عندما كان يتحدث الأتراك في كل مرة يتعرض لها الشعب السوري للتنكيل بأنهم لن يسمحوا بأن تتكرر المجازر التي شهدتها سوريا في بداية ثمانينات القرن الماضي، وتأكيدهم بأن الأسد قد دخل نفقاً، لم يعد لأحد أخراجه منه، وأن شرعية الأسد لم تسقط بعد، وإنما تخللها شيء من الظلال على حد وصف الاردوغان الدقيق لإجرام الأسد، دون أن يتم تقديم يد مساعدة للشعب الثائر الأبي والذي لا زال يقدم عشرات الضحايا كل يوم؛ رغم وعود الاردوغان ووزير خارجيته بأنه سيقف إلى جانب الشعب السوري، وتركه عرضة للقتل والتعذيب والبطش، وهذا كله قد يكون مفهوماً وهو أن الأتراك كانوا يقصدون التهديد والتخويف لعل الأسد يوقف إجرامه، دون أن يتدخلوا بالشأن السوري، وخصوصاً أن الأسد كان صديقاً مقرباً من الاردوغان بداية، ومن ثم قد يؤدي هذا التدخل إلى حرب تؤدي إلى توريط الأتراك بشكل رسمي في حرب تستنزف الجميع.
ولكن أن يصل الأمر بالمخابرات السورية إلى انتهاك السيادة التركية ودخول أفراد لمهاجمة اللاجئين السوريين في مخيمات أعدت لاستقبالهم، وعلى مسافة أكثر من ثلاثة كيلومترات داخل الحدود التركية، والاعتداء عليهم، وقتل بعض منهم، بالإضافة إلى اختفاء الضابط السوري المنشق "حسين هرموش" من داخل هذه المخيمات نهاية الشهر الماضي، حيث تواترت الروايات بين من اتهم المخابرات السورية باختطافه، أو من اتهم الدولة التركية بتسليمه للأسد، فهذه أمور لا يمكن أن يسكت عنها بأي حال، ولا ندري لماذا سكتت عنها الجارة التركية وخصوصاً أن الأمر يتعلق بشكل كامل بالسيادة التركية وانتهاكها من قبل نظام مجرم لم يكتفي بملاحقة خصومه ومحاولة تصفيتهم داخل الأراضي السورية، وإنما تعداها إلى انتهاك سيادة بلد مجاور.
إن الإعلان عن ظهور المقدم "حسين هرموش" الليلة على التلفاز الرسمي الأسدي، بغض النظر عما سيدلي به من اعتراف يعلم جميعنا أنه أخذ منه بالإكراه، كما نراه من قيامهم بتعذيب المعتقلين وضربهم، وإجبارهم على نطق ما يراد منهم؛ يتطلب منا أن نطرح كثيراً من التساؤلات، أهمها: لماذا سكت الاردوغان عن انتهاك سيادة بلاده وخطف لاجئ هرب إلى بلاده من نير نظام مجرم!؟ في الوقت الذي كان ينبغي أن يثير فيه هذه المسالة ويدولها بشكل قانوني ضد نظام إجرامي!! ويعمل من فوره على إبعاد المخيمات إلى مكان أبعد لكي لا يجعلهم عرضة للتصفية من قبل نظام لا يستطيع الأتراك أن يمنعوه من الوصول إلى أراضيهم وتصفية هؤلاء الخصوم!!
سكوت الاردوغان عما جرى من اعتداء على الأراضي التركية أمر محير تماماً، يؤكد أن تهديده للأسد ليس سوى زوبعة في فنجان، وأن الصداقة لا زالت قائمة بين هذين النظامين، بغض النظر عما يدعيه الجانبان من تأزم للعلاقة بينهما، مثلها في هذا مثل مهزلة طرد السفير الصهيوني والإبقاء على التمثيل القنصلي، والتي جاءت لتغطي التخاذل التركي تجاه الشعب السوري، وهذا ما فهمته المعارضة السورية الهزيلة في الخارج، والتي لم تستطع إلى هذا اليوم أن تتفق على كلمة واحدة، فقامت بنقل نفسها إلى دول أخرى، بعد أن أدركت أن لا فائدة ترجى من هذا الاردوغان، اللهم إلا تفتيت وحدتهم – الغير موجودة من الأصل– خدمة لصديقه المجرم الأسد، والذي يحاول الجميع إبقائه على سدة الحكم في سوريا، لأن هذا النظام المجرم يمثل حجر أساس في أمن المنطقة، كما صرح بهذا كل من الصهاينة والصين وروسيا والمالكي وحسن نصر الله ونجاد، وعند هذه التصريحات يمكن أن نضع كثير من النقاط فوق حروفها!!
احمد النعيمي
Ahmeeed_asd@hotmail.com
http://ahmeed.maktoobblog.com/
التعليقات (0)