فضاء الكلمة.
بقلم: خليل إبراهيم الفزيع.
هزيمة الذات.. بداية السقوط..
يتعرض الإنسان في حياته للهزائم كما يتعرض للانتصارات، ووفق معطيات ظروف معينة يجد نفسه منحازا أو مدفوعا للهزيمة أو الانتصار، بجهوده أو جهود غيره، ومع ذلك فإن توقه للمغامرة والتغيير قد يدفعه إلى المدى الأقصى من هذا أو ذاك دون أن تفت هذه النتيجة في عضده في ـ حالة الهزيمة-أو تغريه - في حالة الانتصار - إلي درجة التوقف عن طلب المزيد، لكن الإنسان وهذا من عجائب طبعه لا تحد طموحاته حدود سواء أدت هذه الطموحات للفشل أو النجاح، وإذا كان النجاح من مغريات استمرار الطموح فإن الفشل أيضا قد يكون من حوافز هذا الطموح بحثا عن عوامله وأسبابه حتى يمكن تجنبها وتقويم مسار هذا الطموح في الاتجاه الصحيح.
ومع ما يكتنزه الفشل من محرضات السعي لتعديل المسار المتعثر لدى بعض الناس فإنه لدى بعضهم الآخر يشكل إحباطا لا يرجى برؤه، وهذا نوع من هزيمة الذات أمام الحياة، وهي هزيمة تودي بصاحبها إلي فقدان الشهية حتى في الحياة ذاتها، وكم من أناس أودت بهم هزيمة الذات إلي الاضمحلال ثم التلاشي إن لم يكن بالمعنى المادي فبالمعنى الروحي، فليس الإنسان مجرد جسد، لأن هذا الجسد يفقد فاعليته بل وإنسانيته إذا أهملت فيه الروح بقتل الطموح ونسيان حوافز العمل والرغبة في استمرار الحياة على درجة من الوعي ترفض الاستسلام وتنأى عن الخمول والركود بمحاولات تجاوز الذات المحبطة إلي الذات الخلاقة والمبدعة.
هزيمة الذات أقسي على البشر من كل الأسلحة الفتاكة التي اخترعها الإنسان، وهي هزيمة تؤدي في حالة طغيان اليأس إلى الارتماء في أحضان الممارسات الخاطئة التي لا يعود ضررها على الفرد ذاته فقط، ولكنه ضرر تتسع دائرته لتشمل الآخرين، وقد يُحدث أضرارا جسيمة بالمجتمع كله وليس بشريحة محددة منه.
ومن أسباب هذه الهزيمة فقدان الثقة بالذات وعدم الإيمان بموهبة القدرة على مقاومة الهزائم مهما كانت قاسية وصلبة، وهذا السر الإلهي الذي وهبه الله لخلقه جدير بأن يكون نصب الأعين، وهي المقاومة التي يملكها ذوو العزم من البشر، ولولاها لما تحققت الانتصارات التي أنجزها الإنسان في جميع الميادين الخاصة والعامة، ولولاها لظل الإنسان كما هو في بدايات الخليقة، ولما أنجز ما أنجز من أسباب التقدم والرقي والازدهار والانتصار على الذات قبل الانتصار على الأعداء، فكل الانتصارات تبدأ دوما بالانتصار على الذات حتى لا تنزلق في منحدر الهزيمة لتصل بالإنسان إلي هاوية العدم المعنوي رغم وجوده المادي.
من يستطيع أن يزرع في الإنسان روح المقاومة وعدم الاستسلام للهزيمة غير الإنسان نفسه؟ لا أحد.
وكل العوامل والأسباب التي قد تتبادر إلي الأذهان لن تفلح في خلق تلك المقاومة ما لم يملك الإنسان ذاته ذلك الطموح وتلك الرغبة في أن يكون كما يريد أن يكون في طموحه وإبداعه وتجاوز إحباطه ليتخذ من هذا الإحباط طريقا للنجاح.
هكذا تتقدم الأمم والشعوب بالمقاومة ومحاولة النجاح والتخلي عن هزيمة الذات مهما قست عليها الظروف، وتلاعبت بها رياح العابثين بمقدرات تلك الأمم والشعوب، لأن من هزيمة الذات تأتي بداية السقوط.
التعليقات (0)