السابع والعشرون من ديسمبر ، كان ذلك هو التاريخ الذي يشير إليه التقويم المعلق على الحائط ، أطالت الوقوف وعيناها تتطلعان إلى تلك الأرقام بأسى .
منذ سنوات كانت تنتظر ذلك اليوم من كل عام على أحر من الجمر ، فهو يعني بالنسبة لها حفل كبير لعيد ميلادها يحضره الأقارب والجيران والأتراب ، والكل يأتي إلى الحفل محملا بالهدايا ، ثم تجلس بعد انصراف الجميع لتعبث مع مربيتها بأنواع من اللعب والقصص الملونة وكتب التلوين وغيرها.
عام بعد عام بدأت حفاوتها وترحيبها بهذا التاريخ في الاضمحلال ، واليوم بعد أن اكتملت سنها السابعة والثلاثين أصبح ذلك التاريخ هما ثقيلا على صدرها فقد أصبح لا يعني لها سوى لافتة كبيرة معلقة في عنقها مكتوب عليها … " عانس".
تذكرت نظرات الشفقة في عين والدها العجوز تطل عليها من خلف نظارته الطبية السميكة كل صباح وهي تقدم له الإفطار في سريره بعد أن أعجزه المرض عن الحركة ، تذكرت دعوات أمها لها في لحظات حياتها الأخيرة بأن يرزقها الله بابن الحلال ، تذكرت نظرات اللوم من جاراتها العجائز ، هل كانت هي السبب ؟ .. ربما !! رفضها المستمر للمتقدمين لخطبتها .. هذا طويل .. وهذا سمين .. وهذا أنفه معقوف .. ربما كانت مخطئة .
جالت ببصرها في أنحاء المنزل الفاخر ، كل شيء فيه يوحي بالثراء والرفاهية ، ومع ذلك فإن هناك شيء ما ينقصها ، ساعة الحائط تشير عقاربها إلى الثالثة بعد منتصف الليل ، لا رفيق لها ولا مؤنس سوى السكون ، تتجه ناحية جهاز التلفزيون ، تتجول في قنواته الفضائية ، لا تجد فيها سلوى ، تغلق الجهاز لتذهب لحجرتها ، في أحد الأركان يوجد جهاز الحاسب ، تستقر على المقعد المواجه له ، تضغط على أحد الأزرار ليصدر الجهاز أزيزا ضعيفا ثم يبدأ في العمل ، تدخل على الشبكة العنكبوتية ، وفي البريد الإلكتروني تختار أحد العناوين التي احتفظت بها لديها ، ثم تبدأ في كتابة الرسالة التالية : " صديقي العزيز ، أكتب لك مباشرة بعد أن انتهت الحفلة الكبيرة التي أقامها لي زوجي بمناسبة عيد ميلادي ، أما الهدايا التي أحضرها لي أبنائي فكانت رائعة ، ولدي الأكبر أحضر لي ……. " .
التعليقات (0)