جاء خطاب الرئيس مرسى اليوم كما توقعت تماما , فهو مصمم على إجراء الاستفتاء على الدستور فى الموعد الذى حدده , حيث ذكر أنه أمام إرادة الشعب يجب أن يصمت الجميع , وتناسى الرئيس أن هذا الدستور مطعون فى شرعية اللجنة التى صاغته , لأنها لجنة أقصت كل رجال الفقه الدستورى , كما انسحب منها رموز التيار الليبرالى وممثلو الكنيسة المصرية , حيث يدرك الجميع أن صياغة الدساتير لا تكون بالأغلبية بل بالتوافق , لكن يبدو أن مصر تتهيأ الآن لتكون دولة استبداد دينى وستكون جماعة الإخوان ليست سوى حلقة فى سلسلته , التى ستكون الحلقات الأقوى فيها هى الجماعة السلفية , والجماعة الإسلامية , لأنه طالما كان الإسلام هو الهدف والمبتغى , فإن الصوت الأعلى سيكون للأكثر تشددا . ويالها من ديموقراطية تلك التى تنتهى بالشعوب إلى نظام حكم بفرق بين المواطنين على أساس الانتماء الدينى , ويفتش فى صدورهم للبحث عن عقائدهم , ويرصد أية كلمة لكاتب أو بيت لشاعر , أو عبارة أو لقطة فى فيلم ليرى ما إذا كانت متفقة مع الشريعة أم لا , تلك الديموقراطية التى ظهرت أخطر أعراضها فى هذه الميليشات التى صدرت لها الأوامر لتنطلق إلى قصر الاتحادية , وتهاجم المتظاهرين السلميين , وتقتل بعضهم وتأسر الآخرين وتنكل بالنساء فى مظهر مهين لم تقم بمثله إسرائيل حتى مع منظمة حماس الفلسطينية , ثم بعد ذلك يمارسون الكذب الدينى ويدعون ان من بين القتلى أعضاء فى جماعة الإخوان , ولم يفسروا لماذا لم يسقط قتيل أو يخدش جريح قبل وصول ميليشياتهم إلى الميدان . إن الديموقراطية التى يتشبثون الآن بها هى ذاتها التى هاجموها وقالوا إنها ثقافة مستوردة من الغرب العلمانى , وأنها لا تصلح للمجتمع الإسلامى الذى يلائمه نظام الشورى التى يتولاها أهل الحل والعقد , , وهنا يحضرنى التصريح الذى أدلى به الدكتور عصام العريان قطب الإخوان المتشدد حيث قال - إن الدستور يقره الشعب ولا تقره النخبة - وذلك تعليقا على انسحاب القوى المدنية من لجنة وضع الدستور , هكذا دأب الجماعة يوظفون كل شئ لمصلحتهم ولإقصاء معارضيهم , وينسى العريان أن من أطلق عليهم النخبة هم أنفسهم أهل الحل والعقد فى الاصطلاح الاسلامى , والذين يستبعد هم الآن لصالح ديموقراطية الصناديق الغربية لأنها أتت بهم إلى قمة السلطة فى مصر حتى لو كانت على الطريقة الغربية العلمانية فهى فى هذه الحالة تكون معبرة عن رأى الشعب الذى لا يعلوه رأى آخر ! . , وهنا لا بد من التفرقة بين الديموقراطية التى صدرها لنا الغرب كما يمارسها ,وبين الديموقراطية كما نمارسها نحن فى ظل ثقافتنا والأفكار السائدة لدينا , . الغرب لم يبدأ الديموقراطية بصناديق الانتخاب , وإنما بدأها بأدمغة الناس , فقد بدأت الثورة الثقافية هناك أولا , وتحرر العقل الغربى من سيطرة الفكر الدينى , ليظل الدين شأنا خاصا بين الإنسان وخالقه , كما اتجه الغرب إلى تحرير الفكر من أى قيد إلا ماتثبته التجربة من صواب أو خطأ . بعد ذلك اتجه إلى صناديق الانتخابات التى ستصوت فيها جماهير رشيدة تعطى أصواتها لمن يقدم لها برامج تضمن لها حياة عزيزة كريمة , لا لمن يعطيها وعودا بدخول الجنة , من هنا فإن التيار الدينى فى مصر وفى جميع دول الصقيع العربى سوف يقفز إلى السلطة بواسطة صناديق الانتخابات , وتحت دعاوى ديموقراطية كسيحة سفيهة يصنعها الأميون والمعدمون , الذين تم اغتيال وعيهم باسم الدين بمساعدة وتواطؤ نظم حكم ديكتاتورية مستبدة أرادت أن تمكن لاستبدادها وظلمها وتوريث مناصبها بالتغاضى عن انتشار الفكر الدينى المتطرف والتظاهر بمقاومة أصحابه علنا بينما كانوا يتركونهم يمارسون ترويج فكرهم فى كل مكان وبكل الطرق لتتكون من محبيهم والمخدرين بفصاحة بيانهم حشود يساقون لمقرات الاستفتاء لاختيار من وعدهم بوظيفة تنقذهم من الجوع فى الدنيا أو قدم لهم بضع جنيهات تساعدهم على شقاء يومهم , أو وعدهم بأن الله سيتولى هو رعايتهم ورزقهم من حيث لا يحتسبون إن هم أعطوا أصواتهم لأنصا ر شريعة الله فى الأرض ! إذا كانت هذه هى الديموقراطية فيالها من ديموقراطية ملعونة !
التعليقات (0)