر كأنه يريد أن يقف على رأسه ، دققت في شاهد القبر وفي ألاسم المكتوب على اللوحة الحجرية للقبر لأجد أنه قبر صاحبنا المرحوم . علق أحد الحضور قائلا: ـ رحمه الله لقد كان حقا رأسه ثقيلا ـ .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !